على الرغم من مرور ثلاث سنوات على انفجار الأزمة الإقتصادية في لبنان، لم تتمكن الحكومة اللبنانية حتى هذه اللحظة من التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد.

مع التأخر في تنفيذ الإصلاحات، يتفاقم الانهيار المالي والاقتصادي، ويضيق الوقت للوصول إلى اتفاق مع الصندوق حتى بات السؤال مشروع حول ما هي خيارات لبنان إذا ما فشل الاتفاق مع صندوق النقد؟

يحتاج لبنان بشكل أساسي إلى اتفاق مع صندوق النقد للحد من تآكل الاحتياطي الأجنبي في مصرف لبنان المركزي. بلغ هذا الاحتياطي حوالي 30 مليار دولار قبل بدء الأزمة في لبنان أواخر عام 2019. أما اليوم، يمتلك لبنان منها فقط حوالي 11 مليار دولار، بحسب تصريح حاكم البنك المركزي أي أن حوالي 19 مليار دولار تبخرت في ثلاث سنوات نتيجة السياسات المالية والنقدية غير الحكيمة.

يتفاوض لبنان مع صندوق النقد على برنامج إصلاحي تبلغ قيمته حوالي 10 مليار دولار على أربع سنوات. يعمل صندوق النقد على تأمين 3 مليارات منها فقط في حين على لبنان السعي لتأمين المبلغ المتبقي والبالغ حوالي 7 مليار دولار. 

وبالرغم من إصرار الحكومة اللبنانية على التزامها بإنهاء المفاوضات بنجاح، إلا أن الأمور لا تسير كما ينبغي. فالعقبات ما زالت كبيرة مع تلكؤ الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة كإعادة هيكلة الموازنة العامة، والقطاع المصرفي، وتوحيد أسعار الصرف وقانون الكابيتال كونترول، في الوقت الذي يبدو مستبعدا أيضا قدرة لبنان على تأمين حصته من البرنامج (7 مليار) في ظل ابتعاده عن حاضنته العربية والدولية. 

فعلى ماذا تراهن الحكومة اللبنانية؟ وما هي البدائل المقترحة؟  

احتياطي الذهب 

تتوجه أنظار البعض في هذا الإطار إلى احتياطات لبنان من الذهب والتي تقدر حاليا بحوالي 17 مليار دولار (تتغير مع تغير أسعار الذهب العالمية)، مبررين ذلك بضرورات الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وخاصة بعد أن طالت الازمة أساسيات الحياة كرغيف الخبز والدواء وحليب الأطفال. 

يحول دون ذلك عائقان أساسيان: الأول، قانوني ويرتبط بمشروعية التصرف بمخزون الذهب وخاصة أن القانون اللبناني واضح من حيث إنه لا يجيز التصرف باحتياط الذهب من دون موافقة مجلس النواب. أما الثاني فاقتصادي، حيث أن مخزون الذهب لا يشكل حتى ربع الفجوة المالية المقدرة بـ 70 مليار دولار وبالتالي لا يكفي لردم الفجوة المالية أو حتى لإعادة الودائع المصرفية الى أصحابها. 

أما من الناحية الأخلاقية فيمكن أيضا أن نطرح تساؤلا حول مشروعية استعمال الذهب لإعادة الودائع إلى أصحابها. فهذا المخزون يعود حصرا إلى عموم الشعب اللبناني وبالتالي من الممكن أن يشكل ذلك اجحافا بحق أولئك الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية، والمستفيد الأكبر سيكون أصحاب الملايين الذين سيتم توزيع الذهب عليهم. 

كذلك، يمكننا التساؤل حول الفائدة من بيع الذهب وتسليم عائداته إلى نفس السلطة التي أهدرت مليارات الدولارات وهل من ضمانات ألا تقوم هذه السلطة بهدر مليارات الذهب كما فعلت بالودائع في ظل غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والحوكمة الرشيدة التي تؤمن للمواطنين عدالة اجتماعية وشبكة أمان تشمل جميع فئات الشعب. 

ويعود السؤال ليطرح نفسه وبقوة، ماذا عن مرحلة ما بعد الذهب؟

النفط والغاز

مع الانتهاء من ترسيم الحدود النفطية، انتقل النقاش في لبنان إلى مفاعيله وانعكاساته على الأزمة التي يمر بها البلد وبدأ الترويج له بأنه الحل السحري والمنقذ من الازمة الاقتصادية. 

هنا تتضارب التقديرات والتقارير المتعلقة بحجم الثروة النفطية اللبنانية، والفترة الزمنية المقدرة ليتمكن لبنان من الاستفادة من هذه الثروة، وكيفية توظيفها لحل الازمة وخاصة ديون قطاع العام وأموال المودعين. 

تشير تقديرات الخبراء الأكثر تفاؤلا إلى أن لبنان يمكنه البدء باستخراج النفط خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات في حال ثبُت وجود كميات مجدية اقتصاديا أي توافر كميات كبيرة من النفط والغاز تغطي كلفة استخراجها وتوفر عائد للمستثمرين. وبحسب هؤلاء، بإمكان الدولة اللبنانية تسييل هذه الكميات من النفط والغاز عن طريق الاقتراض مقابل العائدات المستقبلية من الاستخراج. هذا يعني انه ليس على لبنان الانتظار حتى استخراج النفط والغاز وبيعه في الأسواق الدولية حتى تبدأ رؤوس الأموال بالتدفق. 

أما بالنسبة إلى حجم الثروة في الحقول اللبنانية، فإن التوقعات أيضا متضاربة. فبالرغم من الأرقام الضخمة التي تم تداولها في البدء، والتي قدر بها خبراء لبنانيين الثروة بحوالي 180 مليار دولار، إلا أن التجربة التي خاضها لبنان في التنقيب في البلوك رقم 4 بددت آمال هؤلاء إذ أفضت الى نتائج غير مشجعة لأن الكميات الموجودة كانت غير مجدية تجاريا.  

الحقيقة انه لا يمكن التنبؤ اليوم بكمية الغاز والنفط في الحقول اللبنانية. فإن التقديرات المبنية على المسح الزلزالي والتصوير الثلاثي الابعاد غير دقيقة، ولا يمكن الوصول إلى توقعات دقيقة إلا بعد حفر عدة آبار. 

إذا، يحتاج لبنان إلى رؤية أكثر واقعية حول كيفية استخدام النفط والغاز لانتشال الاقتصاد اللبناني من أزماته، خاصة في غياب الاحتياطات المؤكدة. لا يجب ان تتجه البلاد إلى النظر لهذا القطاع وكأنه المخلص المنتظر. بدلا من ذلك، على الحكومة العمل لاستخدام قطاع الطاقة كجزء من استراتيجية طويلة الأمد ومستدامة من خلال تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحسين الوضع المعيشي للبنانيين قبل أن يتم هدر إمكانيات القطاع كما تم هدر مليارات المودعين. 

البنك الدولي 

اذا فشل الاتفاق مع صندوق النقد، واستبعاد استخدام الذهب، وفي انتظار ضخ النفط والغاز، لا يبقى امام لبنان الا الملجأ الأخير وهو التفاوض مع البنك الدولي على برامج الدول الأكثر فقرا. هذه الأخيرة لا تشكل حلا ولا مسارا للتعافي الاقتصادي، بل لا تعدو كونها أنبوب لبقاء البلاد على قيد الحياة، ومنع موت المجتمع.

 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  
 
(للتواصل zawya.arabic@lseg.com)