وأخيرا تجاوزت السينما المصرية أزمات التوزيع الداخلي التي لازمتها طوال تاريخها الذي أقترب من الـ 126عام وتحديدا منذ أول عرض سينمائي شهدته مصر في عام 1896 بمجموعة المشاهد التي صورها الأخوان لوميير - أول من اخترعا كاميرا التصوير السينمائي - وعرضت بمدينة الإسكندرية في ذلك العام.

نجحت الأفلام  في تخطي عقبات الإيرادات الداخلية التي كانت تصل للبعض منها إلى أرقام هزيلة جدا لا تكفي ميزانية أجور العمال من الفنيين فيها وأحيانا ثمن فاتورة كهرباء صالة العرض نتيجة نظام الهولد أوفر الذي يقتضي تحقيق الفيلم لما يقارب من الـ 14 ألف جنيه أو نحو 700 دولار نظير استمرار عرضه في دور الدرجة الأولى.

لذلك كان الموزع الخارجي هو طوق النجاة لاستمرار هذه الصناعة الرائدة في مصر عن طريق سلف التوزيع مقابل شراء حق عرض الفيلم خارج مصر والذي كان يتحصل عليه المنتجون للاستمرار في تنفيذ أفلامهم بدون توقف لسبب مادي.

 وكانت تعليمات الموزعين الخارجيين بمثابة أوامر لكافة المنتجين وكان الرد عليها دائما بـ" سمعا وطاعة" وفي أحيانا كثيرة كان الموزع الخارجي يتدخل في رسم خريطة النجوم يرفع نجم ويهبط بأخر. 

ظل هذا هو الوضع السائد لسنوات في صناعة تاهت مقدراتها بين وزارتين هما الثقافة والصناعة. 

 فالمحتوى والمضمون الفني يخضع لرقابة وزارة الثقافة وجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية التابع لها فيما تخضع قوانين العمل فيها لوزارة الصناعة ولغرفة صناعة السينما.

وفي الآونة الأخيرة شاهدنا أفلام تكسر حاجز الـ 100 مليون جنيه مصري وهو ما يقارب الـ 5 ملايين دولار في ظاهرة جديدة لم تمر بها صناعة السينما من قبل وبعد سلسلة من الظواهر التي عايشتها السينما المصرية ما بين سياسية وعالمية منها ما يتعلق بثورات مثل 25 يناير 2011 والتي انصرف خلالها الجمهور عن دور العرض لدرجة أننا وجدنا أفلام ترفع من السينما بعد 4 أيام فقط من عرضها كفيلم 365 يوم سعادة للمخرج سعيد الماروق.

في المقابل وبعد سنوات من الاستقرار السياسي وجدنا فيلم كالممر إنتاج عام 2019 من إخراج شريف عرفة يصل لرقم 100 مليون جنيه من التوزيع الداخلي فقط، بعد احتفاء جماهيري كبير كونه واحد من الأفلام الحربية التي تؤرخ لبطولات الجيش المصري والتي تم تنفيذها بتقنيات عالية وحديثة فضلا عن الزمن الذي دارت فيه الأحداث وهو ما بعد نكسة يونيو 1967.   

ولحق بالممر فيلم آخر حقق نحو 103 مليون جنيه وهو الفيل الأزرق 2 من إخراج مروان حامد والذي ينتمي لنوعية الأفلام النفسية القليل إنتاجها على الشاشة العربية وربما لهذا السبب كان هذا النجاح المدوي الذي حققه الفيلم بخلاف اعتماده على المردود الجماهيري الكبير الذي حققه الجزء الأول منه .

وواصلت الأفلام تحقيق أرقامها القياسية والغير مسبوقة مثل العارف للمخرج أحمد علاء والجريمة للمخرج شريف عرفة وولاد رزق للمخرج طارق العريان.

ومؤخرا فيلم كيرة والجن للمخرج مروان حامد والذي حقق رقم قياسي خلال أيام عيد الأضحى الماضي نتيجة نجاح الرواية المأخوذ عنها الفيلم للكاتب أحمد مراد الذي يعد حاليا من أهم الأدباء التي تلقى أعمالهم رواج كبير. ورغم أن أحداث الفيلم تدور في حقبة تاريخية خلال فترة نشوب ثورة 1919 وهي نوعية بلغة الأرقام غير جاذبة للإيرادات لكن الفيلم حقق إجمالي إيرادات حتي حفلات عرضه يوم الثلاثاء الماضي بلغت 110,591,856 مليون جنيه بينما حقق فيلم منافس له وهو بحبك - أول تجربة إخراجية للمطرب تامر حسني- إيرادات وصلت ل 50,323,438  مليون جنيه، وفقا لقوائم توزيع الشركات المسؤولة عن التوزيع الداخلي لتضع السينما المصرية بذلك حل لأزماتها التي توارثتها الأجيال من صٌناعها على مدار عقود طويلة.

وهذا النجاح يعيد منتجين وشركات إلى الحياة السينمائية مجددا بعد توقف طويل ويضع الموزع الخارجي في المركز الثاني من حيث ترتيب الأهمية في الاعتماد المالي بعدما تصدر المشهد السينمائي لسنوات ظل خلالها الآمر الناهي فيها.

 

(إعداد: أحمد النجار، عضو الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما )  
 
#مقالرأي