حققت المعارضة التركية فوز مباغت في الانتخابات المحلية التي نظمها البلد في 31 مارس الماضي، وهو ما شكل انتكاسة كبيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية".

وأجريت الانتخابات لاختيار رؤساء البلديات المحلية في 81 ولاية بتركيا، فيما مثل اختبار لشعبية الأحزاب ومنافسة بين الحزب الحاكم ومنافسه المعارض الرئيسي "حزب الشعب الجمهوري" على المدن الرئيسية وأولها إسطنبول والعاصمة أنقرة.

ووفق نتائج نشرتها وكالة الأناضول الرسمية التركية -وهي الجهة الوحيدة المخولة بنشر نتائج الانتخابات- بعد فرز 99.8% من الأصوات، تصدر حزب الشعب الجمهوري المعارض بحصوله على أكثر من 37.7% من الأصوات في عموم تركيا، وجاء بعده الحزب الحاكم بحوالي 35.5%.

وبهذه النتيجة تصدر حزب الشعب الجمهوري الانتخابات المحلية للمرة الأولى منذ عام 1977.

وجاء في المركز الثالث حزب الرفاه الإسلامي - ذو الشعبية المتصاعدة - بنسبة 6.19%، والذي سبق أن انتقد إردوغان لحفاظه -رغم خطابه الحاد- على العلاقات التجارية مع إسرائيل في ظل الحرب التي تشنها على غزة منذ أكتوبر الماضي.

 

ماذا يعني فوز المعارضة؟

مثل تفوق المعارضة التركية في الانتخابات المحلية تأكيد على أنها لا تزال تحظى بحضور قوي، في ظل مخاوف من إحكام إردوغان قبضته على الحكم بعد فوزه بفترة رئاسية جديدة في انتخابات أجريت العام الماضي، وفق تقارير إعلامية.

ومما زاد من مفاجأة تقدم المعارضة في الانتخابات البلدية، هو انتصارها في أهم مدينتين في تركيا إسطنبول وهي المركز الاقتصادي الرئيسي بالبلد، والعاصمة أنقرة. وفازت المعارضة في المدينتين بالانتخابات المحلية عام 2019، بعد 25 عام من إدارة حزب العدالة والتنمية والأحزاب الإسلامية التي سبقته لهما.

وتحظى إسطنبول بأهمية خاصة لدى الرئيس التركي كونها مسقط رأسه، ونقطة انطلاقه في العمل السياسي. 

وخسر الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" في الانتخابات المحلية الأخيرة عدد من المدن لصالح المعارضة، التي زادت المدن الخاضعة لإدارتها وواصلت تمركزها في معظم المدن الكبرى.

وهذه هي أسوأ هزيمة لحزب العدالة والتنمية والرئيس إردوغان منذ أن صعد إلى السلطة قبل أكثر من 20 عام، وتأتي وسط أزمات اقتصادية يعيشها البلد ذو الاقتصاد الناشئ الكبير، وتشير إلى تراجع شعبية الرئيس وحزبه وتغير في المشهد السياسي في البلاد.

وتعاني تركيا من معدلات تضخم مرتفعة تقترب من 70%، وهو ما دفع البنك المركزي التركي إلى انتهاج سياسة تشديد نقدي - بعد التزامه بالتيسير لسنوات- ليرفع سعر الفائدة بمقدار 4150 نقطة أساس إلى 50% بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي.

يأتي هذا في ظل تراجع كبير لقيمة الليرة التركية أمام الدولار وهو ما تسبب في تآكل قيمة مدخرات المواطنين على مدار السنوات الماضية.

وتراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية إلى 78% من 87% في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام الماضي، فيما يُنظر إليه على أنه سخط من المواطنين على الأوضاع الاقتصادية.

وفاز رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو - وهو مرشح حزب الشعب الجمهوري- برئاسة بلدية إسطنبول، وهي أكبر مدن تركيا، على منافسه من حزب الحرية والعدالة. 

وكان ذلك -وفق صحيفة نيويورك تايمز- الفوز الثالث لإمام أوغلو في انتخابات على منافسين مدعومين من إردوغان، مما يعزز التوقعات بشأنه كأحد أهم منافسي الرئيس التركي مستقبلا.

وفي العاصمة أنقرة، فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري برئاسة البلدية، كما حصد الحزب مقاعد أخرى لرؤساء البلديات في مدن كبرى على مستوى البلاد، بما في ذلك إزمير وبورصة وأضنة ومنتجع أنطاليا.

ويرى مراقبون أن تقدم المعارضة في الانتخابات سيُمكن رموزها من استخدام الميزانيات الكبيرة للمدن الكبرى لبناء شعبية لهم قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، المتوقعة في عام 2028.

فيما تُرجح تقارير أن هزيمة إردوغان وحزبه في الانتخابات المحلية ستثنيه عن تعديل كان متوقع للدستور حتى يتمكن من الترشح مرة أخرى للرئاسة.

كما رجح مراقبون أن إردوغان ذي التوجه المحافظ قد يرجئ بعد تفوق المعارضة في الانتخابات تغييرات دستورية متوقعة من شأنها التأكيد على القيم العائلية وحماية، على سبيل المثال، حقوق النساء الراغبات في ارتداء الملابس ذات الطراز الإسلامي.

 

لمحة سريعة على الحزب الفائز
(بحسب الموقع الإلكتروني للحزب وتقارير إعلامية)

حزب الشعب الجمهوري هو حزب علماني يساري، تأسس عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.

يتبنى الحزب مبادئ منها الجمهورية والعلمانية، على عكس الحزب الحاكم حاليا "العدالة والتنمية" ذي الأصول الإسلامية.

وظل الحزب يحكم تركيا على مدار 27 عام حتى سنة 1950 عندما خسر في انتخابات لصالح الحزب الديمقراطي، ليتحول بعدها إلى الحزب المعارض الرئيسي بالبلد.

ومنذ ذلك الحين لم يتمكن الحزب من العودة للسلطة مرة أخرى، على الرغم من كثرة الانتخابات والاستحقاقات الدستورية التي خاضها، لكنه يسعى مؤخرا إلى العودة للحكم من جديد وإزاحة حزب العدالة والتنمية.

وكان الحزب محل انتقادات واتهامات سابقة من إردوغان بالوقوف في صف الإرهاب، بعدما وصف رئيس الحزب حملة اعتقالات وتطهير نفذها الرئيس التركي عقب محاولة انقلاب في عام 2016 بأنها "انقلاب مدني".  

وفي عام 2017، نظم الحزب أحد أكبر وأهم النشاطات المناهضة لحكم إردوغان، بعدما قاد زعيم الحزب آنذاك كمال كليجدار أوغلو مسيرة حملت اسم "مسيرة العدالة" من العاصمة أنقرة إلى سجن مالتبة قرب مدينة إسطنبول في أعقاب صدور حكم بالسجن 25 سنة على نائب عن الحزب في البرلمان بتهمة التجسس.

وفي عام 2019، صدر حكم قضائي بحق رئيسة الحزب آنذاك جنان كفتانجي أوغلو بالسجن لمدة تسع سنوات وثمانية أشهر بعد إدانتها بإهانة الرئيس ونشر دعاية إرهابية.

وتوالى عديدون على رئاسة حزب الشعب الجمهوري بعد وفاة أتاتورك، كان آخرهم  أوزغور أوزيل، الذي اُنتخب رئيس للحزب نهاية العام الماضي لينهي هيمنة كليجدار أوغلو على رئاسة الحزب التي استمرت لمدة 13 عام.

جاء انتخاب أوزيل بعد خسارة كليجدار في الانتخابات الرئاسية أمام إردوغان العام الماضي.

ويرى مراقبون أن تغيير قيادة حزب الشعب الجمهوري العام الماضي أعاد تنشيط الحزب ومهد الطريق أمام رؤساء البلديات الحاليين من الحزب والمرشحين الآخرين لتحقيق انتصارات حاسمة في الانتخابات البلدية الأخيرة.

وكانت التوقعات بشأن الانتخابات البلدية تشير إلى نتائج متقاربة في إسطنبول وخسائر محتملة لحزب الشعب الجمهوري في أنحاء البلاد.

وتُمثل حصة حزب الشعب  الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة -التي تتجاوز الـ 37.7%- أكبر نسبة له في الانتخابات البلدية منذ عام 1977، ليصبح بذلك الحزب الأول في تركيا للمرة الأولى منذ 47 عام.

وتمكن الحزب من زيادة عدد المدن الخاضعة لإدارته من 21 إلى 35 مدينة في الانتخابات البلدية الأخيرة.

وإمام أوغلو مرشح الحزب -الذي فاز برئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات الأخيرة بفارق بنحو 11 نقطة مئوية- هو رجل أعمال سابق دخل مجال العمل السياسي في 2008.


(إعداد: مريم عبدالغني، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

  لقراءة الموضوع على منصات مجموعة بورصة لندن، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا

للتسجيل في موجز زاوية مصر اليومي، أضغط هنا