مر عام كامل على 17 أكتوبر ولما يتمكن لبنان من التقاط أنفاسه حتى اليوم. أزمات ماليه واقتصادية، تخللتها أزمة صحية مع انتشار جائحة كورونا.

 ثم تفاقم الأمر مع انفجار مرفأ بيروت. لا يمكن لأي أحد ان يتصور حجم المأساة التي حلت بلبنان حتى يراجع آخر تقرير لصندوق النقد الدولي الذي يتوقع فيه تراجع الاقتصاد اللبناني في عام 2020 بحوالي 25% وارتفاع التضخم في الأسعار ما يفوق 85%.

 هكذا وفي اقل من سنة محت السياسات السيئة ربع الاقتصاد اللبناني.

واعادت الاقتصاد عشرات السنين الى الوراء وأوقعت اللبنانيين في المزيد من الفقر والبطالة والتي بلغت مستويات قياسية تقدر ب 50% للفقر و 35% للبطالة.   

في أكتوبر2019 ونتيجة توقف التدفقات المالية من الاغتراب اللبناني والمساعدات العربية والدولية سقط الاقتصاد في أزمة مالية أدت الى إخفاقات شاملة في القطاع المصرفي وقطاع الديون.

وبدأ مسلسل الانهيار في سعر الصرف. ثم بعد ذلك ، في 7 مارس 2020، تخلفت الحكومة للمرة الأولى  في تاريخ لبنان عن سداد سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي.

وفي مارس، أعلنت الحكومة حالة التعبئة العامة، وفرضت إغلاق لمواجهة جائحة كورونا.   

وفي 4 أغسطس، هز انفجار هائل مرفأ بيروت ، دمر جزء كبير من الميناء وألحق أضرار جسيمة بالمناطق السكنية والتجارية بخسائر تقدر بحوالي 7 مليار دولار، تراكمت على اقتصاد منهك في ظل غياب مساعدات دولية لإعادة الاعمار وربطها بالإصلاحات واحتجاز المصارف لأموال المودعين.  

 المبادرة الفرنسية أو رصاصة الرحمة   

تفاءل اللبنانيون بزيارة الرئيس الفرنسي للبنان واطلاقه المبادرة الفرنسية لمساعدة لبنان والتي تلاها مباشرة دعوته لمؤتمر لمساعدة لبنان. 

كانت الرسالة واضحة: لا مساعدات مالية، باستثناء الإنسانية منها، قبل قيام السلطات اللبنانية بإصلاحات حقيقية وهيكلية جدية بضمان برنامج مع صندوق النقد الدولي.   

يعول لبنان على مساعدات من صندوق النقد تقدر بحوالي 9 مليار دولار (ويعتبر الرقم طموح جدا) لسد الثغرات في برنامجه المالي لإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي وتحسين العجز المستدام في الميزان التجاري، إضافة الى حوالى 11 مليار من الأموال الموعودة في مؤتمر سيدر لإصلاح البنية التحتية وإعادة تفعيل الاقتصاد.

ومن الممكن ان يترافق ذلك مع مساعدات عربية ودولية ولكن كل ذلك مرتبط بالإصلاحات المفقودة حتى اليوم في ظل الخلافات السياسية. 

 تلقت المبادرة الفرنسية الصفعة الاولي بعد مغادرة الرئيس الفرنسي الأراضي اللبنانية مباشرة مع اعتذار مصطفي اديب عن تشكيل الحكومة نتيجة العرقلة والتعنت من الأحزاب المتحكمة بمصير اللبنانيين وتراجعها عن الوعود التي اغدقوها على الرئيس الفرنسي وهي باتت تحتضر اليوم في محاولتها الثانية مع الحريري الذي يواجه صعوبات تفوق ما واجهه اديب ودفعته الى الاعتذار.   

 سيناريوهان مختلفانبين  الإنقاذ او قعر الهاوية   

تعول  المبادرة الفرنسية اليوم وهي باتت تبدو حلم-  على حكومة الحريري والتي اسمتها حكومة ذات مهمة.

فريق جديد من اهل الاقتصاد والاختصاص بدعم الأغلبية في البرلمان  وبإرادة سياسية قوية يقوم بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لمعالجة الفساد وانشاء مؤسسات فعالة تتسم بالحوكمة الرشيدة وإصلاح القطاع العام وخاصة المالية العامة. تطلق الحكومة بالتوازي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي تختتم باتفاق برنامج مع الصندوق تفرج بعدها أوروبا عن أموال مؤتمر سيدر.

من شان ذلك ان يعزز ذلك الاستقرار المالي والنقدي، ويضخ العملات الأجنبية في السوق المتعطش لها ويتم توحيد أسعار الصرف المختلفة  وينتعش الاقتصادي في مرحلة لا تتجاوز الثلاث سنوات يخرج لبنان بعدها من فخ الركود. كل ذلك في جو من الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة وخاصة بعد الانتخابات الأميركية.   

الواقعية والتجربة تجعل السيناريو الأكثر احتمالا هو المراوحة في ظل هذا التراخي والإهمال الغير المسبوق من المسؤولين اللبنانيين اخذين بعين الاعتبار الخلافات السياسية المستمرة وغياب التوافق على توزيع الخسائر بين الدولة والقطاع المالي. كل ذلك يؤكد ان لا خرق جديد محتمل ولا إصلاحات قريبة رغم اقتراب الامتحان الأكبر مع استنفاذ احتياطات مصرف لبنان وحاجة الاقتصاد الملحة للنفط والدواء والقمح.

ومع المراوحة يقترب الاقتصاد اكثر من القعر، الأمر الذي قد يفاقم الجريمة والاضطرابات الاجتماعية على انقاض الاقتصاد لا قدرالله.    

لبنان، الآن هي اللحظة الحاسمة، تمنى الأفضل ولكن استعد للأسوأ.   

  (للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.