عادة ما تتخذ البنوك المركزية القرارات الخاصة برفع أو خفض معدل الفائدة الأساسي بناء على مزيج من البيانات التاريخية (backward looking data) والتوقعات المستقبلية أو الـ (forward looking projections). 

وفي حالة مصر، فكل من البيانات التاريخية والتوقعات المستقبلية تدعم رفع أسعار الفائدة الأساسية بما لا يقل عن 2%.

وتعاني مصر - المعتمدة بشكل كبير على الاستيراد - من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر الدولار وخفض الجنيه، ما قفز بمعدلات التضخم لمستويات قياسية، خاصة مع تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني.

وتجتمع لجنة السياسة النقدية بالمركزي المصري الخميس المقبل، لتحديد سعر الفائدة، بعد أن أبقت عليها بدون تغيير لمرتين متتاليتين آخرها في يونيو، لتظل الفائدة على الإيداع 18.25% والإقراض 19.25%.

وتشير التوقعات لرفع الفائدة، كما هو مفصل أدناه: 

أولا، فبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي، أظهرت ارتفاع معدل التضخم الأساسي السنوي إلى أعلى مستوى له تاريخيا في شهر يونيو الماضي (41%) كما أظهرت أن التسارع كان مدعوما بارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات، وهو ما يشير إلى أن الارتفاع ناتج عن قوى الطلب أكثر من صدمات العرض والتي عادة ما تتركز في عدد محدود من السلع والخدمات. 

ثانيا، بالرغم من تباطؤ معدل النمو السنوي في نقود الاحتياطي المصدرة من قبل البنك المركزي والتي تعرف بالـ M0 مقارنة بمعدلاتها في أواخر 2022، إلا أن معدل النمو السنوي حتى شهر يونيو الماضي ما زال عند مستوى الـ 28.2% وهو معدل مرتفع إلى حد كبير. ولا شك أن ميزانية المركزي تُظهر وبوضوح استمراره في سحب فوائض السيولة عن طريق عطاءات الودائع إلى أن بلغ رصيد السيولة المودعة 942 مليار جنيه في آخر يونيو مقارنة بـ 611 مليار جنيه في آخر ديسمبر 2022. 

ثالثا، وهو عامل مرتبط بالعامل الثاني، فإن بيانات البنك المركزي في آخر مايو 2023 تظهر تسارع حاد في معدل نمو البنكنوت المتداول خارج القطاع المصرفي وصل إلى 25% مقارنة بالعام الماضي وهو معدل نمو يماثل معدلات نمو استثنائية لم تسجل إلا خلال أربع أزمات سياسية واقتصادية تاريخية في أبريل 2011 (+27%) وسبتمبر 2013 (+30%) وفبراير 2017 (+26%) ويوليو 2020 (+30%).

ويعود هذا النمو الملحوظ في مايو 2023، إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وبالتالي الحاجة إلى قيمة أكبر من البنكنوت للتعامل اليومي. وكذلك عدم كفاية أسعار الفائدة الحالية لتحقيق معدل عائد حقيقي وبالتالي إحجام بعض المودعين عن إبقاء البنكنوت في البنوك. 

رابعا، نضيف إلى هذه الضغوط الواردة أعلاه ضغوط خارجية متمثلة في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميا مرة أخرى نتيجة للعمليات العسكرية في ميناء أوديسا في أوكرانيا بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفائدة قصيرة الأجل وطويلة الأجل في الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 25 أساس بعد اجتماع الفيدرالي وبعد إعلان بيانات الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي. 

وبشأن التوقعات المستقبلية، تدعم البيانات التاريخية الواردة أعلاه في تبرير رفع أسعار الفائدة الأساسية بـ 200 نقطة أساس إلى ما يفوق الـ 20%. 

ومن أبرز هذه التوقعات هو ترقب ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود المحددة إداريا، بالإضافة إلى احتمالية انخفاض سعر الصرف إذا ما أبدت الحكومة المصرية رغبتها في إتمام المراجعة الأولى من برنامج صندوق النقد الدولي قبيل أسابيع قليلة من موعد المراجعة الثانية والمقررة في شهر سبتمبر المقبل. 

وتحدد مصر أسعار الوقود وفقا لآلية تسعير تلقائي، تأخذ في الاعتبار أسعار النفط عالميا وسعر الدولار في السوق المحلي، وتحدد الأسعار بشكل ربع سنوي.

ولا تزال مصر التي تواجه أيضا صعوبات في توفير تدفقات دولارية تترقب المراجعة الأولى لبرنامج الصندوق - الذي وقعته في ديسمبر لقرض بقيمة 3 مليارات دولار تتيح لها تأمين تدفقات دولارية من شركاء - التي كان مقرر لها منتصف مارس ولم تتم حتى الآن.

ورغم التوقعات برفع الفائدة، لكن حساسية الوضع الاقتصادي الحالي قد تدفع المركزي إلى إرجاء قرار التشديد إلى اجتماع 21 سبتمبر.

الأهم من القرار هو الرسالة الضمنية للقرار 

قرار 3 أغسطس يأتي في وقت شديد الحساسية سياسيا واجتماعيا نظرا للمصاعب الذي يواجهها القطاع الخاص من تكرار انقطاع الكهرباء ونقص توافر العملة الصعبة. 

ولذا، فإن قرار التشديد الحاد - إذا ما تم اتخاذه بالتوازي مع تعديل أسعار الكهرباء و الوقود - سيشير إلى قرب انتهاء المراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد، وربما دمجها مع المراجعة الثانية وصرف ما يعادل 700 مليون دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي.

 أما إذا ما تم إبقاء سعر الفائدة على ما هو عليه، فاحتمالية الاستمرار في برنامج الصندوق خلال هذا العام ستصبح ضعيفة للغاية وقد يتم إعادة المفاوضات العام المقبل.

 

(إعداد: هاني جنينة، محلل اقتصادي و محاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

( للتواصل: zawya.arabic@lseg.com) 

#تحليلسريع

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا