تأمل الحكومة التونسية الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، قبل نهاية العام، لإنقاذ ماليتها العامة  والإيفاء بتعهداتها وسط توقعات محلية ودولية تقلل من فرص الحصول على تمويل من الصندوق إلا بعد تقديم الحكومة مزيد من الالتزامات بتنفيذ إصلاحات أخرى هيكلية. 

وتعاني تونس من أزمة سياسية داخلية بين معارضة يسيطر عليها الإسلاميون ورئيس البلاد قيس سعيد منذ أكثر من عام، زادت من سوء الوضع الاقتصادي للبلاد التي تعاني من أزمة ارتفاع في أسعار السلع والطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. 

وأقرت تونس دستور جديد بعد استفتاء تم في 25 يوليو، بنتيجة 94.6% لصالح "نعم" و5.4% ل"لا"، وبالرغم من انتقادات داخلية وخارجية من أن التعديلات الدستورية تزيد من صلاحيات الرئيس وتمت الموافقة عليها في استفتاء وصفت نسبة المشاركة فيه بالضئيلة حيث لم تتخطى 28%. ولكن في كل الأحوال يعتبر الدستور الجديد حدث مهم في خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد، بعدما قرر حل البرلمان والحكومة وانفرد بالسلطة العام الماضي. 

للمزيد: الاقتصاد التونسي في أرقام

اتفاق مهم..  لكن هل يكفي؟

الأسبوع الماضي، وقعت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل اتفاق مهم لزيادة الأجور في القطاع العام سعيا منها للوصول لتفاهمات مع اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ كبير في البلاد. لكن الاتفاق لم يصاحبه إعلان عن حزمة إصلاحات اقتصادية أخرى.

ورجح الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية نصر الدين النصيبي، الإثنين الماضي للوكالة الرسمية التونسية، حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية هذه السنة. ويشترط صندوق النقد الدولي توصل الحكومة واتحاد الشغل إلى اتفاق حول الإصلاحات الاقتصادية منها منظومة الدعم وإصلاح وإعادة هيكلة المؤسسات العامة قبل الموافقة على إقراض تونس.

واعتبر النصيبي أن الاتفاق الذي تم إمضائه مع اتحاد الشغل بشأن المفاوضات الاجتماعية يعد تقنيا، آخر شرط من شروط ملف التفاوض المقدم لصندوق النقد الدولي. ووصف النصيبي الاتفاق إنه "آخر معيار من المعايير المحددة للملف الذي ستقدمه الحكومة التونسية بعنوان برنامج الإصلاحات الكبرى للحصول على تمويلات. بذلك يصبح الملف التونسي مقبولا من الناحية التقنية ".

هدنة اجتماعية"

واعتبر الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية معز حديدان لـ "زاوية عربي" أن هذا الاتفاق "سيخلق هدنة اجتماعية بين الحكومة واتحاد الشغل وسيكون بداية المشوار الحقيقي للنقاشات مع صندوق النقد الدولي".

واتحاد الشغل، المنظمة النقابية ذات النفوذ الواسع، هو لاعب رئيسي في المشهد السياسي التونسي ويضم أكثر من مليون عضو.

وتابع "تطبيق البرنامج الإصلاحي يمثل الخطوة الأصعب في اتفاق الحكومة مع النقابة العمالية واختبار حقيقي حول مدى قدرة الاتحاد بالبقاء ملتزما بهذه الهدنة خاصة في ملفي إصلاح الدعم والمؤسسات العمومية". 

وتعاني أغلب مؤسسات الدولة من مشاكل تتعلق بالديون وصعوبات مالية أخرى مما أدى إلى تدهور وضعها خاصة شركة الكهرباء والغاز وصناديق التأمين الاجتماعي. وتوقع محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، في تصريحات لوكالة "رويترز" الأحد، التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض في الأسابيع المقبلة. 

وأضاف أن حجم القرض المحتمل من الصندوق سيكون بين 2 و4 مليارات دولار على مدى 3 سنوات. 

ووصفت وكالة التصنيف "موديز"، الإثنين، الاتفاق مع النقابة العمالية بـ "المرحلة المفتاح" لأجل إرساء برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.

لكن وكالة التصنيف الأمريكية رجحت أن الصندوق سيسعى إلى الحصول من الحكومة التونسية على مزيد من الالتزامات بتنفيذ إصلاحات أخرى مشيرة إلى أن " العقبات لا زالت قائمة". 

وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الجمعة الماضية، أن اتفاق الأجور في تونس يزيد من فرصة التوصل إلى اتفاق على برنامج إصلاح مع الصندوق يعقبه تمويل. 

وقال الوزير الأسبق المكلف بالإصلاحات الكبرى وأستاذ الاقتصاد توفيق الراجحي لـ"زاوية عربي" أن" اتفاق الزيادة في الأجور والزيادة في أسعار الوقود والكهرباء خطوة تحفيزية لصندوق النقد للنظر بجدية في إبرام اتفاق مع الحكومة التونسية ولو أنه مشروط بإصلاحات أخرى". 

والراجحي كان يقود فريق التفاوض الرسمي مع صندوق النقد الدولي في حكومة سابقة. وكان يشرف على الوزارة المكلفة بتنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها آنذاك. 

ورفعت الحكومة التونسية هذا الشهر أسعار الوقود بنسبة 3%، وهي الزيادة الرابعة منذ بداية 2022، وذلك في إطار خطة لخفض دعم الطاقة والتحكم في عجز الميزانية. 

قدرت ديون الشركات العامة بنحو 15 مليار دينار (4.6 مليار دولار) بنهاية  العام الماضي، بحسب خبراء. وتمتلك تونس قرابة 111 شركة عامة.

وبلغ الدين العام التونسي 105.7 مليار دينار بنهاية مارس الماضي بزيادة 8.6% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021 . ويمثل ذلك 82% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، حسب الوكالة الرسمية للأنباء، نقلا عن وزارة المالية التونسية.

إجراءات أخرى؟

حسب تقرير أصدرته وزارة المالية التونسية في فبراير 2022  تحت عنوان "المؤسسات العمومية" بلغت ديون شركة الكهرباء والغاز الحكومية 12.9 مليار دينار موزعة ما بين ديون لدى البنوك بـ8.7 مليار دينار و مليار دينار للمنشآت العمومية و3 مليار دينار للشركات الأجنبية و145 مليون دينار للدولة.

لكن تقرير أعده بنك " باركليز"، الأسبوع الماضي رجح أن تتلقى تونس تمويلات خليجية ما يقلل الاعتماد على تمويل صندوق النقد. 

وطالب الراجحي - الذي كان يقود فريق التفاوض الرسمي مع صندوق النقد الدولي في حكومة سابقة - الحكومة بعدم انتظار صندوق النقد الدولي ليطلب تحقيق جملة من الإصلاحات داعيا الحكومة التونسية إلى المضي الطوعي في تنفيذها لاستعادة عافية المالية العمومية والنمو.

"الصندوق ينتظر أيضا من الحكومة التونسية إجراءات أخرى لامتصاص ديون المؤسسات العمومية مثل شركة الكهرباء وشركة تكرير النفط وديوان الحبوب والتجارة التي هي وراء أزمة التموين ونقص المواد الأساسية والمحروقات".

 

(إعداد: جيهان لغماري، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا