بعد أشهر من المفاوضات العسيرة، توصلت الحكومة التونسية، السبت، إلى اتفاق اولي مع صندوق النقد الدولي في خطوة اعتبرها مراقبون هامة ستسمح لتونس بإنعاش ماليتها العامة وتعطي ضوء أخضر للمانحين الدوليين لإقراض تونس ومساعدتها على إنقاذ اقتصادها المنهك.

وتحتاج تونس، التي تعاني من أزمة سياسية حادة منذ أن أطاح رئيس البلاد  قيس سعيد بالحكومة وحل البرلمان في 25 يوليو 2021، إلى تعبئة موارد مالية عاجلة نتيجة تدهور وضعها الاقتصادي وتزايد المخاوف من إمكانية تخلفها عن سداد ديونها وسط شح السيولة وارتفاع في أسعار السلع والطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

للمزيد: تونس: هل سيستمر مشهد "من النهاردة.. أنا الحكومة"؟

ووصل معدل التضخم في سبتمبر إلى 9.1%، فيما بلغ العجز التجاري 19.2 مليار دينار أي حوالي 5.9 مليار دولار.

وقال صندوق النقد الدولي في بيان نشر السبت على موقعه الرسمي، إن تونس وصندوق النقد وصلا لاتفاق على مستوى الخبراء لإقراض تونس 1.9 مليار دولار مدته 4 سنوات، مع انتظار المصادقة النهائية للمجلس التنفيذي للصندوق ديسمبر المقبل.

ماذا يعني ذلك لتونس وهل 1.9 مليار دولار رقم كاف لحل الأزمة؟

اعتبر بعض المراقبين أن حجم الاتفاق لا يمكن تونس من تغطية عجز موازنتها  وهو أقل من ما طلبته الحكومة التي كانت تتفاوض على تمويل من الصندوق ما بين 2 إلى 4 مليار دولار.

توقعت تونس عجز يبلغ 9.3 مليار دينار (2.8 مليار دولار) في  2022، ما يعادل 6.7 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال الخبير الاقتصادي ووزير التجارة التونسي الأسبق محسن حسن لـ"زاوية عربي" أن "حجم الاتفاق هزيل ولن يقدر على سد الثغرة المالية الكبيرة الموجودة في موازنة 2022.. لكن سيمكن تونس من الحصول على تمويلات أخرى من بقية المانحين الدوليين التي تنتظر الضوء الأخضر من الصندوق حتى تقرض تونس".

وبحسب حسن : " تونس تحتاج إلى موارد مالية خارجية ما بين 4 و5 مليار دولار حتى نهاية السنة الحالية "، مضيفا أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيمكن من انفراج قصير المدى لا غير وأن هناك مخاوف كبيرة من تواصل تدهور الوضع الاقتصادي خصوصا مع استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية.

 وحسب البيان الصادر من صندوق النقد السبت، يهدف الاتفاق بين صندوق النقد وتونس إلى تغييرات لتوسيع قاعدة الضرائب وتغطية شبكة الأمان الاجتماعي لمساعدة الأشخاص الأكثر فقرا على مواجهة ارتفاع الأسعار، وكذلك العمل على تنفيذ خطة شاملة لإصلاح المؤسسات العمومية بدءا بإصدار قانون جديد لتنظيمها.

ووصفت وزيرة المالية التونسية سهام بوغديري نمصية اتفاق الخبراء مع صندوق النقد الدولي بـ "الإشارة الجيدة التي ستفتح لتونس مصادر تمويل أخرى وستمكن من تعزيز وإنعاش ماليتها العامة لاستعادة استقرارها الاقتصادي".

وقالت نمصية، التي تزور واشنطن للمشاركة في المباحثات ضمن وفد تونسي منذ مطلع الأسبوع الماضي لـ"زاوية عربي" في حوار هاتفي مقتضب، أن "الاتفاق يعتبر خطوة مهمة ومؤشر إيجابي لتعزيز الثقة في الدولة التونسية وفتح الباب للحصول على تمويلات أخرى من المانحين الدوليين".

وأكدت نمصية إلى وجود "مفاوضات متقدمة جدا" مع بعض المانحين الدوليين على مستوى التعاون الثنائي، دون ذكر مزيد من التفاصيل حول حجم التمويل أو الجهات المانحة.

تردد ومواقف غير واضحة

واعتبر الخبير الاقتصادي ووزير التجارة التونسي الأسبق حسن أن "تردد الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية في دعم الإصلاحات الاقتصادية وعدم وضوح موقف رئاسة الجمهورية من الإصلاحات ذات الكلفة الاجتماعية قد يؤدي إلى أمرين أحلاهما مر".

"إما تفعيل الإصلاحات والقبول بهزات اجتماعية منتظرة أو تأجيلها وهو ما يعني إيقاف الدعم المالي لصندوق النقد الدولي وتواصل الأزمة الاقتصادية والمالية".

وفي سبتمبر الماضي، وقعت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل - وهو كيان نقابي وذو تواجد شعبي كبير- اتفاق مهم لزيادة الأجور في القطاع العام سعيا منها للوصول لتفاهمات مع اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ كبير في البلاد. لكن الاتفاق لم يصاحبه إعلان عن حزمة إصلاحات اقتصادية أخرى.

وتواجه حكومة نجلاء بودن، في الفترة القادمة، اختبار صعب في مدى التزامها بالإصلاحات المزمع تنفيذها وفق البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي على غرار اصلاح الدعم والمؤسسات العمومية. 

وقال أستاذ الاقتصاد السياسي في تونس  وعضو مركز كارينغي للشرق الأوسط حمزة المؤدب لـ"زاوية عربي" أن اتفاق الخبراء هو تقني ولا يمكن أن يكون نافذ إلا بعد مصادقة المجلس التنفيذي للصندوق وهو ما يعني عمليا أن تونس لن تتحصل على أي قسط قبل نهاية السنة الحالية.

ويرى المؤدب أن "الأشهر المقبلة ستكون ضبابية ومليئة بالصعوبات.. على الحكومة التونسية الالتزام فيما يسمى بالشروط المسبقة قبل مصادقة الصندوق على الاتفاق وذلك في علاقة برفع أسعار المحروقات وتنظيم الانتخابات لضمان الاستقرار السياسي وإصلاح منظومة الدعم".

وتظاهرت عدد من أحزاب المعارضة (منها جبهة الخلاص والحزب الدستوري الحر)، السبت، احتجاجا على  قرارات سعيد الأحادية التي عمقت الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد مطالبين سعيد بالرحيل خاصة بعد تصاعد أزمة نقص الوقود والغذاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية.

ومن المتوقع أن تنظم تونس انتخابات برلمانية في ديسمبر المقبل، وهو نفس الشهر الذي من المقرر أن يقر فيه الاتفاق مع صندوق النقد.

و أقرت  تونس يوليو الماضي دستور جديد - بعد أن عطل الرئيس سعيد العمل بالدستور العام الماضي - في استفتاء جاء بنتيجة 94.6% لصالح "نعم" و5.4% لصالح "لا"، وصاحبه مخاوف وانتقادات داخلية وخارجية من أن التعديلات تزيد صلاحيات الرئيس وأنه تم بنسب مشاركة وصفت بالضئيلة حيث لم تتخطى 28%.

وضعية لبنان

وقال المؤدب أن الحكومة التونسية مطالبة بالإيفاء بتعهداتها تجاه الصندوق وإلا ستجد نفسها في وضع مشابه بلبنان باتفاق خبراء مؤجل التنفيذ.

وأضاف: "اعتقد أنه في حال عدم تطبيق هذه الشروط المسبقة فبإمكان الصندوق تأجيل المصادقة على الاتفاق في ديسمبر".

وكان صندوق النقد الدولي قد قال في بيان الشهر الماضي إن تطور تنفيذ الإصلاحات يسير بوتيرة “بطيئة جدا” في لبنان - الذي يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وغير مسبوقة - وهو ما كررته رئيسة الصندوق كريستالينا غورغييفا الأسبوع الماضي مضيفة أن المسؤولين اللبنانيين لم يقوموا بتنفيذ طلبات الصندوق حتى الآن. 

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب لبنان بقائمة من 10 إصلاحات للحصول على دعم ب 3 مليار دولار على 4 سنوات.

وقال المؤدب أن " إصلاح نظام الدعم (في تونس) سيخلق مشاكل مع اتحاد الشغل وسيلحق الضرر بالقدرة الشرائية للطبقات الوسطى التي تعتبر القاعدة الشعبية الأساسية للاتحاد العام للشغل". 

وتابع "هذا اختبار حقيقي أمام الحكومة التونسية".

و حذر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، ذي النفوذ القوي، نورالدين الطبوبي هذا الشهر من مخاطر رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية في ظل تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا معتبرا "رفع الدعم ستكون له عواقب وخيمة، والبلاد في وضع لا تحتاج فيه لصب الزيت على النار".

ويقدرعدد التونسيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بقرابة مليون و600 ألف شخص، حسب المعهد الوطني للإحصاء. وتوقع البنك الدولي في تقرير له أن يصل معدل الفقر في تونس إلى 3.4 % في 2022 و3.1 % في 2023، وذلك بحسب خط فقر يحتسب الحد الأدنى عند 3.2 دولار في اليوم.

لكن المؤدب يعتقد أن وزن الاتحاد وقدرته على التأثير تغيرت بعد إجراءات 25 يوليو 2021 والتي قللت من قوة الأحزاب والكتل السياسية.

"الاتحاد سيظل لاعب رئيسي لكن قدرته على التأثير في القرار الاقتصادي تراجعت وأصبحت ضعيفة ".

 

(إعداد: جيهان لغماري، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا