06 10 2016

حسين السيد - كبير استراتيجيي السوق لشركة 'فوركس تايم' في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط

يشغل حسين السيد منصب كبير استراتيجيي السوق في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط لدى شركة 'فوركس تايم'، كما يقدم حسين برنامج الأعمال المسائي الشهير 'بورصات العالم' الذي تبثه قناة 'سي إن بي سي عربية'.

إن الإفراط في التعرض لأصل أو سوق واحد فقط هو بمثابة "كعب أخيل" أو نقطة الضعف الأساسية في السياسات المالية والنقدية لأي بلد من البلدان. وقد تعلمت الكثير من البلدان هذا الدرس جيدا على مر القرون وأدركت أن الإفراط في التعرض لأي أصل من الأصول هو مسألة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، حتى إذا كان هذا الأصل من أكثر الأصول ربحا. وفي بيئة تسودها العولمة، يصدق هذا الأمر بصفة خاصة عندما يتأثر الطلب تأثرا سلبيا بسبب السرعات الاقتصادية المختلفة التي تؤدي لتقلبات الأسعار. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، حيث تمثل الأنشطة النفطية 80% من الإيرادات الحكومية، تعتبر أسعار النفط العالمية المنخفضة بمثابة نقطة سلبية كبيرة، على الأقل لأن عددا كبيرا من أسواق التصدير التقليدية المستهدفة، مثل الاتحاد الأوروبي، تشهد فترات من تباطؤ النمو، مما يعني بدوره انخفاض طاقة الطلب. وفي الوقت نفسه فإن زيادة المنافسة من البلدان الأخرى المنتجة للنفط، مثل الولايات المتحدة وإيران وروسيا، تعني أن هناك فرصا أقل للتخلص من الركود بواسطة أسواق إقليمية بديلة مثل آسيا.     

وفي حقيقة الأمر فإن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) والحكومة السعودية يدركان الاتجاهات الحالية ويعلمان تماما مدى خطورة الموقف، ولذلك تم السعي لتنويع النشاط الاقتصادي من خلال برنامج التحول الوطني وإعطاء الأولوية لحماية القطاع المصرفي وتمويله. وتعتبر العوامل الأساسية، على شاكلة انخفاض الإيرادات الحكومية من الأنشطة النفطية، بمثابة إشارات تنير الطريق نحو ضرورة التنويع والإنفاق بعناية. وكانت الإيرادات النفطية قد هبطت بنحو 40% منذ نهاية عام 2013، مما يعني أن إيرادات الحكومة في عام 2015 قد انخفضت بنحو 615 مليار دولار من النفط وغيره من الأنشطة. وفي المقابل، تم خفض الإنفاق الحكومي من 211 مليار دولار في بداية عام 2015 إلى 170 مليار دولار بحلول بداية عام 2016. ومن الواضح بجلاء أن هناك قدرا كبيرا من الوعي المالي في المملكة فيما يتعلق بتحدي الاعتماد على الإيرادات النفطية، وهو أمر جيد للغاية لأن القطاع المصرفي يكون دائما أكثر صمودا في الاقتصاد الذي يتم إدارته بشكل جيد.       

غير أن الأمر الأقل وضوحا هو مدى سرعة القطاع المصرفي والنظام النقدي في التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد. وكانت احتياطات النقد الأجنبي لدى المملكة العربية السعودية قد تراجعت؛ حيث يشير تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي إلى انخفاض من 718.8 مليار ريال سعودي في يوليو 2015 إلى 689.3 مليار ريال سعودي في يوليو 2016. ومع ذلك فإن احتياطيات النقد الأجنبي تحظى بأهمية بالغة لدورها في الوفاء بالالتزامات مثل السندات الحكومية أو سندات البنك المركزي. وفي ظل اعتزام الحكومة السعودية إصدار أول سنداتها الدولية على الإطلاق في شهر أكتوبر، ستكون احتياطيات النقد الأجنبي مسألة محورية. ومن المرجح أن يحظى إصدار السندات الجديد بطلب كبير بسبب المناخ الذي يتسم بانخفاض العائد في البلدان المتقدمة، حيث من المحتمل أن يتراوح العائد عند الاستحقاق لهذه السندات بين 3.5% و 4%. ومع ذلك، فالمخاطر الخارجية ستكون أكثر توازنا عند العودة لاتجاه ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد.  

وتواجه مؤسسة النقد العربي السعودي الكثير من التحديات فيما يخص القطاع المصرفي. فواضعي السياسة النقدية يحرصون على تشجيع الإيداع في حين يقومون بخفض نسبة الإقراض/الإيداع. وكان البنك المركزي قد قرر في منتصف فبراير رفع الحد الأعلى لنسبة القروض إلى الودائع إلى 95% من 85%، ومع ذلك فإن هذه النسبة قد زادت فوق 90% في نهاية يوليو للشهر الثالث على التوالي. ومن المرجح أن تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي بزيادة الحد الأعلى أكثر من ذلك من أجل تعويض انخفاض الودائع الحكومية وزيادة السحب. وتحتاج الحكومة للمسحوبات من أجل تمويل عجز الموازنة، وهذا العجز آخذ في الزيادة بسبب تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي وهبوط الإيرادات النفطية. وفي ظل الضعف النسبي لنمو الناتج المحلي الإجمالي والذي يبلغ 3.5% وسط إعادة هيكلة مستمرة وباهظة التكاليف، تتجه الحكومة لبيع سندات داخلية لدعم الإنفاق.     

وهناك علامة تحذيرية أخرى نابعة من القطاع الخاص، والذي يشهد أزمة في السيولة وسط ظروف الاقتصاد الكلي التي تتسم بارتفاع أسعار الفائدة. وكان سعر الفائدة على الودائع بين البنوك (الإنتربنك) لمدة 3 شهور في السعودية قد ارتفع في شهر سبتمبر إلى 2.35% من أقل من 0.8% على مدار العام الماضي، مما يشير إلى أزمة خطيرة في السوق. وتؤدي زيادة تكلفة الأموال للشركات السعودية لدفع النمو الاقتصادي لمزيد من التباطؤ. وما يزال لدى مؤسسة النقد العربي السعودي الأدوات اللازمة لمعالجة الأزمة التي تواجهها الشركات، حيث يمكنها على سبيل المثال خفض نسبة السيولة القانونية، والتي تبلغ في الوقت الحالي 20% من الالتزامات الكلية  للودائع المصرفية التي يتعين الاحتفاظ بها في شكل أصول يمكن تحويلها إلى أموال نقدية في غضون شهر واحد. ومن المرجح أن يؤدي خفض نسبة السيولة القانونية لتحرير أصول سائلة والتي يمكن ضخها في نظام التدفق النقدي.       

وعلى صعيد الجوانب الإيجابية، فالإصدار الدولي للسندات في شهر أكتوبر ربما يساعد في تخلص القطاع المصرفي من بعض الضغوط حيث إن احتياجات التمويل الحكومي ستنخفض على المدى القصير والمتوسط. وسيؤدي ذلك أيضا لمساعدة الاقتصاد على التأقلم مع انخفاض أسعار النفط وتجنب الخفض المحتمل لقيمة الريال السعودي. ومن الناحية المالية، ستؤدي خطط خصخصة الأصول الحكومية للمساعدة في تقليل النفقات العامة للدولة، وبالتالي دعم تبصر وحكمة السياسات النقدية.   

وفي الحقيقة، لا ينبغي أن تكون أزمة السيولة الحالية مصدرا للقلق على الأمد الطويل إذا ظلت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية أو إذا وصلت للمستوى الذي تستهدفه منظمة أوبك والذي يتراوح بين 50 – 60 دولار، ولكن أي انخفاض كبير في الأسعار سيستدعي انتباه واضعي السياسات في السعودية على الفور.

وخلاصة الأمر، فطالما ظلت المخاوف بشأن النمو العالمي، سيظل مستوى أسعار النفط جزء لا يتجزأ من سياسة مؤسسة النقد العربي السعودي وتدخلاتها – على الأقل حتى تتم إعادة الهيكلة ويصبح لدى الاقتصاد مصادر دخل من مصادر متعددة. 

© Opinion 2016