لجأت مصارف لبنان إلى الإقفال والإضراب أكثر من مرة، ولأكثر من سبب، فهل تعتبر هذه الإجراءات التي تتخذها المصارف ورقة ضغط لإيجاد حل للأزمة المالية التي تدخل عامها الرابع؟

تسعى مصارف لبنان إلى تحقيق هدفين استراتيجيين لم تتمكن من تحقيقهما حتى هذه اللحظة.

يتمثل الهدف الأول في إقرار قانون كابتل كونترول رسمي وبشروطها، أي انها تريد قانون يجنبها من الملاحقات القضائية ولم يتمكن مجلس النواب اللبناني من تمرير القانون نتيجة معارضة شعبية كبيرة ولكن بعض المصارف طبقته باستنسابية. 

الهدف الثاني يتمثل في طرحها إنشاء صندوق سيادي من أجل استثمار مرافق الدولة العامة كالمرافئ والمطار وشركات الاتصالات والعقارات، وهو أمر يطرح الكثير من التساؤلات حول الهدف من تحويل أصول الدولة وممتلكاتها إلى صندوق سيادي من أجل انقاذ المصارف. 

فكيف يختلف اقتراح المصارف عن الصندوق السيادي النموذجي؟ 

الصندوق السيادي هو صندوق استثماري مملوك للدولة يدير ويستثمر الثروة الوطنية لبلد ما، والتي عادة ما تكون مستمدة من فائض عائداتها من الموارد الطبيعية أو احتياطيات النقد الأجنبي. غالبا ما يتم إنشاء الصناديق السيادية للحفاظ على ثروة الدولة للأجيال القادمة ولتنويع محفظتها الاستثمارية.

أحد الأمثلة الجيدة على الصناديق السيادية هو صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، المعروف أيضا باسم صندوق النفط النرويجي، وهو أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. تأسس الصندوق في عام 1990 لاستثمار فائض الإيرادات من إنتاج النفط والغاز النرويجي، وتبلغ قيمته الحالية أكثر من 1 تريليون دولار.

مثال آخر هو جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، وهو من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، بأصول تقدر بأكثر من 800 مليار دولار. تأسس الصندوق عام 1976 لاستثمار عائدات النفط لدولة الإمارات العربية المتحدة.

بالنسبة إلى لبنان، أنشأت الحكومة صندوق ثروة سيادي في عام 2010 مع هيئة البترول اللبنانية (LPA) لإدارة موارد النفط والغاز المحتملة. ومع ذلك، وبسبب عدم الاستقرار السياسي، لم يتمكن الصندوق من جذب الاستثمار الأجنبي أو إحراز أي تقدم كبير في استكشاف وتطوير احتياطيات النفط والغاز.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ أواخر عام 2019، مما أدى إلى انهيار عملة البلاد، والتضخم المفرط، ونقص السلع الأساسية. كما أثرت الأزمة على قدرة البلاد على خدمة ديونها التي وصلت إلى مستويات لا يمكن تحملها ونتيجة لذلك، لم تكن الحكومة قادرة على تمويل عملياتها الأساسية. 

صندوق على قياس المصارف 

الصندوق السيادي الذي تريده المصارف يتميز بآليات عمل مختلفة. تقوم الفكرة الأساسية على جمع مجموعة من مرافق الدولة الأساسية مثل المرفأ والمطار وشركات الاتصالات والكازينو، بالإضافة الى بعض الأصول العقارية في صندوق للأصول، قدرت جمعية المصارف قيمته بحوالي 40 مليار دولار، تتم ادارته من البنك المركزي بحيث تخصص عائدات هذا الاستثمار لإعادة الودائع ما يجنب رساميل أصحاب المصارف أي خسارة.

جادلت البنوك بأن صندوقها المقترح يمكن استخدامه للمساعدة في سداد ودائع المودعين الذين تأثروا بالأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان. لم يتمكن العديد من المودعين في البنوك اللبنانية من الوصول إلى مدخراتهم بسبب قيود رأس المال التي فرضتها المصارف.

واقترحت البنوك امكانية استخدام الصندوق للاستثمار في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد وتحقيق عوائد يمكن استخدامها بعد ذلك لسداد المودعين. 

شوائب كثيرة 

هناك مخاوف بشأن جدوى هذا الاقتراح، حيث لا يزال الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان غير مستقر، ومن غير الواضح ما إذا استطاع الصندوق المقترح أن يولد عوائد كافية لسداد المودعين.

وقد يجادل البعض بأنه يتعين على البنوك أن تركز على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتحمل جزء من الخسائر وتحسين ممارسات الحوكمة وإدارة المخاطر، بدلا من الاعتماد على صندوق الثروة السيادي المقترح لحل الأزمة. 

لا يزال الصندوق المقترح مثيرا للجدل، وآثاره المحتملة على الانتعاش الاقتصادي في لبنان غير واضحة. 

نقاط ضعف صندوق المصارف؟

يمكن اختصار نقاط ضعف صندوق المصارف بالنقاط التالية:

الافتقار إلى الشفافية والمساءلة: سيُدار الصندوق المقترح من قبل مجلس إدارة يعينه البنك المركزي والحكومة، مما قد يثير المخاوف بشأن الشفافية والمساءلة في إدارة الصندوق.

احتمال تضارب المصالح: نظرا للعلاقة الوثيقة بين البنوك وبعض السياسيين، هناك مخاوف بشأن تضارب المصالح المحتمل وما إذا كان الصندوق سيُدار بما يحقق المصلحة الفضلى للبلد.

جدوى الاقتراح: من غير الواضح ما إذا كان الصندوق المقترح يمكن أن يدر عائدات كافية لسداد المودعين أو دعم التعافي الاقتصادي للبلاد، في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب في لبنان.

باختصار، في حين أن اقتراح البنوك اللبنانية بإنشاء صندوق استثمار مالي له مزايا محتملة، هناك أيضا مخاوف كبيرة بشأن شفافيته ومساءلته وقدرته على الاستمرار. 

إن صندوق الثروة السيادي النموذجي، الذي تتم إدارته بشكل مستقل عن الحكومة والقطاع المصرفي، من شأنه أن يوفر قدرا أكبر من الشفافية والاستقلالية عن تضارب المصالح المحتمل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون صندوق الثروة السيادي مجهزا بشكل أفضل لإجراء استثمارات تستند إلى اعتبارات اقتصادية طويلة الأجل بدلا من المصالح السياسية قصيرة الأجل.

يراقب صندوق النقد الدولي (IMF) الوضع في لبنان عن كثب وقدّم المساعدة الفنية والمشورة السياسية للحكومة في سعيها لمعالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد. في حين أن صندوق النقد الدولي لم يعلق على وجه التحديد على اقتراح البنوك اللبنانية بإنشاء صندوق استثمار مالي، إلا أنه شدد على أهمية تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتحسين الحوكمة والشفافية في القطاع المالي في البلاد.

بشكل عام، في حين أن صندوق النقد الدولي لم يؤيد أو يرفض على وجه التحديد اقتراح البنوك بإنشاء صندوق استثمار مالي، فإن مشورته بشأن السياسة المالية تؤكد على الحاجة إلى إصلاحات شاملة وحوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة لمواجهة التحديات الاقتصادية.

وأخيرا، يمكن أن تكون صناديق الثروة السيادية أداة مفيدة للبلدان لإدارة واستثمار ثرواتها الوطنية، لكن نجاحها يعتمد على الاستقرار السياسي والسياسات الاقتصادية السليمة والحكم الرشيد.

 

(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)