العراق في حالة هشة. الاقتصاد يعاني من أزمة مالية صعبة نتيجة انهيار اسعار النفط والاضطرابات السياسية والاجتماعية المستمرة منذ سنوات. ثم اتت جائحة كورونا وانتشارها السريع لتزيد الوضع سوءا مع محدودية قدرة النظام الصحي في البلاد وهزالة الإمكانات المادية لاحتواء الازمة وإدارتها.  

تركيبة الاقتصاد العراقي 

يعتمد الاقتصاد العراقي على القطاع العام بشكل عام والنفط بشكل خاص. 

تبلغ العائدات النفطية حوالي 85% من الواردات الحكومية وحوالي 80% من أرباح العملات الاجنبية. 

 ويمكن للعقود التي وقعها العراق مع شركات النفط العالمية من زيادة الانتاج والصادرات النفطية الا ان ذلك يتطلب استثمارات كبيرة في تطوير البنية التحتية وامدادات النفط حتى تستغل هذه العقود الى أقصى درجة. 

 وبالرغم من غياب الارقام الرسمية الا انه يقدر في العام 2017 ان القطاع الصناعي شكل حوالي 40.6% من الناتج المحلي في حين ساهم القطاع الزراعي بحوالي 4.8% فقط. اما قطاع الخدمات فتقدر مساهمته بحوالي 54.6%.

ويعاني العراق من ضعف القطاع المصرفي والذي يبقى حكوميا بغالبه على الرغم من التحسن الطفيف نتيجة ادخال بعض التكنولوجيا عليه مؤخرا كنظام الدفع الالكتروني لمعاشات القطاع العام ونظام الحماية الاجتماعية لحوالي 7 ملايين مواطن.  

وقد تعافى الاقتصاد العراقي تدريجياً بعد انتهاء الحرب مع داعش، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.4% في 2019، على خلفية إنتاج نفطي أكثر، إلى جانب جهود إعادة الإعمار المستمرة، وزيادة الطلب المحلي وتحسين الظروف الأمنية.  

2019: عام التحديات  

المظاهرات التي انطلقت في العام 2019 لإدانة سوء الخدمات والبطالة والفساد أظهرت هشاشة النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم.  

وفي محاولتها لاحتواء الازمة، أعلنت الحكومة عن حزمة مالية كبيرة تضمنت توسع كبير في توظيفات القطاع العام ومعاشات تقاعدية ومساعدات عن طريق حوالات مالية. النتيجة المباشرة للتوسع في الانفاق أدت الى نمو الدخل القومي بنسبة 4.4% في حين بقي التضخم تحت السيطرة بمعدل 0.2%، وساهم بذلك انخفاض كلفة الاستيراد من الدول المجاورة ما جعل الحكومة تقوم برفع قيمة الضريبة الجمركية ومنع استيراد بعض المواد الغذائية لحماية المنتجين المحليين والحد من المنافسة.  

 حلول سريعة وجيدة ولكن  قصيرة النظر 

اعتبر العديد من المراقبين سياسة الحكومة المالية غير فعالة وقصيرة الأمد.  

فقد غابت عن خطة الحكومة الآليات لخلق فرص العمل واشراك القطاع الخاص ومحاربة الفساد وغيرها من الإصلاحات الهيكلة والتي هي بطبيعتها طويلة الأمد.  

ولكن ساهم الانفاق المتزايد في خفض فائض الموازنة كنسبة من الناتج القومي الى 3% في العام 2019 من 11.2% في العام 2018.  

كما يعتبر المراقبون ان هذا الانفاق أتى على حساب الاستثمار في رأس المال البشري واعادة الإعمار الأساسيان لنمو الاقتصاد على المدى الطويل. وبالفعل بالرغم من ان موازنة الاستثمار قد ارتفعت بنسبة 5% الا ان ما تحقق منها لم يتعد ال 45%، هذا ولم تتعد الاستثمارات غير النفطية نسبة 18%، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول نوعية الخدمة العامة والبنية التحتية وبرنامج اعادة الإعمار.  

وتستمر التحديات  

تشير توقعات البنك الدولي الى مستقبل مليء بالتحديات للعراق. كنتيجة مباشرة لانخفاض اسعار النفط واضطرابات الأسواق المحلية والعالمية حيث سيكون من الصعب جدا اعادة تفعيل الاقتصاد العراقي. ويتوقع البنك ان ينكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 5% في العام 2020 وبناء على متوسط سعر 30 دولار للنفط ستعاني الموازنة الحكومية من عجز يقدر بحوالي 19% من الناتج القومي. ومع هذا العجز ستعاني المالية العراقية بدون شك من قدرتها على احتواء ازمة كورونا وتقديم الخدمات العامة وتأجيل استثمارات البنية التحتية والتنمية البشرية.  
 

بالمختصر المفيد 

يبقى الاستثمار والتنوع الاقتصادي عناصر مصيرية للنمو الاقتصادي في العراق ويتطلب هذا الامر تحسين مناخ الأعمال من خلال تطوير القوانين ومساهمة القطاع الخاص وتقوية الدولة المركزية. وعلى المدى المنظور ستشكل الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة وانخفاض أسعار النفط ضغط كبير على العراق الذي سيلجأ حتما الى تمويل الفجوة من احتياطيات البنك المركزي مما سيزيد هشاشة الوضع بغياب الإصلاحات الهيكلة التي تشكل المعبر الوحيد الى النمو الطويل الأمد المستدام.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب 

لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى

سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟ 

لبنان : المصائب لا تأتي فرادى  

كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟   

قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟ 

(تم التواصل مع الكاتب عبر موقع WriteCaliber)  

(للتواصل: Yasmine.saleh@refinitiv.com) 

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.