* تم التحديث برأي محلل

تفتح تونس أبواب الاستفتاء الاثنين على مسودة دستور وصفه البعض أنه تأصيل لديكتاتورية جديدة، وسط أزمة اقتصادية طاحنة قد تعصف بالسلم الإجتماعي.

نحاول في هذا المقال تلخيص السياق السياسي والاقتصادي لفهم ما تمر به البلاد الآن.

إجراءات استثنائية

في يوليو 2021 قام الرئيس قيس سعيد باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستثنائية حل من خلالها البرلمان والحكومة، أعقبتها سلسلة من المظاهرات والاضطرابات السياسية والاقتصادية.

وأعلن سعيد نهاية العام الماضي عن خارطة طريق تتضمن الاستفتاء على الدستور في 25 يوليو 2022 ثم إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر.

ونهاية يونيو الماضي، نشر الرئيس التونسي مسودة الدستور المقرر التصويت عليه وكان أبرز ما فيها، إلغاء دور البرلمان كرقيب على عمل الرئيس أو الحكومة، وتغيير نظام الحكم إلى رئاسي بدلا من نظام الحكم الهجين الحالي الذي تتوزع السلطة السياسية فيه على مجلس نواب الشعب المنتخب، ورئيس الجمهورية المنتخب والحكومة التي يمنحها البرلمان الثقة.

كما ألغت المسودة النص الذي يقول أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة واكتفت بـ:  "تونس  جزء من الأمة الإسلامية وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".

وعاد الرئيس التونسي مطلع الشهر الحالي ليضيف تعديلات بسيطة على مسودة الدستور بعد الانتقادات الواسعة التي وجهت له، إلا إنها لم تؤثر على صلاحياته.

حكم الرجل الواحد

وتبرأ رئيس لجنة الدستور، الصادق بلعيد، وهو أستاذ القانون الدستوري الذي عينه سعيد لصياغة الدستور، من المسودة المنشورة، وزعم أن تعديلات جوهرية تمت من قبل الرئيس التونسي قبل إعلانها.

وقال في بداية هذا الشهر وعقب نشر المسودة: "إن النص المقترح الذي نشره سعيد هذا الأسبوع لا يمت بصلة للمسودة الأولى"، وأضاف أنه يتضمن "الخطر الداهم الذي يسمح للرئيس بتمديد ولايته وتمهيد الطريق لديكتاتورية مشينة،" بحسب ما نقلته صحف ووكالات أنباء عن صحيفة الصباح التونسية.

"تشبه المسودة الجديدة لحد كبير دستور 1959 الذي أسس لحكم تونس بشكل أحادي لمدة نصف قرن، لحين الانهيار الذي أدى لانتفاضات 2011،" بحسب ما قاله زياد العلي،  المتخصص في الشؤون الدولية والاستراتيجية، في مقال منشور على واشنطن بوست أوائل الشهر الحالي. 

وأضاف أن هناك اختلاف بين الدستورين لكن كلاهما تم تصميمه للحصول على الهدف نفسه:"حكم الرجل الواحد".

الإصلاحات الاقتصادية أم السياسية أولا؟

تعاني تونس اليوم من وضع اقتصادي صعب وتدهور سريع للسلام الاجتماعي الذي مهد الطريق أمام سعيد لاحكام قبضته على السلطة، بحسب ما كتبه حمزة المؤدب، الباحث في الاقتصاد السياسي في مقال منشور على موقع مركز كارنيغي لأبحاث الشرق الأوسط الأسبوع الماضي. 

وزاد تفشي فيروس كورونا من حدة الأزمة الاقتصادية، لتدفع الناتج القومي للانكماش بنحو 8.7% في 2020، بحسب تقرير لموديز الشهر الماضي،  ثم جاءت حرب روسيا وأوكرانيا لتفاقم عجز الميزان التجاري ومعه احتياج البلاد للعملات الأجنبية، وهو ما تحاول السلطات سده عبر اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.

إلا أن الوباء والحرب ساهما في تعقيد وضع اقتصادي سيئ بالأساس، ولم يخلقاه. فبحسب المؤدب، اختارت النخبة التونسية البدء في الإصلاحات السياسية قبل الاقتصادية بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وهو ما أخر معالجة تحديات هامة بينها تخفيض الإنفاق الحكومي، خصوصا على الأجور، التي يقف أمام السيطرة عليها نقابات عمالية قوية.

وقال ريكاردو فابياني، مدير عن منطقة شمال إفريقيا لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، وهي منظمة دولية مستقلة تعمل على منع اندلاع الحروب وإدارة الأزمات، في حديثه لزاوية عربي، إن الاستفتاء  محطة مهمة في المرحلة الانتقالية في تونس وقد يُحكم قبضة الرئيس التونسي على السلطة.

"المعارضة قامت بالحشد لمحاولة مقاطعة الاستفتاء لكن من غير الواضح إذا ما كانت ستنجح في تقويضه بما يُظهر ضعف موقف الرئيس أم لا،" بحسب فابياني.

 وأضاف: "في الوقت الحالي يبدو أنه لا يوجد قوة سياسية أو اقتصادية قادرة أو مستعدة لوقف قيس سعيد".

وأشار إلى أنه إذا نجح الاستفتاء واكتمل الانتقال بنهاية العام، سيواجه الرئيس موقف اقتصادي صعب مع احتمالية اتخاذ تدابير تقشفية وغير شعبية.

صندوق النقد الدولي

ولم تكن الأزمات السياسية وحدها هي ما يثير الإحباط في تونس، إذ كانت خطة رفع الدعم عن السلع والمحروقات بشكل تدريجي وتجميد فاتورة الأجور سبب آخر للغضب الشعبي، لكن صندوق النقد الدولي في البيان الأخير لبعثته هذا الشهر أكد على ضرورة الاستمرار في ذلك الاتجاه كأولويات لـ"احتواء النفقات العامة الجارية".

ودعا المجتمع الدولي لتمويل برنامج الإصلاح التونسي وقال في بيانه"ومرة أخرى، ينبغي للمجتمع الدولي أن يضطلع بدور مهم في تيسير برنامج السلطات من خلال التعجيل بصرف التمويل المطلوب. فهذا أمر لا غنى عنه لضمان نجاح جهود السلطات على صعيد السياسات والإصلاحات".

قال المؤدب إن الأزمة الاقتصادية بقدر ما مكنت سعيد من إحكام قبضته على السلطة لكنها ستحرمه الموارد الكافية لجعل حكمه الرئاسي يستقر، إذ أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيتطلب بعض التدابير التي قد تغذي الغضب المجتمعي وتؤدي لتآكل شعبيته الهشة ومن ناحية أخرى عدم معالجة الاختلالات الاقتصادية لن يكون مستدام على صعيد الآفاق الاقتصادية.

وارتفعت الاحتياجات التمويلية لتونس من نحو 7 مليار دولار بداية 2022 إلى نحو 8.8 مليار دولار بعد الحرب بسبب أسعار الطاقة والغذاء، بحسب المؤدب.

وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير صادر نهاية يونيو الماضي، أن حل البرلمان واستئثار الرئيس التونسي السلطة ينذر بإطالة أمد المأزق السياسي في البلاد وتهديد فرص إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ اقتصادي جديد.

وبحسب موديز فإن الاقتصاد التونسي سينمو 2.2% العام الحالي و2.5% العام المقبل على أقصى تقدير ليظل أقل بكثير من مستويات ما قبل 2011 الذي وصل فيها معدل النمو ل5%. 

تخلف عن السداد؟

وقال جيمس سوانستون محلل في مؤسسة الأبحاث الاقتصادية كابيتال إيكونوميكس،  في مذكرة بحثية إن تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا عمقت الأزمات في الحساب الخارجي لتونس أيضا، وتوقع  أن يسجل عجز الحساب الجاري 11% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

أضاف أن العجز الكبير في الحساب الجاري الذي يأتي في ظل الاضطرابات السياسية يقوض فرص الاستثمار الأجنبي، بما يضغط أكثر على الدينار، وإذا اضطرت السلطات لخفض العملة كما يتوقع سيؤدي ذلك إلى "زيادة المخاوف بشأن التخلف عن السداد" في ظل الحصة الكبيرة من الديون المقومة بالعملة الأجنبية.

وقال إنه في ظل المعارضة المحلية للإصلاحات التي يحتاجها الاقتصاد يُصنف المستثمرون بالفعل الديون التونسية بإنها مشكوك بأمرها مع تجاوز العوائد على السندات المقومة بالدولار 34%.

وخلال العام الماضي، تدهور التصنيف الائتماني لتونس بشدة إذ خفضته وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية إلى Caa1 مع نظرة مستقبلية سلبية، وهي درجة تعكس مخاطر كبيرة للتخلف عن السداد وكذلك خفضته فيتش في مارس الماضي إلى CCC.

لمتابعة أخبار الاستفتاء، أضغط هنا

(إعداد: أماني رضوان، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

 #تحليلمطول

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا