تتسم التوقعات حيال أسعار النفط بالضبابية نتيجة وجود عوامل من الممكن أن تؤدي إلى هبوطها وأخرى قد تبقيها مرتفعة مثلما حدث في الشهور الماضية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير الماضي.

هبطت أسعار النفط دون مستوى ال100 دولار للبرميل لأول مرة منذ إندلاع الحرب في مطلع شهر أغسطس مع تزايد مخاوف ركود عالمي وشيك، ما سيؤثر بالسلب على معدلات الطلب.

أيضا تعزز احتمالية الوصول إلى اتفاق نووي جديد في المستقبل القريب من فرص هبوط الأسعار، حيث سيتضمن الاتفاق رفع عقوبات موقعة على إيران، ما سيعني عودة النفط الإيراني إلى السوق وزيادة المعروض.

للمزيد: إيران ترد بملاحظاتها على مسودة الاتفاق النووي

لكن من جانب آخر، لوحت السعودية بإمكانية قيام تحالف أوبك بلس (منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاؤها) بخفض الإنتاج، وهو ما سيكون له أثر عكسي على أسعار النفط.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان قد قال لوكالة بلومبرج خلال شهر أغسطس الماضي إن أوبك بلس، المكونة من 23 دولة، قد تلجأ لخفض إنتاج النفط في أي وقت للتعامل مع التحديات.

والسعودية هي الدولة الأكثر تصديرا للنفط في العالم والأكثر إنتاجا في منظمة أوبك مما يجعلها أكثر الأعضاء تأثيرا داخل منظمة أوبك بلس بجانب روسيا، التي وقعت عليها عقوبات عدة أثر غزوها لأوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى تقليص صادراتها البترولية وبالتالي ايضا إلى زيادة أسعار النفط.

للمزيد: مجموعة السبع توافق على تحديد سقف لسعر النفط الروسي

"يبدو أن أوبك بلس تهيئ نفسها لأخذ خفض الإنتاج بعين الاعتبار. لو بقيت أسعار النفط على مستواها الحالي أو أقل، قد يصبحوا أكثر تحفزا لدعم الأسعار واللجوء إلى خفض طفيف في الإنتاج،" وفقا لإدوارد مويا، كبير محللي سوق النفط لدى شركة أواندا للسمسرة العالمية والتي لديها مقرات في عدة دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان.

"إذا كانت الأسعار أكثر من 90 دولار (للبرميل) بنسبة بسيطة، من الممكن تبرير خفض الإنتاج."

كانت منظمة أوبك بلس في آخر اجتماع لها في مطلع أغسطس قد وافقت على زيادة الإنتاج في سبتمبر بمقدار 100 ألف برميل يوميا، وسط مطالبات متكررة بزيادة الإنتاج من الولايات المتحدة، التي تعاني من معدلات تضخم قياسية مدفوعة بأسعار النفط والوقود المرتفعة. 

وستجتمع دول أوبك بلس يوم الإثنين القادم لأخذ قرار بشأن حجم الإنتاج في أكتوبر.

الإنتاج الأعلى منذ أكثر من عامين

حققت أوبك بلس أعلي معدلات إنتاج في شهر أغسطس الماضي منذ أبريل 2020 – الذي شهد بداية تقليص الإنتاج نتيجة الجائحة – مع تعافي الصادرات الليبية وارتفاع إنتاج دول الخليج، وفقا لمسح أجرته وكالة رويترز.

ووفقا للمسح، وصلت معدلات إنتاج المجموعة إلى 29.58 مليون برميل في اليوم خلال أغسطس، وهو أكثر من معدل شهر يوليو ب690,000 برميل في اليوم. 

وتضاربت توقعات المحللين حول نتيجة اجتماع أوبك بلس القادم، فمن بين 5 محللين تحدثوا لموقع زاوية عربي، توقع اثنان خفض في الإنتاج، واثنان آخران الإبقاء على المعدل الحالي، بينما توقع محلل واحد زيادة طفيفة في الإنتاج.

"ستقوم أوبك بلس بخفض الإنتاج في الاجتماع القادم مع وضع خطة إستراتيجية لعام 2023،" قال بيارن شيلدروب المحلل في مجموعة "سيب" المالية السويدية، ومقرها ستوكهولم. 

"السعودية يجب أن تخفض (الإنتاج) لأنها لا تستطيع الحفاظ على معدل الإنتاج الحالي ب11 مليون برميل في اليوم بشكل مريح،" بالإضافة إلى انخفاض معدلات الطلب المتوقع مع تدهور الاقتصاد العالمي، وفقا للمحلل.

وكان وزير الطاقة السعودي قد قال إن أوبك بلس ستبدأ قريبا في العمل على صياغة اتفاقية جديدة بشأن إنتاج النفط لما بعد عام 2022، بعد انتهاء الاتفاق الحالي الذي ينتهي مع انتهاء العام الجاري.

عدم التغيير أو زيادة طفيفة

من جانبه، يتوقع كريج إرلام المحلل لدى أوندا "أن تبقي المجموعة مستهدفات الإنتاج كما هي في الوقت الحالي،"​​ مضيفا أن "التحذير (بخفض الإنتاج) من السعودية كان محاولة للحد من الانخفاضات في أسعار النفط وضبط التوقعات."

ويرجح ستيفن برينوك من "بي.في.إم" للسمسرة في النفط، ومقرها لندن، أيضا إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى يكون هناك "وضوح أكثر حول الصفقة النووية الإيرانية المحتملة قبل اتخاذ أي قرارات كبيرة." 

وأضاف أن امكانية خفض الإنتاج لن تكون متوقعة "إلا إذا تم إحياء الصفقة النووية مع إيران،" التي انهارت عقب انسحاب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب منها في عام 2015. 

ويرى مات سميث، محلل نفط في شركة أبحاث السوق كبلر، والتي لديها مكاتب في مدن مختلفة حول العالم منها نيويورك ولندن وباريس ودبي وطوكيو وكاب تون، إن الاجتماع "سيؤدي في الغالب إلى زيادة طفيفة في الإنتاج مثل الشهر الماضي."

إلى أين ستتجه الأسعار؟

يعتقد سميث أن أسعار النفط ستواجه تقلبات قوية في الشهور القادمة مع حالة من عدم اليقين حول الكثير من العوامل. 

"بينما القلق حيال الركود.. واحتمالية وجود صفقة نووية مع إيران يؤدي إلى خفض الأسعار، المزيد من العقوبات على روسيا واستبدال الغاز بالنفط في أوروبا ورغبة أوبك في (تحقيق) أسعار أعلى من المفترض أن يعني أن التأثير السلبي محدود،" بحسب المحلل.

ومن المقرر أن يحظر الاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، معظم صادرات روسيا لأوروبا من النفط الخام بداية من 5 ديسمبر القادم، والمنتجات البترولية الروسية بداية من 5 فبراير 2023. وتعاني أوروبا من نقص في الغاز الطبيعي وارتفاع أسعارها نتيجة العقوبات الموقعة على روسيا، التي كانت تزود القارة بحوالي 40% من احتياجاتها من الغاز.

ويتوقع إرلام من أوندا أن تبقى أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل مع وجود عدم يقين فيما يتعلق بالعرض والطلب، مشيرا إلى أن صفقة نووية جديدة قد تكون الأكثر تأثيرا على خفض الأسعار.

من جانبه، يرى برينوك من "بي.في.إم" أن مخاوف الركود تدفع الأسعار نحو الانخفاض. وقال: "النمو (الاقتصادي) البطئ سيؤدي حتما إلى التقليل من الطلب على الوقود، وهو ما سيؤدي إلى خفض الأسعار".

 

(إعداد: شريف طارق، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا