تواجه مصر على مدار أكثر من عام ارتفاع المخاطر المرتبطة بقدرتها على سداد ديونها السيادية، في ظل ارتفاع ديونها الخارجية وكذلك نسبة الديون الحكومية الإجمالية إلى الناتج المحلي الإجمالي بالتزامن مع ضعف التدفقات الأجنبية الواردة إلى البلاد في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية مطلع عام 2022. 

تعرضت مصر الى خفض تصنيفها الائتماني من قبل وكالة موديز بمقدار درجة واحدة من B2 إلى B3، واحتمال تعرضها لخفض آخر من قبل وكالتي "فيتش" و"إس أند بي جلوبال" مع تغييرهما لنظرتها المستقبلية لمصر خلال الفترة الماضية من مستقرة إلى سلبية. كما شهدت مصر إرتفاع مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) بشكل حاد منذ مارس 2022 ليسجل مستويات قياسية.
 
مؤشر مبادلة الإئتمان (CDS)

يعبر مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) عن تكلفة التأمين ضد مخاطر تخلف الدولة عن سداد الديون السيادية. وبالتالي فإن إرتفاع قراءة هذا المؤشر تعني إرتفاع تكلفة التأمين على الديون مما يعكس مخاطر ائتمان أعلى، والعكس صحيح. وحيث تمتد آجال الديون من أشهر إلى عدة سنوات، فإن تكلفة تأمين الديون تختلف باختلاف آجاله. لذلك، يوجد مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) لمصر لآجال مختلفة بدءً من 3 شهور وحتى 30 عام. ولكننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى قراءات مؤشر CDS أجل عام.

وشهدت مصر ارتفاع مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) – أجل عام - منذ مارس 2022 ليقفز من متوسط 195 نقطة (1.95%) خلال عام 2021 (ما قبل اندلاع الحرب) ليقترب من مستوى 1,800 نقطة (18%) في أغسطس 2022، وهو أعلى مستوى تاريخي في ذلك الوقت بعد المستوى التاريخي الأسبق منذ عقد تقريباً فوق مستوى 800 نقطة (8%) في 2013 بسبب التوترات السياسية بالبلاد في أعقاب ثورات الربيع العربي في 2011.

وبرغم التحسن التدريجي للمؤشر الذي شهدناه في نهاية 2022 مع التوقعات بتحسن قريب في التدفقات الدولارية لمصر بعد انخفاض سعر صرف الجنيه المصري في أكتوبر 2022، إلا أننا لم نلمس تحسن ملحوظ في الاحتياطي المصري من العملة الأجنبية مما دفع مؤشر CDS للارتفاع مرة أخرى منذ أواخر يناير 2023 ليصل خلال النصف الثاني من شهر أبريل 2023 وبالتحديد خلال إجازة عيد الفطر إلى 2,200 نقطة (22%) وهو أعلى مستوى تاريخي، وذلك بالتزامن مع ارتفاع مؤشر CDS لأمريكا لأعلى مستوى منذ 2011 مع أنباء برفع الكونجرس الأمريكي لسقف الدين العام، ما يضع الولايات المتحدة أمام مخاطر التخلف عن سداد ديونها.

وحالياً يتداول مؤشر CDS (أجل عام) لمصر عند 2,065 نقطة (20.65%) أي أكثر من 3 أضعاف قراءة المؤشر في بداية عام 2023 عند 611 نقطة (6.1%) وقراءة أول مايو من العام السابق عند 640 نقطة (6.4%). أما مؤشر CDS (أجل عام) للولايات المتحدة الأمريكية فيتداول حالياً عند 164 نقطة (1.64%) أي حوالي 11 ضعف قراءة المؤشر في بداية العام عند 15 نقطة (0.15%) و 20 ضعف قراءة المؤشر في أول مايو من العام السابق عند 9.5 نقطة (0.95%).

وبالتالي فإننا نرى أن جزء من الزيادة الحالية للمخاطر الائتمانية لمصر طبقاً لمؤشر CDS هو ناتج عن زيادة المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قدرتها على سداد ديونها.

أما السبب الرئيسي لوجود المخاطر أصلاً فهو مستوى الديون الخارجية لمصر.
 
فهل تثير الديون الخارجية لمصر القلق إلى هذا الحد؟

تضاعفت الديون الخارجية بمصر خلال الأعوام الماضية لتبلغ حوالي 155 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام المالي 2023/22 المنتهي في 30 سبتمبر 2022.

حيث ارتفع الدين الخارجي لمصر بشكل تدريجي عقب الأحداث السياسية التي أعقبت ثورة يناير 2011 من 33.7 مليار دولار في 30 يونيو 2010 إلى 155.7 مليار دولار في 30 يونيو 2022، أي بزيادة قدرها 122 مليار دولار خلال 12 عام (بمتوسط يزيد عن 10 مليار دولار سنوياً) وبنسبة نمو مركب سنوي بلغت 14% في المتوسط.

ولكن جاءت الزيادة في الديون الخارجية خلال الـ 6 سنوات الأخيرة من 2016 حتى 2022 بأكبر من الـ 6 سنوات الأولى من 2010 حتى 2016.

حيث بلغ النمو السنوي المركب للديون الخارجية بحوالي 19% خلال فترة ما قبل تعويم 2016 وحتى 2022، في مقابل 9% خلال فترة ما قبل ثورة يناير 2011 وحتى 2016.

حيث بلغ عجز المعاملات الجارية التراكمي خلال الـ 6 سنوات من 2016 إلى 2022 حوالي 77 مليار دولار في مقابل حوالي 57 مليار دولار خلال الـ 6 سنوات من 2010 حتى 2016 مدفوعاً بشكل أساسي بزيادة الواردات.
 
الجدير بالذكر أن مصر تعاني من انخفاض صافي الأصول الأجنبية وتحولها إلى المنطقة السالبة، كما أوضحنا سابقاً بإنفوجرافك بعنوان انخفاض صافي الأصول الأجنبية بمصر خلال يناير 2023.
 
زيادة الديون قصيرة الأجل تزيد من المخاطر الائتمانية لمصر

من الملاحظ أن نسبة الديون الأجنبية قصيرة الأجل إلى إجمالي الديون قفزت إلى أكثر من 17% في عام 2022 مقابل 10% خلال 2021 ومتوسط 10% خلال الأعوام من 2010 وحتى 2021. ما يزيد من الضغوط على الاحتياطي الأجنبي لمصر على المدى القصير، خاصة وأن معدل تغطية الاحتياطي الأجنبي للديون قصيرة الأجل قد بلغ 1.2 مرة في سبتمبر 2023 مقابل 3 مرات في 2021 و متوسط 5 مرات خلال الأعوام من 2010 حتى 2021.

بطريقة أخرى، فإن كل 100 مليون دولار بالإحتياطي الأجنبي في 30 سبتمبر 2023 سيسدد منه 83 مليون دولار ديون خارجية بالأجل القصير. سابقاً كانت كل 100 مليون دولار بالإحتياطي الأجنبي تسدد 26 مليون دولار ديون خارجية قصيرة الأجل في المتوسط خلال الأعوام من 2010 حتى 2021.
 
كما نلاحظ وجود علاقة طردية بين مؤشر مبادلة المخاطر (CDS) لمصر ونسبة الدين الخارجي قصير الأجل إلى الإحتياطي الأجنبي. ما يعني أن زيادة نسبة الديون قصيرة الأجل تزيد من المخاطر المرتبطة بقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في الأجل القريب.
 
ولكن هل تستمر تلك المخاطر على المدى المتوسط والبعيد؟ هذا ما سنوضحه بالجزء الثاني من الإنفوجرافك الأسبوع القادم.

 

(إعداد: محمود جاد، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا