اتفاق صندوق النقد الذي أٌقر هذا الأسبوع ربما يكون الحدث الأبرز هذا العام في ملف اقتصاد مصر، الذي يعاني منذ نحو 7 أشهر من تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية والتي أثرت بالسلب على الاستيراد وتوافر العملة الصعبة ولكن اتفاق الصندوق - رغم أهميته - ليس الرهان الأهم الذي تحتاج الدولة أن تكسبه، في الأيام القليلة القادمة.

احتواء التضخم في ظل اتباع سياسة سعر صرف مرن هو التحدي الأكبر والحقيقي أمام السلطات المصرية.

خلفية سريعة

منذ مارس الماضي، الشهر الذي طلبت فيه مصر دعم الصندوق بعد عدة أيام من بدء الحرب الروسية - الأوكرانية أواخر فبراير، خفضت مصر عملتها المحلية مرتين في إطار التوجه لسعر صرف مرن وهو أحد مطالب الصندوق. وكان آخرهم في أكتوبر وحينها ارتفع الدولار من 19.7 جنيه لمستوى 24.72 جنيه ولكن لا يزال شح العملة الصعبة يدفع الدولار لزيادات تتراوح بين 33 ل40 جنيه للدولار في السوق السوداء.

وفرضت مصر قيود على الاستيراد منذ فبراير الماضي، في ظل شح العملة، حيث سمحت باستيراد معظم السلع من خلال الاعتمادات المستندية بدل رسوم التحصيل التي كان يرى المستوردون أنها أبسط بكثير. وفي تصريحات هذا الأسبوع نقلتها وسائل إعلام محلية، قال مصطفى مدبولي رئيس الوزراء إن الحكومة تعمل على إنهاء أزمة الاعتمادات المستندية خلال شهرين.

وقفز معدل التضخم السنوي في المدن المصرية في نوفمبر الماضي إلى 18.7% من 16.2% في أكتوبر، في حين توقع بنك "بي إن بي باريبا"  في مذكرة بحثية هذا الشهر أن يدفع ارتفاع متوقع لسعر الدولار أمام الجنيه، إلى 33 جنيه بنهاية العام الحالي ولنحو 37 جنيه بنهاية الربع الأول من العام المقبل، متوسط معدل التضخم إلى 22% في 2023.

للمزيد: "بي إن بي باريبا" يتوقع وصول الدولار لـ 37 جنيه مصري في 2023

وكان التضخم الأساسي - الذي يصدر عن البنك المركزي ويستبعد أسعار السلع المتقلبة مثل المأكولات والمشروبات - قد سجل 21.5% في نوفمبر ويستهدف البنك المركزي المصري معدل تضخم بنسبة 7% (بزيادة أو نقصان 2%) بنهاية الربع الرابع من 2022.

الجنيه

يتوقع علي متولي، محلل اقتصادي لاقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في انفوسبيكترم للاستشارات ومقرها لندن، أن يلجأ المركزي لسعر صرف مرن من خلال آليات مثل زيادة سعر الصرف تدريجيا أو العمل على تفعيل مؤشر العملات لقياس سعر الجنيه بدلا من تسعيره مقابل الدولار فقط والذي تحدث عنه محافظ المركزي حسن عبدالله من قبل بدون تفاصيل.

للمزيد: مؤشر للجنيه؟ – أبرز تصريحات محافظ البنك المركزي المصري

وقال محلل اقتصادي مصري، تحدث لزاوية عربي، مفضلا عدم الإفصاح عن اسمه، إنه نادرا ما يقبل الصندوق تمويل دولة ما ولديها سعر صرف بالسوق السوداء، واصفا صفقة الصندوق ب ال"جهنمية".

"اعتقادي أنه تم التوصل لاتفاق أن احنا نزود التحرير نخليه تحرير كامل مع تطور التدفقات النقدية،" حسب المحلل.

وحدد الصندوق لمصر في بيان الجمعة، عدة محاور لابد من معالجتها بعد أن أقر تمويل لها بقيمة 3 مليار دولار تدفع على 46 شهر بدفعة أولى تدفع فورا بنحو 347 مليون دولار وهي أقل من 750 مليون دولار التي توقعها وزير المالية المصري محمد معيط.

وتضمنت المحاور: التحول إلى نظام سعر صرف مرن وإعادة بناء الاحتياطيات النقدية من العملة الصعبة وتنفيذ سياسة نقدية تهدف إلى تخفيض معدلات التضخم تدريجيا.

وارتفع صافي الاحتياطيات الدولية لدى المركزي المصري، في نوفمبر إلى 33.53 مليار دولار، مقابل 33.41 مليار دولار في أكتوبر السابق، لكنه تراجع على أساس سنوي مقابل 40.909 مليار دولار في نوفمبر 2021.

وبحسب بيان صندوق النقد، سيشجع القرض إتاحة تمويلات إضافية لمصر بقيمة حوالي 14 مليار دولار - وهو رقم أكبر من ال5 مليار التي تم الافصاح عنها وقت الإعلان عن الاتفاق بشكل مبدئي على مستوى الخبراء في أكتوبر - من شركاء لمصر منهم دول الخليج، ويتضمن عمليات بيع لأصول الدولة.

وأعلنت السعودية في نوفمبر تجديد وديعة لدى مصر بقيمة 5 مليار دولار، فيما أبرمت مصر صفقات مع صناديق سيادية إماراتية وسعودية مقابل حصص حكومية في شركات ضمن برنامج إعادة هيكلة أصول الدولة وأقر البرلمان المصري الاثنين مشروع قانون يسهل بيع وتأجير أصول مملوكة لقناة السويس.

للمزيد: مجلس النواب المصري يوافق مبدئيا على تعديلات تسهل بيع وتأجير أصول مملوكة لقناة السويس

 الفائدة

الجميع الآن ينتظر اجتماع للبنك المركزي المصري الخميس بشأن أسعار الفائدة.

ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 3 مرات هذا العام، بواقع 1% في مارس و2% في كل من مايو وأكتوبر، تزامنا مع رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة 7 مرات هذا العام.

للمزيد: متماشيا مع التوقعات...الفيدرالي الأمريكي يرفع الفائدة 50 نقطة أساس

وتوقع المحللان اللذان تحدثا لزاوية عربي، أن يتجه المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل، مع اعتماد سعر صرف مرن.

وتوقع متولي أن يرفع المركزي سعر الفائدة ما بين 1-2%، لمحاولة سحب السيولة من السوق، مع خفض لسعر الجنيه لكن بدون تعويمه بشكل كامل.

لكن محللنا الثاني - الذي رفض ذكر اسمه - توقع أن تكون زيادة الفائدة بنسبة أكبر من ذلك، ربما تتراوح بين 3 إلى 4% أو على الأقل بنسبة 2% مع طرح شهادة إدخار لمدة عام بعائد قد يصل إلى 25%.

واتفق المحلل الثاني مع الأول بشأن استبعاد أن يخفض المركزي سعر العملة مرة واحدة بشكل كبير، وتوقع أن يتحرك سعر الدولار في البنوك بوتيرة أسرع خلال التعاملات اليومية ولكن بدون أن يهبط بشكل كبير.

لا مخاطر سياسية

وعلى الرغم من هذه الضغوط الاقتصادية، يستبعد طارق فهمي المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تؤدي لأزمة سياسية، كالتي في الأردن أو لبنان.

ويعاني اقتصاد لبنان من أزمة اقتصادية متفاقمة منذ 2019 هوت بسعر عملته بأكثر من 95% وسط مشهد سياسي معقد مع فراغ منصب الرئيس حيث فشل مجلس النواب هذا الشهر في اختياره للمرة الثامنة، أما الأردن فشهد هذا الأسبوع احتجاجات في عدة مدن اعتراضا على رفع أسعار المحروقات.

للمزيد: من جديد، البرلمان اللبناني لا يتوصل إلى انتخاب رئيس للبلاد

قتلى ومصابون من الأمن الأردني أثناء مداهمة لضبط مشتبه بهم في مقتل عميد

وقال فهمي، لزاوية عربي، إن لبنان يعاني من أزمة اقتصادية منذ فترة ولها أسباب سياسية، أما الأردن فيشهد هذه الاحتجاجات منذ 2018 بسبب أسعار المحروقات، وتنتهي عادة بإقالة الحكومة أو خطاب للملك.

وأضاف "حالة الاردن مختلفة عن لبنان، ومصر بعيدة تماما عن كليهما، حتى إذا حدث احتقان لدى المواطنين بسبب الأوضاع التي أصبحت صعبة اقتصاديا لكن تدخل الحكومة بآليات واضحة ورادعة لضبط الأسعار سيخفف من هذا الاحتقان".

 

(إعداد: شيماء حفظي، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا