السندات والدولار: خلفية سريعة

خلال آخر أسابيع أغسطس والذي انتهى يوم 29 من الشهر، شهدت عوائد سندات الخزانة الأميركية تقلبات ملحوظة مع استمرار المستثمرين في تقييم خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في جاكسون هول.

هذا + تقييمهم لمحاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعزيز نفوذه على الفيدرالي الأمريكي.

وفي الوقت ذاته، سجل الدولار الأميركي مكاسب طفيفة أمام العملات الرئيسية في بداية الأسبوع الماضي.

غير أن المخاوف بشأن استقلالية الفيدرالي، نتيجة الخطوة غير المسبوقة لترامب بإقالة عضوة مجلس محافظي الفيدرالي ليزا كوك، ألقت بظلالها على الدولار ومعنويات السوق بشكل عام، ليغلق مؤشر الدولار الأمريكي الأسبوع المنتهي في 29 أغسطس على ارتفاع طفيف بنسبة 0.1%.

بداية سبتمبر

غير أن مؤشر الدولار الأمريكي عاد وارتفع يوم الثلاثاء 2 سبتمبر مع استئناف المتداولين نشاطهم بعد عطلة عيد العمل في 1 سبتمبر، ليعود ويشهد من جديد بعض الضغوط بين 2 و4 سبتمبر في أعقاب تصريحات ترامب حول الرسوم الجمركية على الصين.

وقد هدد ترامب برفع الرسوم الجمركية على الصين بنسبة 200%، وذلك في خطوة مفاجئة تهدف إلى الضغط على الصين للامتثال لمطالب الولايات المتحدة في ملفات التجارة والأمن.

كما وتزامن ذلك مع صدور بيانات اقتصادية أميركية مهمة تشير إلى تباطؤ في سوق العمل.

فوفق تقرير "فرص العمل ودوران العمالة"(JOLTS)  الصادر عن مكتب إحصاءات العمل بوزارة العمل الأميركية انخفضت فرص العمل بمقدار 176,000 وظيفة لتصل إلى 7.18 مليون، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر 2024.

بينما ارتفع عدد الموظفين الجدد بشكل معتدل بمقدار 41,000، في حين هبطت نسبة فرص العمل إلى عدد العاطلين عن العمل إلى 0.99 لأول مرة منذ أبريل 2021. ويعزى هذا إلى سياسات الرسوم الجمركية وتشديد قوانين الهجرة، ما أدى إلى تقليص فرص العمالة.

وبالتالي فإن هذه المؤشرات تدعم توقعات الأسواق بخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في اجتماعه المقبل في 16-17 سبتمبر لدعم الاقتصاد، ما من شأنه أن يرخي بثقله على مؤشر الدولار الأمريكي خلال المدى المنظور.

وسنستعرض أداء السندات خلال أوائل سبتمبر في فقرة البورصات العالمية لارتباطها بالأحداث التي أثرت على البورصات الأمريكية.

البورصات العالمية في آخر أغسطس

أمريكا

أغلقت الأسهم الأميركية في وول ستريت على انخفاض خلال الأسبوع الأخير في أغسطس وتحديداً يوم الجمعة 29 أغسطس.

وذلك مع صدور بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، وهو المقياس المفضل لدى الفيدرالي لقياس التضخم، والذي أظهر أن التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، قد ارتفع بنسبة 2.9% في يوليو على أساس سنوي، مسجلاً بذلك أعلى مستوى له منذ فبراير 2025، في انعكاس لاستمرار الضغوط التضخمية، خاصة في قطاع الخدمات، رغم انخفاض أسعار الطاقة.

وعليه أنهت الأسهم الأميركية الأسبوع المنتهي في 29 أغسطس على تراجع طفيف، حيث سجل كل من داو جونز، وS&P 500، وناسداك تراجعات أسبوعية بنسب 0.2% و0.1% و0.2% على التوالي.

آسيا وأوروبا مع التركيز على فرنسا

تماشت الأسواق الآسيوية والأوروبية إلى حد ما مع أداء الأسواق الأمريكية، إذ تراجع مؤشر MSCI لآسيا والمحيط الهادئ بنسبة 0.5% خلال الأسبوع المنتهي في 29 أغسطس، كما تراجعت مؤشرات CAC 40 وFTSE 100 بنسبة 3.3% و1.4% على التوالي.

يجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت خلال الأسبوع الماضي اضطرابات سياسية داخلية أثارت قلق المستثمرين وأثرت سلباً على الأسواق المالية.

حيث أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، عن تقديم طلب للبرلمان للتصويت على الثقة يوم 8 سبتمبر، بشأن خطة تقشفية تهدف إلى تقليص العجز المالي لمواجهة عجز غير مسبوق في الميزانية والتي قوبلت بمعارضة شديدة من الأحزاب السياسية الكبرى ودعوات للإضراب مما زاد من احتمالية انهيار الحكومة.

ورداً على ذلك، شهدت أسواق الأسهم الفرنسية عمليات بيع مكثفة، خاصة في القطاع المصرفي، حيث تراجعت أسهم BNP Paribas   وGénérale Société وCrédit Agricole، مما أدى إلى خسارة إجمالية تقدر بحوالي 15 مليار يورو، مثلت حوالي 20% من إجمالي تراجع مؤشر CAC 40 خلال الأسبوع الأخير من أغسطس.

الأسبوع الحالي

أما خلال الأسبوع الحالي والذي سينتهي في 5 سبتمبر، فقد شهدت أسواق الأسهم الأمريكية ضغوط خلال مطلع الأسبوع، لاسيما في ظل غياب ترامب عن الظهور العام لأربعة أيام متتالية، والذي أثار ضجة إعلامية واسعة، مع تداول أنباء عن تورم في الكاحل وكدمات على اليدين، ما أطلق موجة من الشائعات وصلت إلى حد وفاته.

وانعكس ذلك سريعاً على وول ستريت يوم 2 سبتمبر، حيث تراجعت المؤشرات الرئيسية بوضوح، فقد خسر مؤشر داو جونز بين 250 و380 نقطة أي نحو 0.5%، وهبط  S&P 500   بنحو 0.7%، فيما انخفض ناسداك بما يقارب 1%.

وقد ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل لتصل إلى 5% على سندات 30 عام و4.3% على سندات 10 سنوات، ما زاد من ضغوط البيع في الأسهم، قبل أن تعود وتستقر بين 3 و4 سبتمبر مع ظهور ترامب مجدداً وتعزز الرهان على خفض مرتقب في معدلات الفوائد في اجتماع الفيدرالي المقبل، ما من شأنه أن يدعم أسواق الأسهم الأمريكية على المدى القريب.

أما الأسواق الآسيوية، فقد شهدت تفاوت في الأداء خلال الأسبوع الحالي والذي انعقدت خلاله قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين الصينية، وهو ما شكل محطة بارزة على المستويين السياسي والاقتصادي.

 وخلال هذه القمة، قدم الرئيس شي جين بينغ رؤية تسعى إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يحد من الهيمنة الغربية ويعزز دور دول الجنوب العالمي.

وقد أعلن عن حزم دعم مالي شملت مساعدات وقروض بمليارات اليوان، إلى جانب مقترح إنشاء بنك للتنمية خاص بالمنظمة، في خطوة تستهدف توفير بدائل تمويلية إقليمية وتدعيم مكانة اليوان في النظام المالي العالمي.

كما جرى التركيز على تعزيز استخدام العملة الصينية في التجارة الدولية ولاسيما في قطاع الطاقة، إضافة إلى إطلاق مبادرات في مجالات الذكاء الاصطناعي والتعاون الفضائي.

وتفاعلت الأسواق المالية بشكل معتدل مع نتائج القمة، إذ أظهرت مؤشرات الأسهم الصينية بشكل خاص أداء متباين عكس مزيج من التفاؤل بالمبادرات الجديدة والقلق من التحديات القائمة.

الذهب يتصدر المشهد مجددا

بدأ بقفزة قوية خلال الأسبوع المنتهي في 29 أغسطس، حيث سجلت الأونصة مستوى قياسي جديد بلغ حوالي 3,516 دولار، بارتفاع نسبته نحو 2.9% مقارنة بالأسبوع السابق.

وقد جاء هذا الارتفاع مدفوع بشكل خاص بتزايد التوقعات بتخفيض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي.

واستمر تألق المعدن الأصفر خلال الأسبوع الحالي والذي سينتهي في 5 سبتمبر ليحطم مستويات قياسية جديدة ناهزت عتبة 3,650 دولار للأونصة بدعم من بيانات التوظيف الأمريكية الضعيفة.

وكل التوقعات تشير إلى أن أسعار الذهب ستستمر في الارتفاع خلال الأشهر المقبلة، مدفوعة بعدة عوامل رئيسية كالتوقعات بتخفيض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي، وانخفاض قيمة الدولار، وزيادة احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية، خاصةً من الصين، بالإضافة إلى تزايد المخاوف من التضخم والركود، ما يدفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن.

الأسواق العربية

أنهت الأسبوع الأخير من أغسطس على وهن مستمر منذ بداية الشهر، إذ طغى اللون الأحمر على أداء الأسواق بشكل عام خلال الأسبوع المنتهي في 29 أغسطس.

سجل مؤشرS&P  العربي المركب تراجع أسبوعي بنسبة 1.2%، في ظل انخفاض مؤشر سوق تداول السعودي بنسبة 1.2% والذي شهد أداء ضعيف خلال أغسطس بشكل عام، في ضوء نتائج شركات مخيبة للآمال وتراجع أسعار النفط.

عليه، تراجعت القيمة السوقية لأسواق الأسهم في المنطقة العربية بنسبة 0.6% لتبلغ 4,195 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في 29 أغسطس.

واستمر هذا الأداء الواهن خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري والذي سينتهي في 5 سبتمبر، بدون تغييرات تذكر في مؤشرات الأسعار، وإن طغى اللون الأحمر بشكل كبير على شاشات البورصات العربية بين 2 و3 سبتمبر.

وهذا المسار متوقع حتى منتصف سبتمبر على الأقل في ظل ترقب لنتائج اجتماع الفيدرالي في 16 و17 سبتمبر لعله يحمل معه تغييرات على صعيد السياسة النقدية والتي من شأنها أن توفر جرعات دعم للمستثمرين في أسواق الأسهم بشكل عام.

(إعداد: فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، تحرير: ياسمين صالح، مراجعة قبل النشر: أحمد علي)

#تحليلسريع

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا