بعد أكثر من سبع سنوات على قطع العلاقات رسميا، توصلت السعودية وإيران إلى نقطة التقاء تمكنهما من البدء من جديد، في اتفاق وُصف بأنه تاريخي ويغير المعادلة، ليس فقط في الشرق الأوسط لكن أيضا على خريطة القوى الدولية.

ويرى باحثون سياسيون، أن الاتفاق سيتبعه الكثير من المتغيرات في مناطق التداخل التي يشتبك فيها البلدان وعلى رأسها حرب اليمن المستمرة منذ أكثر من 8 سنوات، بين الحوثيين المدعومين من طهران في مواجهة التحالف العربي لدعم الشرعية الذي تقوده المملكة.

وذلك إضافة للعراق وسوريا ولبنان التي تتنافس فيها قوى من الشيعة  - التي عادة ما تدعمها إيران - والسنة التي تعتبر السعودية داعم رئيسي لها.

وبعد نحو أسبوع من إعلان الاتفاق، تحركت أيضا مباحثات إيرانية إماراتية، وزار أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أبوظبي -وهو نفسه من قاد مباحثات بلاده مع الرياض - والتقى رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، ما يشير إلى أن الأيام المقبلة قد تحمل تطور جديد في المنطقة.

الصين

الاتفاق الذي جاء بوساطة صينية، بعد العديد من جولات المباحثات التي امتدت خلال العامين الماضيين، تم الانتهاء من تفاصيله هذا الشهر في بكين، في ساعات فاصلة بين ولايتين منتهية وجديدة للرئيس الصيني،  شي جين بينغ، الذي يثبت أقدامه داخليا وخارجيا في فترة ولايته الثالثة.

"جاء الاتفاق مفاجئا وخارج كل التوقعات لدرجة عدم التصديق،" وفقا لما قاله أستاذ العلوم السياسية الإماراتي والأستاذ الزائر في جامعة هارفارد عبدالخالق عبدالله لزاوية عربي.

 وأضاف: "إيران والسعودية ستعقدان العلاقات وأن الصين دون كل الدول هي من نجحت في إحداث هذا الاختراق الدبلوماسي".

نجاح الصين في هذه المهمة، وصفه الباحث السياسي السعودي سلمان الأنصاري في سلسلة تغريدات عبر تويتر، بأنه سيؤدي إلى تحول هائل في الوضع الأمني في الشرق الأوسط ما يعني أن أمريكا لن تصبح "الضامن الأمني" بالمنطقة.

فبحسب الأنصاري، فحقيقة أن الصين أصبحت قوة سياسية في الشرق الأوسط وليس قوة اقتصادية فقط، سيكون له "آثار استراتيجية عالمية لم يسبق لها مثيل".  كما أنه سيقلص - ليس فقط من دور واشنطن بالمنطقة - لكن كذلك من الخيارات التكتيكية الأمريكية وسيجعلها "محدودة" فيما يتعلق باستخدام إيران كأداة ضد السعودية.

وجاءت الوساطة الصينية، في وقت توترت فيه علاقات السعودية مع واشنطن ومرت بأكثر من منعطف - منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم في 2021 - والذي وجه انتقادات لاذعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء حملته الانتخابية.

وكان الخلاف على حجم إنتاج النفط من أبرز ملامح هذا التوتر.

بايدن وMBS

في زيارة لبايدن للسعودية يوليو الماضي، في وقت قفزت فيه أسعار النفط عالميا، كان الرهان على تلك الزيارة لإقناع المملكة بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار لكن بايدن عاد خالي الوفاض دون أي اتفاق.

وحينها قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان - المعروف في الغرب بـ MBS  - إن بلاده لن تستطيع زيادة طاقتها الإنتاجية عن الـ 13 مليون برميل يوميا المقررة سابقا.

ثم جاءت الصفعة الثانية في أكتوبر حين قررت مجموعة أوبك بلس التي تقودها السعودية وروسيا خفض الإنتاج بنحو 2 مليون برميل يوميا بداية من نوفمبر، ورغم أن أمريكا ثارت على هذا القرار وركزت غضبها على المملكة وطالب أعضاء بالكونجرس بتجميد العلاقات ووقف بيع الأسلحة للسعودية، لكن الأمور لم تصل لهذا الحد.

ورأى أستاذ العلوم السياسية الإماراتي والأستاذ الزائر في جامعة هارفارد عبدالخالق عبدالله، أن الدور الصيني هذا لا يعني تراجع لدور واشنطن بالمنطقة.

"من السابق لأوانه القول إن هذا الاتفاق يعني تراجع لأمريكا وتقدم الصين في المنطقة. نعم هناك نجاح دبلوماسي صيني لكن ليس على حساب الحضور الأمريكي في المنطقة".

صفقات السلاح

وكان آخر حديث عن اتفاقيات أسلحة بين أمريكا والسعودية في أغسطس 2022  حين نقلت وسائل إعلام عن البنتاغون، أن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على صفقة محتملة لبيع صواريخ دفاعية للسعودية والإمارات بقيمة تصل إلى 5.3 مليار دولار.

والسعودية – وفقا لما قاله محلل في وقت سابق لزاوية  - لديها أسواق كثيرة لتوفير السلاح، ووقعت في أغسطس 2021، اتفاق لتطوير مجالات التعاون العسكري مع روسيا، فيما يأتي تعميق العلاقات مع الصين في وقت تتطور صناعة السلاح في ثاني أكبر اقتصاد عالمي ليصبح  أبرز اللاعبين والأسرع تطورا خاصة فيما يتعلق بالصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الصناعي.

الصين التي يمكن وضعها في خانة حلفاء السعودية وزارها الرئيس الصيني ديسمبر الماضي، تُسارع من الإنفاق على تطوير أنظمتها العسكرية والدفاعية حتى أن تقديرات لـ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، نشرتها بي بي سي عربي في مارس 2022، تقول إن نمو الميزانية العسكرية يتجاوز نمو اقتصاد الصين عموما لعقد من الزمن على الأقل.

وزيارة الرئيس الصيني، التي وقع خلالها البلدين اتفاقيات بمليارات الدولارات لم تتضمن اتفاقات سلاح، أثارت غضب واشنطن التي وصفتها حينذاك بـمثال على محاولات الصين بسط نفوذها في العالم.

وعن التواجد الصيني في المنطقة، يرى محمد ضياء الهمامي الباحث في العلوم السياسية بكلية ماكسويل، جامعة سيراكيوز بنيويورك، مُتحدثا لزاوية عربي أن بكين ستظهر في دور "تقليل التوتر" بدلا من شن الحروب كما فعل الأمريكيون منذ التسعينات.

ومطلع التسعينات، قاد تحالف بقيادة الولايات المتحدة  حملة جوية تحولت إلى قتال بري، لإخراج العراقيين من الكويت، قبل أن تشن بعدها بسنوات الغزو الأمريكي للعراق الذي أنهى حكم صدام حسين.

"إذا تمكنت الصين من إعادة السلام إلى اليمن.. فسيكون لديهم ميزة تنافسية أخرى،" بحسب الهمامي.

ويعاني اليمن معاناة شديدة نتيجة الصراع الذي قسم البلد نصفين، ومن شأن إنهاء هذا النزاع، السيطرة على أكبر أزمة إنسانية في العالم تتطلب مساعدات إنسانية لنحو 23.7 مليون شخص بينهم 13 مليون طفل، وفق تقديرات اليونيسيف.

 إسرائيل

لا تكتمل صورة التواجد الأمريكي في المنطقة دون ضمان أمن إسرائيل التي تسعى لتطبيع العلاقات مع السعودية، في وقت تصاعد فيه وجود التيار اليميني في تل أبيب بحكومة بنيامين نتنياهو الحالية.

وقال  برنارد هيكل الخبير في قضايا الشرق الأوسط، إن المملكة تريد السلام مع إسرائيل لكن مقابل شروط.

"بالنسبة للسلام مع إسرائيل، فإن السعوديين يريدون تحقيق ذلك ولكن ليس قبل أن يحصل الفلسطينيون على دولة خاصة بهم، علاوة على ذلك، سيرغب السعوديون في الحصول على كم هائل من التنازلات من الولايات المتحدة لإحلال السلام مع إسرائيل،" وفقا لما قاله هيكل في مقابلة نشرت يوم الجمعة 10 مارس على منصة Energy Outlook Advisors المتخصصة في قطاع الطاقة.

وخلال السنوات الماضية، وقعت إسرائيل بالفعل اتفاقات لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وتعتبر تل أبيب حدوث تطبيع  مع السعودية نقلة نوعية.

وتوقع هيكل، أن تتضمن تلك التنازلات الحصول على مواد و تكنولوجيا نووية من أمريكا بالإضافة إلى مجموعة من الضمانات الأمنية التي لا يمكن أن توفرها سوى واشنطن.

الاتفاق واقتصاد إيران

تسعى إيران للعودة إلى سوق النفط العالمي لانتشال اقتصادها من تأثير العقوبات الأمريكية، لكن هيكل لا يتوقع أن يسهم الاتفاق الإيراني السعودي في إحداث فارق كبير في قطاع الطاقة الإيراني ولا في قرارات أوبك بلس.

وأوبك بلس، هي مجموعة تضم دول أوبك المنتجة للنفط بقيادة السعودية والإمارات ودول أخرى على رأسهم روسيا، وينظر إليها الآن على أنها تقف على الجانب المقابل من الموقف الأمريكي بشأن زيادة إنتاج النفط.

أما إيران، فهي لا تزال قيد العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، خاصة مع تعثر التوصل لصيغة لإحياء الاتفاق الغربي- الإيراني بشأن البرنامج النووي، بعدما انسحبت منه واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب.

"من غير المرجح أن يؤثر التوصل إلى اتفاق مع إيران على قرارات أوبك + بشأن إنتاج النفط. إيران ليست لاعب رئيسي في هذه المجموعة،" بحسب هيكل. وإيران عضوة في أوبك منذ تأسيس المنظمة في 1960 على يد 5 دول وهم: إيران، السعودية، العراق، الكويت وفنزويلا.

وأوضح هيكل أن إيران لن تتمكن من لعب دور كبير في أوبك إلا إذا زادت إنتاجها بشكل كبير والذي لن يحدث في ظل وجود العقوبات الأمريكية.

ولكنه توقع أن تستفيد إيران في حال كانت جادة في جعل هذا الاتفاق نقطة انطلاق لتحسين علاقاتها مع دول الجوار وتنشيط قطاعات اقتصادية تسهم في دعم الاقتصاد.

"هذا الاتفاق هو مجرد خطوة أولى في هذا الاتجاه (علاقة صداقة)، لكن إذا تطور إلى علاقات أفضل، فيمكن للسعودية أن تساعد في تخفيف نظام العقوبات الاقتصادية الذي شل الاقتصاد الإيراني وتقود إلى مزيد من الاستثمارات تٌضخ في قطاع البترول والغاز الإيراني، باختصار، يمكن فعل الكثير لمساعدة إيران وإعادة إقامة العلاقات الودية والتجارية عبر الخليج الفارسي والتي ستثبت أنها مفيدة للجميع،" بحسب هيكل.

ما بعد الاتفاق

يمهد الاتفاق التاريخي إلى عصر جديد.

"فالرابح هم أهل المنطقة والخسرانين أمريكا وإسرائيل،" وفقا لما قاله الكاتب والمحلل الاقتصادي القطري عبدالله عبدالعزيز الخاطر لزاوية عربي، مضيفا أنه أيضا سيكون "نهاية الابتزاز للمنطقة ونهاية هدر الموارد".

في هذا المعنى جاءت تغريدة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الجمعة  10 مارس - يوم الإعلان عن الاتفاق - قال فيها إن قرار عودة العلاقات يأتي في إطار :"يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سويا لبناء أنموذجٍ للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".

وفي مناطق النزاع المشتركة، تتجه الأنظار خلال الأيام المقبلة تجاه اليمن كبؤرة تركيز، ولبنان الذي تسبب الخلاف المدعوم من البلدين - إيران والسعودية -  بين الأطراف السياسية في تأخير تعيين رئيس للبلاد التي تعاني اقتصاديا والحال مشابه في بلدان عربية أخرى تعتمد على الطائفية في الحكم مثل العراق وسوريا.

وطرح الباحث السياسي السعودي سلمان الأنصاري في سلسلة تغريدات عبر تويتر تساؤل حول "التنازلات" التي تمكنت السعودية من الحصول عليها من إيران بشأن هذه المناطق و"الضمانات الصينية".

أما على الجانب الآخر، فيُتوقع أن يخلق الاتفاق متنفس لإيران التي تعاني من اختناق اقتصادي وسياسي مع تدهور الأوضاع وزيادة المظاهرات.

لكن ومع كل هذا الاحتفاء، يبقى الاتفاق "دون ضمانات" معلنة على الأقل، وهو مثل "كل اتفاق معرض للفشل خاصة في ظل انعدام تشابك بين نخب البلدين" بحسب ما قاله الهمامي، الباحث في العلوم السياسية بكلية ماكسويل، بجامعة سيراكيوز بنيويورك لزاوية عربي.

وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي والأستاذ الزائر في جامعة هارفارد عبدالخالق عبدالله، إن الاتفاق لا يعني نهاية فورية للتوترات وإن أسهم في تخفيفها.

"لن يغير كثير في كون إيران أكبر خطر يهدد أمن الخليج العربي ويهدد استقرار الشرق الأوسط. الخطر الذي لن ينتهي بين ليلة وضحاها وإيران لن تنتقل من دولة تصدر الثورات الى دولة تلتزم بمبدأ حسن الجوار".

(إعداد: شيماء حفظي، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل rim.shamseddine@lseg.com)
#تحليلمطول
للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا