لا تبدو العلاقة بين تونس وصندوق النقد في أحسن حالاتها رغم ما تعيشه البلد من أزمات اقتصادية تتطلب تمويلات عاجلة لسداد ديونها الخارجية وتوفير السيولة لخزانة الدولة.

وتعاني تونس، المثقلة بالديون، من أزمة اقتصادية منذ عدة سنوات مع تأخر الاتفاق مع صندوق النقد للحصول على تمويل بـ 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهر والمُعلق منذ أكتوبر 2022 بسبب ضغوط سياسية وتعذر الحكومة عن اتخاذ إجراءات تقشف طلبها الصندوق.

وأجلت تونس زيارة لوفد الصندوق التي كانت مقررة في ديسمبر الماضي فيما قام الصندوق بتصنيف تونس ضمن قائمة سلبية تضم أكثر من 10 دول شهدت تعثر في استكمال المشاورات مع الصندوق.

وفي ظل تلك الأزمة، قامت السلطات التونسية بإعداد قانون يتعلق بالترخيص للبنك المركزي التونسي بمنح تمويل مباشر للحكومة للمساعدة في سداد ديون عاجلة. 

فهل فضلت الحكومة التعويل على الاقتراض الداخلي رغم مخاطره وتخلت عن تمويلات الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي؟

الاقتراض الداخلي 

صادق البرلمان التونسي، الثلاثاء، على مشروع قانون يتعلق بالترخيص للبنك المركزي بمنح تمويل مباشر للحكومة بقيمة 7 مليار دينار تونسي (نحو 2.24 مليار دولار) لسداد ديون خارجية عاجلة ونفقات حكومية، منها 3 مليار دينار تحتاجها تونس لسداد ديون بشكل عاجل.

وقالت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصية خلال جلسة التصويت على مشروع القانون، إن طلب تمويل مباشر من البنك المركزي كان مدروس قصد إيجاد مصادر تمويل مستعجلة وملحة للدولة حتى نهاية مارس 2024 وأن هذا التمويل لن يكون له تأثير على التضخم.

وسبق لمحافظ المركزي التونسي مروان العباسي أن أشار خلال مناقشة مشروع القانون، إلى إن منح الحكومة تمويل من الداخل لن يؤثر على التضخم، لكن احتياطي العملة الأجنبية سينخفض بما يعادل 14 يوم من الواردات، كما أنه سيؤثر على سعر الصرف.

وكانت وزيرة المالية، قد أقرت في تصريحات سابقة، بوجود صعوبة في تعبئة موارد مالية خارجية مشيرة إلى أن الحكومة تسعى إلى تنويع مصادر التمويل في إطار الإمكانيات المتاحة.

وفي أكتوبر الماضي، لجأت تونس إلى جمع تمويل من بنوك محلية بقيمة 750 مليون دينار بهدف تمويل ميزانية الدولة.

ورغم تباطؤ التضخم، حيث سجل المعدل السنوي خلال شهر يناير 7.8% من 8.1% في ديسمبر، اعتبر العباسي أن الوضع حاليا صعب، ويعود ذلك إلى ضعف الاستثمارات وزيادة الاستيراد التي تسبب عجز في ميزان المدفوعات.

مخاطر التمويل الداخلي

ويرى خبراء اقتصاديين أن التعويل على التمويل الداخلي المكثف قد يهدد بحدوث شح كبير في السيولة، وقد يغرق القطاع البنكي في أزمة جديدة.

وقال الأستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد أرام بلحاج لزاوية عربي إن سيناريو التوجه نحو التمويل الداخلي والتعويل على البنوك الذي اتبعته الحكومة التونسية يحمل العديد من المخاطر أبرزها حدوث شح كبير في السيولة ما قد يساهم في تقليص تمويل البنوك للاقتصاد.

وقال بلحاج إن تصنيف تونس ضمن القائمة السلبية لصندوق النقد الدولي سيؤثر بشكل سلبي على طلبات تونس من التمويلات الخارجية وسيزيد من صعوباتها المالية. 

"بالطبع سيؤثر. التمويلات الخارجية أصبحت صعيبة برشه (كثيرا) خاصة انو تونس أغلقت الباب على صندوق النقد الدولي...القائمة السلبية أمر سيء جدا باش تؤثر على صورة تونس بالخارج وعلاقاتها بالمانحين وستزيد من الصعوبات المالية،" حسب بلحاج.

وتابع "الامور معقدة جدا مع صندوق النقد الدولي". 

موقف صندوق النقد

وفي يناير، صنف مجلس صندوق النقد الدولي تونس، ولأول مرة منذ انضمامها للصندوق عام 1958، ضمن قائمة سلبية تضم أكثر من 10 دول شهدت تعثر في استكمال المشاورات مع الصندوق وذلك بموجب المادة الرابعة المتعلقة بمراجعة الأداء الاقتصادي.

"مع التأجيل الأخير من قبل السلطات، تأخرت مشاورات المادة الرابعة في تونس الآن لأكثر من 18 شهر، ولذلك تم إدراج تونس في قائمة الدول الأعضاء التي تأخرت في مشاورات المادة الرابعة، وذلك تماشيا مع إطار معالجة التأخير المفرط في استكمال مشاورات المادة الرابعة،" بحسب متحدث رسمي باسم الصندوق لزاوية عربي.

وعبر الصندوق النقد الدولي عن استعداده "لإجراء مشاورات المادة الرابعة في أقرب وقت ممكن،" وفق المتحدث. مضيفا أن تأجيل عرض البرنامج على المجلس التنفيذي لصندوق النقد بعد الاتفاق على مستوى الخبراء في أواخر عام 2022، كان من أجل منح السلطات المزيد من الوقت لاستكمال متطلبات البرنامج.

وكرر الرئيس التونسي قيس سعيد مرارا رفضه لشروط صندوق النقد المتعلقة بالقرض. وقال في يونيو الماضي خلال لقائه المديرة العامة للصندوق إن شروط صندوق النقد لتقديم الدعم المالي لتونس غير مقبولة لأنها "ستمس بالسلم الأهلية التي ليس لها ثمن".

فيما أكد المتحدث أن الصندوق "سيظل شريك قوي لتونس وسيواصل دعم السلطات في جهودها الإصلاحية".

واعتبر بلحاج أن التصنيف هو "إجراء روتيني" ولا ينهي بالضرورة المفاوضات بين تونس والصندوق لكنه سيعقد العلاقة بين الطرفين وقد يؤثر بشكل سلبي على طلبات تونس من التمويلات الخارجية.

وقال بلحاج إن الوضع الاقتصادي في 2024 سيكون أصعب مقارنة بالسنة الماضية مضيفا "ستكون سنة صعبة بامتياز". 

أين يذهب التمويل؟

في المقابل، أكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي لزاوية عربي أن مسألة اقتراض الحكومة من البنك المركزي فرضية ممكنة ولكن شرط أن لا يكون الاقتراض بهدف تمويل النفقات الاستهلاكية للدولة وإنما يوجه لفائدة التنمية وتشجيع الاستثمار الخاص وخلق فرص استثمارية.

"الاقتراض المباشر عن طريق البنك المركزي بدون توجيه هذا الاقتراض لتمويل نفقات التنمية بل لنفقات الاستهلاك سيعبد الطريق نحو السيناريو اللبناني،" وفق الشكندالي.

وتعاني لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة وغير مسبوقة وفقدت العملة المحلية أكثر من 90 % من قيمتها، وسط نقص حاد في السيولة وتراجع الاحتياطات، فيما يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

وأكد الشكندالي أن 2024 ستكون سنة صعبة على مستوى تسديد الديون الخارجية لتونس.

وتبلغ حاجات تونس من التمويلات لسنة 2024، والتي تتضمن القروض الداخلية والخارجية، نحو 28.1 مليار دينار (8.98 مليار دولار).

وتحاول تونس الحفاظ على استقرار الدينار من أجل مناخ استثماري واضح ومشجع للمستثمرين. وفي عام 2022، هبط الدينار التونسي إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار بانخفاض 17.5 % عن العام 2021.

وبلغت احتياطيات العملة الأجنبية نهاية يناير 2024 عند مستوى 25.9 مليار دينار وهو ما يكفي لواردات 117 يوم مقابل 22.4 مليار دينار أو 96 يوم من التوريد قبل سنة، حسب بيانات البنك المركزي التونسي.

(إعداد: جيهان لغماري، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا