قام صندوق النقد الدولي الثلاثاء بإصدار تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، وذلك في إطار اجتماعات الربيع التي تقام في هذا التوقيت من كل عام، وهي اجتماعات افتراضية هذا العام بطبيعة الحال.  

وكما هو واضح من عنوان التقرير، والذي حمل عنوان "إدارة التعافي بمساراته المتباعدة"، يرى الصندوق مسارات متفاوتة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي بعد جائحة كورونا وما خلفته من تركة وصفها الصندوق بندوب تندمل ببطء. وكانت رؤية صندوق النقد بشكل عام أن الأسواق الناشئة والدول النامية قد تدفع تكلفة باهظة أكثر من تلك التي تكبدتها الدول المتقدمة، مع اتساع الفجوات بين مجموعتي الدول وبالذات في مستوى المعيشة. 

فكيف يرى صندوق النقد موقف الدول النامية في عالم ما بعد الجائحة..؟ 

تسببت الجائحة في خسارة نسبية في مستوى الدخل الفردي في الدول النامية أعلى منها في الدول المتقدمة، حيث انخفض متوسط دخل الفرد في الدول النامية (باستثناء الصين) بحوالي 20% عن مستويات ما قبل الجائحة، بينما من المتوقع أن ينخفض دخل الفرد بحوالي 11% فقط في الدول المتقدمة. 

الأمر هنا ليس أرقاماً فقط. فتلك الخسارة في الدخل الفردي في الدول النامية تحديداً تعني خسارة كبيرة فيما حققته جهود محاصرة الفقر في تلك الدول. 

تعتبر كثير من التكلفة التي تحملتها الدول النامية هي اجتماعية وتنموية بالأساس، أكثر منها مجرد خسائر اقتصادية.

فعلى سبيل المثال، مع ارتفاع البطالة الذي صاحب الجائحة، كانت النساء هي الأكثر عرضة بطبيعة الحال لخسارة عملهن، في دول تعاني بالأصل من ارتفاع الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بتكافؤ الفرص في سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، تكبد رأس المال البشري كذلك خسارات كبيرة بالذات في الدول النامية ذات الدخل المنخفض، حيث كان التأقلم مع فكرة غلق المدارس أو التعلم عن بعد أمر بالغ الصعوبة. تلك الصعوبات التي يواجهها تطوير رأس المال البشري في تلك الدول من شأنها زيادة التفاوت في توزيع الدخل، ومعدلات الفقر. 

محدودية الحيز المالي في معظم الدول النامية أيضا وضعت سقف لقدرة الحكومات على تدارك التبعات الاجتماعية لكورونا بالإنفاق الاجتماعي، حيث يظل جزء كبير من مواردها المالية مستنزف في سداد فوائد الديون، خاصة مع توسع تلك الدول في الاستدانة في وقت الجائحة لتحجيم آثارها. 

اعتماد كثير من الدول النامية على قطاع السياحة كمساهم في ناتجها المحلي، يهدد فكرة التعافي السريع لمستويات ما قبل الجائحة، حيث ليس من المتوقع عودة نشاطات السفر والسياحة لطبيعتها في القريب العاجل. 

 كذلك أحد التحديات الصعبة التي على الأغلب ستواجه الدول النامية، هي تشديد متوقع في السياسة النقدية العالمية، بالذات مع وجود مؤشرات على تحسن الاقتصاد الأمريكي مؤخراً ومع أي تحسن يطرأ على الاقتصاد العالمي مع انتشار اللقاح وعودة النشاط الاقتصادي، الأمر الذي قد يصحبه عودة مستويات أسعار الفائدة عالمياً لطبيعتها، و الذي يشكل ضغط على الدول النامية بالذات تلك التي تجعلها الديون المرتفعة في موضع أكثر هشاشة. 

حتى الآن، يرى صندوق النقد أن المعلومات المتوافرة حول اللقاح وشرائه، توضح تفاوت بين فرص رجوع الحياة لطبيعتها بين مجموعتي الدول: المتقدمة والنامية. فكميات شراء اللقاح وسرعة توزيعه في الدول النامية تعني أنه لا زال هناك الكثير قبل أن يكون الجميع في مأمن من العدوى، وربما يكون هناك احتياج لإجراءات الإغلاق مجدداً على مدار 2021 وربما 2022، مما يطيل من أمد معاناة تلك الدول.

(إعداد: إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بزاوية عربي، وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام