استضافت الإمارات على مدار الأسبوعين الماضيين المؤتمر الثامن والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والمعروف إعلاميا بـ "كوب 28".

كان الهدف المتوقع منذ البداية هو البناء على المسارات السابقة بما يتوافق مع حجم التحديات العالمية إزاء التغيرات المناخية، خاصة مع تزايد الكوارث الطبيعية المتعلقة بالظاهرة، والتطلع صوب إطلاق صندوق "الخسائر والأضرار" المعلن عنه أثناء القمة السابقة التي انعقدت بمصر بعد مد يومين إضافيين لمؤتمر 2022 للوصول لهذا الاتفاق التاريخي. 

جاءت كواليس المؤتمر في دبي محملة بالأحداث منذ اليوم الأول. فوسط تساؤلات عديدة حول اختيار دولة نفطية لإقامة الحدث السنوي الأهم بيئيا، علت التوقعات من مخرجات قمة المناخ. لكن التساؤل الأهم كان حول قدرة قادة العالم على اتخاذ موقف موحد فعلي تجاه تقييد تصدير الوقود الأحفوري للانبعاثات عبر تقنين استخدامه. 

غيابات ومشاركات 

دعا البابا فرانسيس قبل بداية كوب 28 إلى اتخاذ إجراءات سريعة ضد أزمة المناخ وإدانة كل محاولات إنكار تغير المناخ. غير أنه ورغم إبداء نيته لحضور المؤتمر، الذي كان سيمثل أول زيارة بابوية إلى قمة مناخ، اضطر إلى الانسحاب بسبب اعتلال صحته.  

كما لم يحضر رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، مع تصاعد الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، بالإضافة إلى صعوبات بشأن الإنفاق الداخلي للحكومة الأمريكية، لكن نائبته كامالا هاريس ألقت الخطاب الأمريكي عوضا عنه. 

وبالنظر إلى أن بايدن حضر قمتي المناخ العامين الماضيين في غلاسكو ومصر، فإن تفويته كوب 28 يعتبر محل استفهام كونه واحد من المدافعين عن اتفاقية باريس للمناخ -الموقعة في قمة المناخ عام 2015 والتي تُعد أحد أهم الاتفاقات المعنية بمجابهة تغير المناخ- وتراجعه عن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب منها.  

وعلى الرغم من حملة بايدن الانتخابية وقت ترشحه السابق للرئاسة والتي نادت بالتوجه الأمريكي صوب الحلول الخضراء، إلا أن خطاب نائبته في كوب 28 لاقى ردود فعل مختلطة بالنظر إلى ازدهار اقتصاديات وأنشطة النفط والغاز في الولايات المتحدة حاليا. 

ومن الجانب الأمريكي أيضا، أعلن مبعوث الولايات المتحدة للمناخ جون كيري عن حملة قوية للحد من انبعاثات الميثان المسبب للاحتباس الحراري. ومن الناحية المقابلة للمحيط الأطلسي، تسلط الضوء على الكلمة الافتتاحية لتشارلز الثالث ملك المملكة المتحدة، التي ألقاها في القمة، في حين تُعتبر بريطانيا من بين أكثر الدولة الأوروبية المصدرة للانبعاثات. 

أما روسيا، وهي رابع أكبر دولة مصدرة للانبعاثات عالميا، فلم يمنع هذا رئيسها فلاديمير بوتين من زيارة الإمارات والسعودية بالتزامن مع انعقاد كوب 28 لمناقشة موضوعات اقتصادية تتعلق بالنفط. أثار الأمر استياء نشطاء بيئيين في القمة، ورفعوا لافتات مناهضة له، خاصة مع استمرار أزمة الحرب الروسية الأوكرانية. 

صندوق الخسائر والأضرار 

كما كان منتظرا، تم الاتفاق أخيرا على إطلاق صندوق الخسائر والأضرار في الجلسة الافتتاحية لليوم الأول من كوب 28.  

ربما كانت هذه البادرة المبكرة واحدة من الأخبار السعيدة نظريا للدول النامية التي هي من الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية بما يضر بقدراتها التنموية، لكن نجاح الصندوق لا يزال رهن استعدادية الدول الصناعية الكبرى الأكثر تسببا للاحتباس الحراري على تنفيذ تعهداتها والالتزام بتوفير الدعم المالي.  

يشير مصطلح "الخسائر والأضرار" إلى النتائج السلبية التي تسببها أزمة المناخ في البنية التحتية وحياة المواطنين وفرص النمو في الدول. لكن المبالغ المتعهد بها علانية حتى الآن من قبل الدول الكبرى لا تغطي كامل احتياجات العالم، خاصة بعدما تفاقم وضع الأزمة إلى نقطة "اللا عودة" كما أعلن من قبل أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. 

جاءت أزمة فيضانات باكستان وحدها خلال صيف 2022 لتكلف الدولة 30 مليار دولار تقريبا من الخسائر الاقتصادية. كما تتراوح التقديرات للتكلفة السنوية للأضرار الناجمة عن تغير المناخ من 100 مليار دولار إلى 580 مليار دولار.  

وتطالب الدول النامية بزيادة التعهدات المالية المخصصة لها للتكيف مع تغير المناخ، على أن تكون مساعدات جديدة غير ما تم تقديمه سابقا وأن تكون في هيئة منح لا ترد وليست قروض. لكن كوب 28 لم يلبي مطلب الدول النامية الخاص بتغيير طبيعة التمويلات لتكون منح. 

التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري 

كانت من أهم الموضوعات المطروحة خلال كوب 28 تلك المتعلقة بالتخفيض التدريجي لاستخدام وإنتاج الوقود الأحفوري إلى الصفر، للحد من الوفيات والأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، والحد من تغير المناخ، وتعزيز استقلال الطاقة، وذلك كجزء من استراتيجيات الدول للتحول المستمر للطاقة المتجددة التي يتم إعاقتها بسبب دعم الوقود الأحفوري. 

نشرت الأمم المتحدة قبل كوب 28، وبالتحديد في سبتمبر 2023، أول تقييم لفترة عامين لمعرفة التقدم العالمي في إبطاء تغير المناخ، والمسمى بـ"التقييم العالمي" (Global Stocktake). يعد التقييم العالمي عنصر أساسي في اتفاق باريس، والذي يُستخدم لرصد تنفيذ الاتفاق وتقييم التقدم الجماعي المحرز في تحقيق الأهداف المتفق عليها.  

ومن ثم، فإن التقييم العالمي يربط بين تنفيذ المساهمات المحددة وطنيا (وهي التزام حكومي للدول بموجب اتفاق باريس بخفض الانبعاثات) والأهداف الشاملة لاتفاق باريس، ويهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق أهداف تخفيض الانبعاثات. 

لكن اللقاءات الصحفية والأسئلة التي تم توجيهها إلى سلطان الجابر بصفته رئيس كوب 28 لم تنجح في طمأنة المهتمين بقضية خفض استخدام الوقود الأحفوري. انتقد الجابر الإعلام وزعم بأنه قد حرَّف تصريحاته بشأن قضية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وكرر الجابر حديثه بأن التدرج في إخراج الوقود الأحفوري أمر "ضروري" حقا.  

لم تكن تلك التصريحات وما سبقها من تصريحات محل الجدل الأوحد بما يخص رئيس كوب 28، إذ أثار شغله مناصب إدارية مهمة في قطاع الطاقة الإماراتي مثل كونه الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) - وهي من أكبر الشركات في صناعة النفط والغاز في العالم- تساؤلات حول إمكانية حدوث بعض التضارب في المصالح مع مهامه في قمة المناخ، وأيضا منصبه كمبعوث خاص للإمارات للتغير المناخي. 

نتائج وتعهدات

نجحت رئاسة كوب 28 في الخروج من القمة بعدة قرارات مهمة. فعلى سبيل المثال تعهدت الدول الأغنى بتقديم ما يقارب 800 مليون دولار لصندوق الخسائر والأضرار، وإن كان ذلك الرقم شديد التواضع مقارنة بالخسائر التي تكبدتها البلدان النامية من آثار التغيرات المناخية. جاء الرقم صادما ولكنه يعتبر البداية لمزيد من التعهدات المأمولة. 

بدأت الإمارات بتقديم 100 مليون دولار للصندوق، قبل أن تبادلها ألمانيا بتعهد مالي بنفس القيمة. بعدها تجاوزتهما كلا من إيطاليا وفرنسا، بفارق بسيط، حيث وعدت كل منهما بمبلغ 100 مليون يورو (ما يزيد عن 109 مليون دولار). في حين تعهدت الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة مصدرة لانبعاثات الكربون، بمبلغ 17.5 مليون دولار.  

فيما أعلنت اليابان، الخامسة عالميا في ترتيب الدول المصدرة للانبعاثات، بتعهد بلغ 10 ملايين دولار فقط.

إضافة إلى هذا، أعلن محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات في أول أيام كوب 28 عن إطلاق صندوق للاستثمار المناخي يحمل اسم "ألتيرّا"، برأس مال تحفيزي بقيمة 30 مليار دولار يهدف إلى جذب استثمارات بقيمة 250 مليار دولار بحلول عام 2030 لأجل حلول المناخ عالميا. 

وفي الإطار نفسه، أعلنت رئاسة كوب 28 توحيد 52 شركة نفطية -تمثل 40% من عملية إنتاج النفط العالمية- حول ميثاق يهدف لإزالة الكربون من صناعة النفط والغاز. 

كما تم الإعلان عن توقيع 130 دولة على تعهد لمضاعفة قدرة توليد الطاقة المتجددة إلى 11 ألف غيغاوات، وزيادة كفاءة الطاقة بنسبة مضاعفة خلال هذا العقد.  

يأتي هذا فيما كانت القمة تسعى إلى التوصل إلى توافق من الدول المشاركة كلها بشأن الخفض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري، بما يحقق هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية المتفق عليه في باريس عام 2015. 

لكن اتفاق كوب 28 -الذي تأخر بسبب الخلاف حول أمور أهمها الموقف المتعلق بالوقود الأحفوري- نص على التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري، وهو اتفاق قال عنه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إنه لن يؤثر على قدرة المملكة، أكبر مصدر للنفط عالميا، على بيع خامها، كما أنه يفسح المجال أمام الدول لتقرر بنفسها المسارات الملائمة للتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة.  

 

(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)