أدى التحول في أسواق النفط إلى تحسين التوقعات الاقتصادية للعراق.
 
دفعت إيرادات النفط المرتفعة الأرصدة المالية للعراق إلى فائض في عام 2021، وبات الاقتصاد يخرج تدريجيا من الركود العميق الناجم عن الوباء والانخفاض في أسعار النفط في عام 2020 والأزمات السياسية والاقتصادية التي سبقت فترة كوفيد-19.   

يقول صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العراقي نما بنسبة 5.9% في عام 2021، بعد ركود كبير بلغ 15.7% في عام 2020، ومن المتوقع أن يستمر النمو ليبلغ 9.5% هذا العام، بحسب توقعات الصندوق.  

على الرغم من تحسن البيانات المالية، إلا أن الاقتصاد العراقي لا يزال يعاني من هشاشة مالية، واجتماعية واقتصادية، ما يؤكد الحاجة إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية من أجل الاستفادة من الفرصة الفريدة التي أتاحها ارتفاع أسعار النفط قبل فوات الأوان. 

والتأخير في تشكيل الحكومة - الذي أدى للاشتباكات الدامية الاثنين - والذي بدوره يؤخر التصديق على ميزانية 2022، يمكن أن يعوق فرص عائدات النفط المرتفعة على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية التي قد تنتهي خلال عام، خاصة مع ترقب عودة النفط الإيراني للسوق في حال التوصل لاتفاق نووي بين القوى الغربية وطهران.

نظرة سريعة على الأرقام

سجلت الموازنة فائض مالي بلغ 1.9% من الناتج المحلي عام 2021 بعد أن سجلت عجز كبير عام 2020 بلغ 12.8% من الناتج المحلي. 

تحسن الموازنة الكبير هذا انعكس أيضا على انخفاض كبير على الدين العام الذي انخفض من 84.2% من الناتج عام 2020 إلى 59.4% من الناتج عام 2021، بحسب صندوق النقد الدولي.  

على الجانب الخارجي، دفعت صادرات النفط المرتفعة الميزان التجاري إلى فائض كبير بلغ 12.36 مليار دولار (5.9% من الناتج المحلي)  في عام 2021  بعد أن عانى من عجز كبير عام 2020 بلغ 18.3 مليار دولار (أو ما يعادل 10.8% من الناتج المحلي).  وتجاوز احتياطي النقد الأجنبي للعراق  الـ 80 مليار دولار، بحسب تصريحات أدلى بها نائب محافظ البنك المركزي العراقي عمار خلف لوكالة الأنباء العراقية الرسمية هذا الشهر.

بعيدا عن الأزمة الحالية.. هل هناك مخاطر أخرى قد تؤثر على الاقتصاد؟  

تظل التوقعات الاقتصادية للعراق خاضعة لمخاطر كبيرة.

في حين أن ارتفاع أسعار النفط يحسن التوازن المالي للعراق، إلا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتعطيل في واردات الزراعة سيؤدي إلى تفاقم الفقر الموجود مسبقا وزيادة مخاطر الأمن الغذائي.  

كذلك من الممكن أن يشكل الصراع الدائر حاليا بين الساسة العراقيين خطر على إنتاج النفط في العراق إذا ما تأثرت عمليات شركات النفط.

كما أن ارتفاع أسعار النفط وتحسن فائض الموازنات من الممكن أن يؤدي إلى زيادة الاعتماد على النفط ويخفف من عزيمة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، الأمر الذي يراكم التحديات الاقتصادية. 

حتى قبل الاضطرابات الأخيرة في الإمدادات الغذائية العالمية، كان العراق يعاني في الأمن الغذائي حيث إن إنتاج الغذاء المحلي أقل من الطلب في البلاد. وإذا كان الصراع الروسي الأوكراني  قد أدى إلى زيادة في أسعار السلع الأساسية والمدخلات الزراعية، فإن الجفاف ونقص المياه وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة، قد فاقم الفجوة في الإمداد الغذائي، ويقدر البنك الدولي أن العراق بات يعتمد على الواردات لأكثر من نصف استهلاكه الغذائي ما يعرض البلاد لصدمات العرض وارتفاع الأسعار العالمية.  

"الورقة البيضاء" 

في أكتوبر من العام 2020 تبنت الحكومة العراقية رسميا "الورقة البيضاء للإصلاحات الاقتصادية". والورقة البيضاء هي برنامج شامل يحدد خريطة طريق لإصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحديات الخطيرة المتراكمة التي تعود إلى عقود. 

تسعى الورقة البيضاء إلى وضع اقتصاد العراق على طريق يسمح للدولة باتخاذ الخطوات المناسبة في المستقبل لتطويره إلى اقتصاد ديناميكي ومتنوع. إلا أن الصراع السياسي  لم يؤدي إلى تنفيذ إصلاحات ملموسة وواقعية وجدية. ويبدو أن الورقة البيضاء لا تزال بيضاء حقا.
 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)