في المرة السابقة، استعرضنا السؤال الأول "لماذا تقترض الدول؟" من أصل ثلاثة أسئلة تشغل بال حكومات الدول التي تحقق ميزانياتها عجز نتيجة تفاقم النفقات وانخفاض الإيرادات السيادية.  

لقراءة الجزء الأول: لماذا تقترض الدول؟ 

نستعرض اليوم السؤالين الثاني وهو: ما هي أفضل طريقة للاقتراض؟ والثالث وهو: متى يكون الوقت المناسب لذلك؟ 

ونستكمل نفس المثال الذي بدأناه في المرة السابقة من خلال دولة الكويت حيث نجد أن المشكلة ليست هي عدم وجود حلول لسد عجز الموازنة ولكن تكمن المشكلة في شقين.

الشِق الأول هو عدم وجود قانون دين عام يُمكن الكويت من الاقتراض حيث أن الكويت لم تتجه للسوق منذ طرحها لسندات دولية في عام 2017. 

أما الشِق الثاني فهو معارضة البرلمان الكويتي للاقتراض لتغطية عجز ميزانية البلاد، حيث يرى المُشرعون أن على الحكومة إدارة الشؤون المالية بشكل أفضل قبل اللجوء إلى الاقتراض.  

التمويل الذاتي  

إن الدول، كالشركات، لا بد من أن تكون إدارتها لشؤونها المالية مبنية على مبدأ تحليل التكلفة والعائد. 

ولكن أحياناً يأتي العائد لاحقاً بعد إنفاق التكلفة الاستثمارية بعدة سنوات مما يستوجب وجود تمويل خلال تلك الفترة. 

أيضاً، أي قرار استثماري لا بد وأن يقابله مصدر للتمويل. وقد يكون هذا المصدر من الموارد المالية المتاحة للدولة إذا كان لديها فائض. 

وبالفعل، دولة الكويت لديها احتياطي أجنبي يبلغ حوالي 48 مليار دولار أمريكي بخلاف الأصول الخارجية لدى الهيئة العامة للاستثمار. 

ولكن الضغوط على مصادر التمويل الذاتية نتيجة انخفاض أسعار النفط ساهم في تحقيق الكويت لعجز في الموازنة بلغ 3.9 مليار دينار كويتي (أو 12.8 مليار دولار) في العام المالي 2019/2020 المنتهي في مارس 2020.

في حين تتوقع الحكومة أن يصل عجز العام المالي 2021/ 2022 إلى 12.1 مليار دينار (أو 40 مليار دولار) وقد ينخفض إلى 8 مليار دينار (أو 27 مليار دولار) إذا استمر ارتفاع أسعار النفط فوق 60 دولار للبرميل. 

كل ذلك أدى إلى إيقاف التحويل السنوي البالغ 10% كحد أدنى من جميع إيرادات الدولة السنوية إلى "صندوق الأجيال القادمة" (الذي يُقدر حجمه بحوالي 600 مليار دولار) وعدم السماح بالمساس بهذا الصندوق بدون تشريع، مما دفع الكويت إلى اللجوء إلى "صندوق الاحتياطي العام" — وإن كان حجمه أصغر — في تمويل العجز المالي مما لا يجعل ذلك الحل الأمثل للكويت.  

الاقتراض محلياً أو عالمياً  

وقد يكون مصدر التمويل من خلال منح مالية تأتي من مؤسسات عالمية أو من دول أخرى. 

ولكن لن تستطيع أي دولة الاعتماد على المنح طوال الوقت مما يستدعي بالتالي اللجوء إلى الاقتراض محلياً كأحد مصادر التمويل اللازم لنفقاتها السنوية ولتنفيذ خطتها الاستثمارية. 

وهناك طرق عدة للاقتراض، أولها الاقتراض من البنك المركزي فيما يسمى بالتيسير الكمي وما يشمله من طبع عملة محلية لسد عجز الموازنة وما يتبعه من ارتفاع في معدلات التضخم وهو ما يجعلها أيضاً طريقة غير محبذة. 

وقد يكون الاقتراض بإصدار أدوات دين بالعملة المحلية وتكون تكلفتها هي أسعار الفائدة السائدة في البلاد على عملتها المحلية. 

والجدير بالذكر أن حجم الدين العام يبلغ حوالي 3.5 مليار دينار موزعاً بين 2.5 مليار دينار سندات دولية تم إصدارها في عام 2017 وتستحق شريحة منها في مارس 2022 وشريحة أخرى في مارس 2027 بالإضافة إلى مليار دينار عبارة عن سندات حكومية تستحق خلال الأعوام 2021-2027. 

وفي حين بلغ إجمالي إصدارات السندات والصكوك الجديدة بالكويت 4.6 مليار دولار خلال عام 2020، كانت كلها صادرة عن مؤسسات حيث لم تقم حكومة الكويت بإصدار أدوات دين سيادية خلال العام. وقد يكون الاقتراض عن طريق إصدار أدوات دين سيادية بالعملة الأجنبية في الأسواق المالية العالمية وهو ما يبدو الحل الأوقع بالنسبة للكويت في الوقت الحالي حتى تستقر أسعار النفط في المدى القريب. ويبقى اختيار الأداة المناسبة التي يكون عليها إقبال من المستثمرين كالصكوك السيادية.  

الإطار التشريعي للاقتراض 

ولكن يبقى قانون الدين العام بالكويت هو العقبة التشريعية حالياً أمام رفع سقف الاقتراض الحكومي لـ 20 مليار دينار ولآجال تصل إلى 30 عام، ولكن يتخوف البعض من سوء استخدامه لسد عجز الموازنة على المدى القصير بدون وجود خطة واضحة المعالم تتبنى التنوع الاقتصادي والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مع تفعيل الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص. فالأهم من إقرار قانون الدين العام هو رفع كفاءة التمويل لسد العجز المالي وتحقيق معدلات النمو المستدامة المرجوة.   

توقيت الاقتراض 

ولكن توقيت الاقتراض يكاد يكون بنفس أهمية قرار الاقتراض نفسه أو الطريقة التي سيتم بها.

وهناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد الوقت المناسب للاقتراض، ومنها أن تكون الظروف مواتية في الأسواق المالية العالمية وأن يكون هناك استقرار أو ارتفاع في أسعار النفط (في حالة الكويت) وأن يكون هناك إقبال من المستثمرين على أدوات الدين السيادية وخصوصاً في ضوء توقعات باستمرار انخفاض العائد عالمياً في أعقاب كورونا. وأخيراً، وليس آخراً، التصنيف الائتماني للجهة المُصدرة والتغيرات المتوقعة لهذا التصنيف.

في حالة الكويت، تم خفض الرؤية المستقبلية من مستقرة إلى سلبية من قبل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني مما يشير إلى احتمالات تخفيض تصنيف الكويت الحالي من AA إذا لم يتم حل الأزمة المالية التي تواجهها الدولة حالياً. بالتالي، قد يدفع الاقتراض في بعض الحالات إلى تحسُن التصنيف الائتماني للجهة المُصدرة. 

فأحياناً، يكون حل الأزمة في اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ الحل أو كما يقال: من رحم المعاناة يولد الأمل. 

 

(إعداد: عمرو حسين الألفي، المحلل المالي بزاوية عربي ورئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA")  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام