* تم إعادة نشر المقال لتصحيح اسم الكاتب

كونت الصادرات النفطية الركيزة الأساسية في الحياة الاقتصادية في سلطنة عٌمان. حيث شكلت هذه الصادرات وحدها من 68% إلى 85% من الإيرادات الحكومية السنوية على مدى ال30 عام الماضية، وقامت بتمويل تطوير البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.   

اما اليوم، فان اعتماد السلطنة المفرط على النفط بات أكثر إشكالية نظرًا لانخفاض أسعار النفط العالمية في عام 2020، الأمر الذي شكل ضغط غير مسبوق على الاقتصاد العٌماني. إضافة الى ذلك، يتوقع خبراء النفط أن تنفذ عٌمان من احتياطاتها الحالية من النفط والغاز في أقل من عقدين، ما يراكم التحديات الاقتصادية للسلطنة.    

كان السخط الشعبي في تاريخ عٌمان الحديث مدفوعًا بالصعوبات الاقتصادية والرغبة في الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، كما يتضح من الاحتجاجات والإضرابات المختلفة التي حدثت في السلطنة ما بين 2011 و2019 والتي كان أغلبها يطالب بإيجاد فرص عمل والقضاء على البطالة.  

وبالرغم من ان السلطان الراحل قابوس حاول جاهدا تنويع اقتصاد البلاد بعيدًا عن النفط، الا ان هذه المحاولات باءت بالفشل. ومع اعتلائه العرش، تعهد السلطان هيثم بمعالجة التحديات الاقتصادية في عٌمان.   

معاناة مالية   

في الواقع، وعلى الرغم من كونها أكبر مصدر شرق أوسطي للنفط من خارج أوبك، إلا أن الاقتصاد العٌماني يعاني من مشاكل هيكلية رئيسية تتراوح من انخفاض احتياطيات النفط، والاعتماد المفرط على التمويل الخارجي، الى ارتفاع الإنفاق العام، والقدرة المحدودة على التكيف مع الصدمات الخارجية.   

ولذلك، كان وقع الصدمة المزدوجة من كورونا والنفط كبير على السلطنة، حيث أدى انخفاض أسعار النفط وإجراءات الإغلاق التي تم تنفيذها  للسيطرة على انتشار الجائحة إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في عٌمان.  

توقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد بشكل حاد بأكثر من 9% في عام 2020، بسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط والوباء الذي أصاب القطاع غير النفطي الذي يتعرض لضغوط كبيرة وسط القيود المستمرة، حيث يعد قطاع السياحة والفنادق من بين الأكثر تضررًا. كما تقدر وكالة فيتش عجز في الميزانية بما يقرب من 20% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، مقارنة بـ 8% في عام 2019.    

أثارت هذه التوقعات الاقتصادية في عٌمان قلق الجهات المحلية والإقليمية والدولية وقامت وكالات التصنيف الائتماني الدولية - مثل موديز وفيتش بخفض التصنيف الائتماني لسلطنة عٌمان وخفض توقعاتها المستقبلية إلى سلبية في 2019 و2020. و أفادت تقارير  نقلتها  بلومبرغ ومعهد بروكنجز أن مسؤولين من مجلس التعاون الخليجي، الذين قدموا لعُمان 10 مليار دولار كمساعدات إنمائية في عام 2011، أدركوا في عام 2020 أن السلطنة أصبحت أكثر عرضة للخطر بسبب التأثير الاقتصادي لوباء فيروس كورونا وكذلك انخفاض أسعار النفط.   

نقمة النفط: انخفاض الاحتياطات والأسعار   

يهيمن إنتاج الموارد الطبيعية على الاقتصاد العٌماني، ويعتبر تصدير النفط والغاز المصدر الرئيسي للعملة في عٌمان منذ عام 1967.

يعتبر النفط الخام حافز رئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي، وتُظهر أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي العٌماني أن حصة الأنشطة البترولية في الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 36% في عام 2018 - بزيادة قدرها 7% عن العام السابق.  

إن اعتماد عٌمان المفرط على تصدير الموارد الطبيعية يعني أن اقتصادها مرتبط بارتفاع وانخفاض أسعار النفط والغاز. على وجه الخصوص، فقد تأثرت بشكل سلبي من جراء الانهيارات المتكررة في أسعار النفط العالمية في السنوات الأخيرة.

انخفضت أسعار العقود الآجلة لخام برنت من 106.57 دولار للبرميل في يناير 2014 إلى 28.55 دولار للبرميل في يناير 2016. ثم في عام 2020، في خضم جائحة فيروس كورونا والركود الاقتصادي العالمي الذي تلاه، تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في أبريل 2020، مع وصول نفط خام برنت إلى 9.12 دولارات.  

وكانت نسبة احتياطيات السلطنة إلى الإنتاج، أي الكمية المتبقية بالسنوات، قد بلغت 15.2 عام فقط في عام 2017. علاوة على ذلك، على عكس العديد من جيرانها، فإن احتياطيات النفط العٌمانية تمثل تحدي جيولوجي وغالبًا ما تتطلب تقنيات استخراج مكلفة، تبلغ حتى أربع مرات أغلى من المملكة العربية السعودية.  

ماذا تعني هذه التحديات بالنسبة إلى سلطنة عٌمان؟ هذه التحديات يمكن ان تؤشر باتجاه واحد. ما لم يتم اكتشاف النفط بكميات كبيرة بحيث يوثر إيجابا على الإطار الزمني المقدر لنضوب الاحتياطي، فعلى السلطنة أن تتكيف بشكل حتمي مع اقتصاد ما بعد النفط في وقت أقرب من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ذات الاحتياطيات الأعلى، والإنتاج الأرخص.  

التوصيات  

يحتاج النظام الآن إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الهيدروكربونات تمامًا، ويجب على القيادة العٌمانية الاستعداد للتداعيات السياسية التي لا بد أن تصاحب هذا التغيير الاقتصادي الجذري. سيتعين على السلطنة خفض الإنفاق العام عن طريق زيادة الضرائب وإصلاح نظام الدعم.  هذا قد يؤدي إلى نزاع علني وسخط المواطنين، كما حدث خلال احتجاجات 2018 التي اندلعت بسبب ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الضرائب.   

كما انه يجب على السلطنة، وفي المستقبل القريب، اجراء التغيير الاقتصادي الملموس بإعطاء الأولوية لتنويع الاقتصاد العٌماني والاستثمار في القطاعات الغير نفطية والتي تتمتع بإمكانية تحقيق عائدات كبيرة، مثل السياحة.   

علاوة على ذلك، يجب إعطاء الأولوية لخلق فرص العمل  وتطويرها عن طريق الاستثمار في رأس المال البشري، وتدريب المواطنين على قطاعات محددة يتم توظيفهم فيها مثل التعليم والهندسة.   

الأهم من ذلك كله، يجب أن يدرك النظام أن استراتيجياته الاقتصادية لم تعد قادرة على الاعتماد على الموارد الطبيعية. 

على الجميع في السلطنة ان يعلموا جيدا ان تأخير هذه الإصلاحات لن يؤدي الا إلى زيادة كلفتها وتعاظم تكاليف الإصلاح وزيادة العذاب.  

لقراءة مقالات أخرى لنفس الكاتب:  

اغتيال الليرة 
 اقتصاديات ما بعد كورونا... العالم تغير كثيرا 

كورونا والاقتصاد ونحن ..كيف سنتغير؟    

القطاع المصرفي وامتحان فبراير: (الجزء الثاني)   

لبنان.. الطريق الى جهنم   

مئوية لبنان الكبير: لحظة الانبعاث او الزوال    

هل يطلق كورونا عصر العملات المشفرة؟  

لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى  

سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟   

لبنان : المصائب لا تأتي فرادى    

كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟     

قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟   

العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة  

لبنان إلى  أين ؟    

السودان: الصفقة والفرصة التي لا تفوت    

الكويت: الوضع الصعب  

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان 

(للتواصلyasmine.saleh@refinitiv.com 

  

  © Opinion 2021

المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.