PHOTO
في أغسطس 2025، شهدت الأسواق المالية العالمية تفاعل معقد نوعاً ما بين المؤشرات الاقتصادية وإشارات البنوك المركزية.
وقد أثر هذا على أداء أسواق الأسهم العالمية بشكل عام والعربية بالتبعية والتي اتسمت بمعنويات متحفظة من جانب المستثمرين.
وكما هو معروف، شكل منتدى جاكسون هول السنوي للاحتياطي الفيدرالي في 22 أغسطس محور اهتمام للمشاركين في السوق، حيث ألمح رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في كلمته إلى احتمالية خفض أسعار الفائدة.
وقد دفع ذلك، إلى جانب نمو الوظائف الأضعف من المتوقع واستقرار معدلات التضخم، بالأسواق إلى تسعير احتمال خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر المقبل بنسبة 90%.
الوضع العربي
شهدت الأسواق العربية أداء ضعيف نسبياً.
انخفض مؤشر MSCI لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2.3% خلال الشهر، مما محى المكاسب التي تحققت خلال الشهرين السابقين.
ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها:
- التوترات الاقتصادية العالمية التي أثرت على تدفقات رأس المال.
- ضعف النشاط الاقتصادي المحلي في بعض الدول العربية، مما خفض من توقعات نمو الشركات وربحيتها.
- المخاوف الجيوسياسية التي لعبت دور في خلق بيئة استثمارية غير مستقرة.
- تراجع أسعار النفط بنسبة 6% بسبب زيادة المعروض ومخاوف تعافي الطلب، مما أثر على القطاعات الرئيسية في المنطقة.
- ساهمت السياسات النقدية والمالية المتشددة في بعض الدول العربية، إلى جانب ارتفاع تكاليف التمويل وشح السيولة بشكل عام في تقليص شهية المستثمرين للمخاطرة، وهو ما انعكس بوضوح في انخفاض أحجام التداول خلال أغسطس.
التفاصيل بالأرقام
القيمة السوقية والتداول
بلغت القيمة السوقية لأسواق الأسهم العربية حوالي 4,196.1 مليار دولار في نهاية أغسطس، بانخفاض شهري نسبته 1.5% (أو ما يعادل 63.7 مليار دولار) مقارنة مع نهاية يوليو.
وقد جاء هذا الانخفاض في ظل تراجع القيمة السوقية في كل من سوق تداول السعودية وسوق أبوظبي للأوراق المالية بمقدار 47.8 مليار دولار و15.3 مليار دولار على التوالي.
بالتوازي، سجلت أسواق الأسهم العربية نشاط تداول ضعيف في غالبية الأسواق.
انخفض إجمالي قيمة التداول بنسبة 18.4% ليصل إلى 72.6 مليار دولار في أغسطس.
من ناحية أخرى، بلغ إجمالي حجم التداول 149.0 مليار سهم في أغسطس، بارتفاع شهري نسبته 47.6%، في ظل ارتفاع قوي في أحجام التداول في سوق العراق للأوراق المالية بنسبة 398% التي شهدت ارتفاعات كبيرة في الأحجام لاسيما على صعيد الصفقات الخاصة.
وإذا ما استثنيت أحجام التداول في سوق العراق، فإن إجمالي حجم التداول في المنطقة يكون قد انكمش على أساس شهري بنسبة 18.5% في أغسطس.
في المقابل، وصل إجمالي عدد الصفقات إلى 14.4 مليون صفقة، بانخفاض نسبته 8.3% مقارنة بشهر يوليو، وسط تراجع بنسبة 9.8% في صفقات سوق تداول السعودية، والتي تستحوذ على ما نسبته 69% من إجمالي عدد الصفقات في المنطقة.
مؤشر الأسعار
سجلت أسعار الأسهم العربية أداء سلبي في أغسطس، بعد شهرين متتاليين من النشاط الإيجابي.
سجل مؤشر S&P العربي المركب والمصمم لتتبع أداء 11 سوق للأسهم، انخفاض بنسبة 1.8% ليصل إلى 1,008.2 في نهاية أغسطس.
شهدت معظم الأسواق في المنطقة تراجع خلال الشهر.
سجلت سوق أبوظبي للأوراق المالية أكبر انخفاض في منطقة الخليج بنسبة 3.7%، تلتها مؤشرات أسعار كل من سوق تداول السعودية وسوق دبي المالي بانخفاضات بلغت 2.0% و1.6% على التوالي.
كما انخفض مؤشر بورصة الكويت بنسبة 1.4%، في حين سجل مؤشري بورصة البحرين وبورصة قطر انخفاضات هامشية بنسب 1.4% و0.3% على التوالي.
بالتوازي، كانت بورصة مسقط، أفضل الأسواق أداء في المنطقة العربية خلال أغسطس، والسوق الوحيد الذي حقق مكاسب قوية في منطقة الخليج بنسبة 5.2%.
من ناحية أخرى، كانت سوق دمشق للأوراق المالية الأقل أداء مع تراجع بنسبة 8.8% في مؤشرها الرئيسي، تلتها بورصة بيروت وبورصة فلسطين بانخفاضات بلغت 5.4% و5.2% على التوالي.


تداول
سجلت سوق تداول السعودية، التي تمثل قيمتها السوقية 56% من إجمالي القيمة السوقية في المنطقة العربية، انخفاض شهري بنسبة 2.0% في مؤشرها الرئيسي ليصل إلى 10,697 نقطة، وهو أدنى إغلاق منذ يونيو 2025.
أما على صعيد أداء القطاعات، فقد اتسمت الصورة بالتراجع، حيث سجل ستة عشر من بين اثنين وعشرين مؤشر قطاعي انخفاضات في أغسطس أبرزهم قطاعات التأمين والإعلام والخدمات والمعدات الطبية.
ويعكس هذا الأداء الضعيف نتائج شركات الأرباح المخيبة للآمال، إلى جانب تراجع أسعار النفط الخام.
ساهمت نتائج الشركات الأخيرة في زيادة الضغط على السوق السعودي. ومن أبرز هذه الشركات الشركة العربية للتعهدات الفنية، ومجموعة بن داود القابضة، وشركة جاهز التي سجلت انخفاضات كبيرة في أرباحها.
وقد أدت هذه النتائج المالية المخيبة للتوقعات إلى تراجع في نشاط السوق.
بالتوازي، شكل تقلب أسعار النفط عامل رئيسي في تراجع السوق. ففي الشهر ذاته، انخفضت أسعار خام برنت إلى حوالي 67 دولار للبرميل، كانعكاس للمخاوف من تراجع الطلب في الولايات المتحدة وزيادة المعروض من منظمة أوبك وشركائها.
وقد أدى هذا الانخفاض في أسعار النفط، إلى جانب اضطرابات صادرات النفط، إلى إجهاد ميزانيات الدول المعتمدة على النفط مثل السعودية.


مسقط، مصر والدار البيضاء
كانت بورصة مسقط أفضل الأسواق أداءً في المنطقة العربية، حيث سجل مؤشر MSX30 في أغسطس مكاسب للشهر الثاني على التوالي، بارتفاع نسبته 5.2% بعد زيادة بنسبة 6.2% في يوليو، ليغلق عند 5,030 نقطة.
وكان هذا الارتفاع واسع النطاق، حيث سجلت جميع المؤشرات القطاعية الثلاثة مكاسب، مع تصدر القطاع المالي الأداء.
وقد أظهرت شركات المساهمة العامة المدرجة في بورصة مسقط، والتي تستحوذ على ما يقارب نصف إجمالي القيمة السوقية، نتائج مالية قوية في النصف الأول من 2025، حيث ارتفعت الأرباح الصافية بنسبة 14.1%.
ومن أبرز الشركات المساهمة التي أعلنت عن نتائج أعمال جيدة شركة OQ للاستكشاف والإنتاج، وبنك مسقط وعمانتل مما عزز ثقة المستثمرين وجذب تدفقات رأس المال.
أضف إلى ذلك، دعم أداء بورصة مسقط النشاط القوي للشراء من قبل الصناديق المحلية والمؤسسات والمستثمرين الأفراد.
عليه، في ضوء هذه العوامل وبالتالي تعزز ثقة المستثمرين، شهدت بورصة مسقط تحسن كبير في السيولة، حيث تجاوزت قيمة التداول منذ بداية 2025 عتبة المليار و800 مليون ريال عماني، أي بزيادة نسبتها 143% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
وقد بدا هذا التجدد في ثقة المستثمرين واضح في مسار السوق الصاعد، حيث تجاوز مؤشر MSX30 حاجز الـ5,000 نقطة لأول مرة منذ نحو ثماني سنوات.


سجلت البورصة المصرية أداء إيجابي، لتكون واحدة من الأسواق العربية القليلة التي أغلقت شهر أغسطس على مكاسب.
شهد مؤشر EGX30 تقلبات على مدار الشهر، لكنه أغلق شهر أغسطس بارتفاع شهري بنسبة 2.8%، وكان هذا الارتفاع مدفوع بشكل أساسي بتدفقات المستثمرين الأجانب وبتخفيض سعر الفائدة في نهاية الشهر من قبل البنك المركزي المصري، مما عزز معنويات السوق.
وكان من العوامل المهمة التي ساهمت في أداء البورصة المصرية ارتفاع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي. فمنذ أبريل 2025، تحسن سعر الصرف من 51.6 إلى 48، مما عزز القيمة الدولارية للأسهم المحلية وجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين.
تجدر الإشارة إلى أنه تم في هذا الشهر تغييرات في رئاسة البورصة، حيث تم تعيين إسلام عزام، رئيس لمجلس إدارة البورصة المصرية بدلا من أحمد الشيخ، ومحمد صبري نائب لرئيس البورصة المصرية بدلا من هبة الصيرفي.


أظهرت بورصة الدار البيضاء أداء إيجابي، حيث سجل مؤشر MASI ارتفاع شهري بنسبة 2.1%.
استطاع السوق المغربي جذب المستثمرين الأجانب، بدعم من استقرار العملة وتحسن بيئة الأعمال، مما عزز تدفقات رأس المال.
كما واصل القطاع المصرفي تقديم أداء قوي وظل أحد أكبر القطاعات من حيث القيمة السوقية، في حين ساهمت الشركات الكبرى مثل شركة مرسى المغرب، ولافارج هولسيم، وبنك التجاري وفا في دعم مكاسب السوق، مما يعكس ثقة المستثمرين القوية بهذه الشركات.
التوقعات
ومع بدء شهر سبتمبر، تشير التوقعات إلى أن أسواق الأسهم قد تشهد موجة من التفاؤل بعد فترة من الأداء الواهن في أغسطس الذي خيم عليه مناخ من الترقب والحذر.
ويعزى هذا التفاؤل إلى تعزز الرهانات على قيام البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب في 16-17 سبتمبر الجاري.
هذا التوجه يُتوقع أن يدعم معنويات المستثمرين، ويحفز تدفقات جديدة من السيولة إلى الأسواق.
كما أن استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، إلى جانب التوقعات بارتفاع أرباح الشركات في الربع الثالث من العام، قد يعزز من الثقة بأن الأسواق قد تشهد انتعاش نسبي خلال سبتمبر.
(إعداد: فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، تحرير: ياسمين صالح، مراجعة قبل النشر: شيماء حفظي)
#تحليلسريع
للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا








