فرضت أزمة تراجع أسعار النفط الاخيرة واقعا اقتصاديا وماليا جديدا في دول مجلس التعاون الخليجي، طال العديد من القطاعات الهامة ومنها المصارف الذي يشكل محور النمو واساسا لأي انتعاش اقتصادي، ليواجه هذا القطاع في العديد من الدول الخليجية تحديات كبيرة منها انخفاض وتيرة الانفاق الحكومي وكذلك التراجع في الودائع الحكومية والتباطؤ في عمليات الاقراض بالإضافة إلى التراجع في العديد من الانشطة الاقتصادية مثل التجزئة والعقارات التي تعتمد في الأساس على الاقتراض.

ومع تلك التحديات التي تواجه قطاع المصارف بدأت دول مثل الامارات التفكير في حلول عملية لمواجهة تداعيات انخفاض اسعار النفط منها اندماج كيانات مصرفية بهدف خلق تكتلات قوية تستطيع مواجهة الضغوط الاقتصادية والمنافسة الشرسة بالإضافة الى مساهمة عمليات الاندماج في خفض التكاليف من جهة والعمل على زيادة الحصة السوقية من الجهة الأخرى.

وتأتي مفاوضات بنكي أبوظبي الوطني والخليج الأول أحدث المساعي التي تهدف إلى اندماج مصرفي سينتج عنها أكبر كيان مالي ومصرفي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإجمالي أصول يصل إلى 626.1 مليار درهم أي حوالي 170.7 مليار دولار، وتلك هي المحاولة الثانية بعد اندماج بنكي الإمارات وبنك دبي الوطني في عام 2007 في كيان مصرفي جديد وهو الإمارات دبي الوطني ليصبح بعد ذلك ثالث أكبر بنك في المنطقة بأصول تبلغ 113 مليار دولار.

وتشكل الكويت حالة فريدة خليجيا ربما تصعب تكرار سيناريوهات الاندماج المصرفي بها، حيث ان اغلب البنوك الكويتية هي بنوك ذات تأثير ملكيات عائلية وهي ملكيات للقطاع الخاص، وهو ما يجعل من فرضيات الدمج وتوحيد الأعمال أمرا صعبا، على عكس ما يجري في الخليج، حيث الملكيات الحكومية للبنوك تسهل عملية اتخاذ قرار الاندماج بأمر حكومي.

ورغم أن هناك عاملا أخر يتمثل في وجود بنوك مملوكة بنسبة لا تقل عن 24% للصندوق السيادي للبلاد وغيرها من الملكيات الحكومية، الا ان القرار يبقى للقطاع الخاص، فمادامت الحكومة مشاركا صامتا وحياديا في البنوك الكويتية.

وهو امر يختلف على سبيل المثال في قطر التي تملك بها مؤسسة قطر القابضة وهي ذراع الصندوق السيادي للبلاد نحو 50% من بنك قطر الوطني، وفي الإمارات يملك مجلس أبوظبي للاستثمار حصة تصل إلى 69% في بنك أبوظبي الوطني، وهو ما يسهل عمليات الدمج بين المصارف حيث تملك تلك الصناديق الادوات الاستثمارية التي تمكنها من اتمام تلك العمليات والاستفادة في المستقبل من الكيانات المصرفية الكبرى في عملياتها الخارجية والداخلية.

ويبلغ اجمالي اصول البنوك الكويتية 60 مليار دينار لتشكل 10.5% من اجمالي اصول المصارف الخليجية التي تناهز تريليوني دولار، فيما يبلغ اجمالي الودائع متضمنة الودائع الحكومية 40 مليار دينار.

ويعمل في السوق الكويتي 11 بنكا محليا منها 10 بنوك مدرجة في البورصة الكويتية وتصل قيمتها السوقية نحو 9.4 مليارات دينار، فيما يعمل بالسوق الكويتي 12 فرعا لمصارف اجنبية.

وبجانب التحديات الكبيرة المتمثلة في ازمة النفط التي تواجه قطاع المصارف الكويتي، هناك تحديات داخلية تواجه القطاع ومنها تشبع السوق والمنافسة الشديدة، بالإضافة إلى صغر حجم سوق الائتمان المحلي وهو ما يدفع البنوك نحو خيارات منها اجراء استحواذات خارجية وتلك فرضية تحمل مخاطر جراء تقلبات العملات.

لذلك سيكون السوق الكويتي أكثر قابلية لعمليات اندماج مصرفي تخلق كيانات مالية كبرى تستطيع التعامل مع الازمات بالإضافة إلى انها ستكون أكثر قدرة على النمو مستقبلا.

وفي استمرار الوضع على ما هو عليه، ستواجه البنوك تحديات في ظل التكتلات التي تنشأ في محيطها الخليجي، والتي تصعب عملية توسعها اقليميا في المستقبل، وربما تأخذ البنوك الأجنبية خطوات أكبر في السوق الكويتية، مع وجود اغلب بنوك المنطقة في الكويت، حيث ستصبح تنافسيتها اقل في المشاريع الضخمة، التي تمكن البنك الأكبر من تقديم اسعار تنافسية للموردين والمقاولين وللحكومة في إطار المشاريع الضخمة في الكويت، وترك سوق الأفراد للتنافس بين البنوك المحلية، وهو واقع بدأت البنوك تعيشه في الآونة الاخيرة.