* تم التحديث بتفاصيل

شنت إيران هجوم نادر لكنه ليس مباغت بصواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل مسببة أضرار محدودة للغاية، في خطوة كان ينتظرها العالم كرد لطهران على هجوم قُتل فيه ضباط إيرانيون بدمشق مطلع أبريل الجاري.

ورغم الترقب والتأهب الدولي للهجوم وتداعياته، بالنظر إلى أن إيران وإسرائيل عدوان لدودان في الشرق الأوسط وإلى التوترات التي قد يشعلها الهجوم في المنطقة، لم تشهد الساعات التي تلت انتهاء الهجوم سوى تبادل للتصريحات المحذرة بين البلدين، كعادتهما من قبل.

ففي حين حذرت إيران كل من إسرائيل والولايات المتحدة - التي شاركت في إسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية - من مغبة الرد على الهجوم، قالت إسرائيل إن "الحملة العسكرية لم تنته بعد". والولايات المتحدة هي حليف وثيق لإسرائيل والعدو الأول لإيران.

وألحق الهجوم أضرار طفيفة في قاعدة للجيش بجنوب إسرائيل دون التأثير على طبيعة عملها، كما أصيبت طفلة على نحو خطير في جنوب البلاد.

والهجوم كان أول هجوم مباشر على إسرائيل من دولة أخرى منذ أكثر من 30 عام.

 

"هجوم بخطوط حمراء"

هجوم إيران على إسرائيل هو "عملية عسكرية منضبطة وبخطوط حمراء محددة مسبقا، بل يمكن القول إنها عملية منسقة بين أطراف ثلاثة (إيران والولايات المتحدة وإسرائيل)،" وفق أحمد الباز الباحث في شؤون الخليج العربي والشرق الأوسط والمدير التنفيذي السابق لمركز رؤية للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز بحثي يركز على منطقة الشرق الأوسط.

وكشفت إيران الأحد بعد انقضاء الهجوم أنها أبلغت الولايات المتحدة أن هجماتها ضد إسرائيل ستكون "محدودة" وللدفاع عن النفس، بحسب ما قاله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

واعتبر المحلل الباز، في حديث لزاوية عربي، أن "إيران أعفت نفسها من الاتهام بالتقاعس عن الرد (على هجوم دمشق)، فشنت هجوم معروف النتائج مسبقا".

وتوعدت إيران بالرد على هجوم استهدف مطلع أبريل الجاري قنصليتها في العاصمة السورية دمشق وأدى إلى مقتل قائد عسكري كبير وستة آخرين من كبار الضباط. وفي حين لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم، تتهم طهران تل أبيب بالوقوف خلفه.
 
واستبعد المحلل أن تكرر إيران هذا الهجوم بالطريقة نفسها في القريب العاجل "خاصة وأن واشنطن طلبت من تل أبيب عدم الرد على الهجوم الإيراني"، مشيرا إلى أن إسرائيل من المتوقع أن ترضخ للطلب الأمريكي.

ونُفذ الهجوم باستخدام أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة أُطلق معظمها من إيران - حيث أعلن الحرس الثوري الإيراني رسميا الهجوم - وأسقطت أمريكا وبريطانيا والأردن غالبيتها، فضلا عن اعتراض الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية لكثير مما عبر للداخل.

وأوضحت الولايات المتحدة - وفق مسؤولين - أنها لن تشارك في أي هجوم مضاد ضد إيران إذا قررت إسرائيل الرد، إذ أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب وتصعيد مع إيران. 

وتوقع المحلل أن تعود المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى "نمط العمليات والعمليات المضادة الخاطفة، حيث سترد إسرائيل بالاستمرار في اغتيال قادة الحرس الثوري وحزب الله، فيما سترد إيران بشكل غير مباشر عبر وكلائها سواء في اليمن أو لبنان أو العراق".

وأرجع توقعه إلى أن هذا النمط من العمليات "قادر على تحقيق ردود منضبطة بالشكل الذي لا يفضي إلى حرب إقليمية لا تريدها إسرائيل ولا إيران ولا الولايات المتحدة".

وانخطرت إيران وإسرائيل لسنوات في حرب ظل كان من سماتها هجمات على شاكلة استهداف قنصلية طهران بدمشق. وكان هجوم إيران أول هجوم عسكري مباشر لها على إسرائيل رغم عقود من عداء يعود تاريخه إلى الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979.

وتدور بالفعل اشتباكات منذ أشهر بين إسرائيل ووكلاء لإيران في الشرق الأوسط بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بعد هجوم مفاجئ للحركة أسفر عن مقتل 1200 شخص في إسرائيل.

وتحظى حركة حماس بدعم إيران ووكلائها - بما في ذلك حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية - في حرب غزة، التي أدت لمقتل أكثر من 33 ألف شخص بالقطاع، فضلا عن تسببها في اضطرابات بالمنطقة.

وعلى المستوى الدولي، توقع المحلل الباز أن يتم الإعلان عن بعض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد إيران، لكنه أشار إلى أن "إسرائيل ستستفيد من الهجوم بحصولها على حزمة مساعدات أمريكية مبررة بالهجوم الإيراني الأخير".

 

ماذا عن رد فعل المنطقة؟

أثار هجوم إيران وما حمله من إمكانية تفاقم التوترات بالشرق الأوسط ردود فعل قلقة ومطالبة بمنع  التصعيد وضبط النفس من دول عربية، بما في ذلك من مصر والسعودية والإمارات والأردن، لكن دون إدانة لما حدث.

ولدى مصر والأردن والإمارات علاقات مع إسرائيل على خلاف السعودية، التي تشترط قيام دولة فلسطينية لإقامة علاقات مع تل أبيب. وتجمع الإمارات والسعودية والأردن علاقات بإيران، أما مصر فقد كانت العلاقات بينها وبين طهران متوترة بوجه عام خلال العقود الماضية لكن البلدين حافظا على بعض الاتصالات الدبلوماسية. 

والعام الماضي اتفقت الرياض وطهران بوساطة صينية على استئناف العلاقات الثنائية، فيما كانت الإمارات طبعت علاقاتها مع إسرائيل في عام 2020 بوساطة أمريكية.

وقال المحلل الباز إن رد الفعل العربي إزاء هجوم إيران يعكس أن الدول العربية معنية بعدم التصعيد كونها تقع جميعا في منطقة الحرب، مضيفا أن "لدى معظم الدول العربية مشاريع إصلاح داخلية تود التركيز عليها، ولذلك من المنطقي أن يكون التفاعل العربي داعيا لعدم التصعيد".

وتابع أن "خروج هذه العمليات (بين إيران وإسرائيل) من دائرة الحرب المنضبطة إلى حالة الانفلات سيعني اضطرار هذه الدول للاشتباك دفاعا عن مصالحها وسيادتها خصوصا أن طرفي الحرب غير مأمونين ولا يمكن اعتبارهما حلفاء للعرب مهما كان مستوى العلاقات الرسمية".

وتعاني منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم ككل منذ شهور من تداعيات حرب غزة، التي أثرت على السياحة في بلدان منها مصر والأردن ولبنان، كما تسببت في اضطراب حركة الملاحة عبر البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشحن - نتيجة استهداف جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران سفن بالبحر دعما للفلسطينيين - وأضرت الحرب أيضا بعائدات قناة السويس المصرية. 

وفي ظل قلق أمني مستمر بالشرق الأوسط مع تواصل الخلاف بين إسرائيل وإيران، تسعى دول بالمنطقة خاصة الخليجية إلى إنهاء العداء وتحقيق استقرار العلاقات بين البلدين لتستقر المنطقة ككل.

 

حرب غزة

استبعد المحلل الباز أن يؤدي هجوم إيران على إسرائيل إلى هدوء نسبي في وتيرة الحرب الدائرة في قطاع غزة.

وقال: "الانتصار بمعناه الإسرائيلي هو الهدف الأول والأخير بالنسبة لنتنياهو بأي ثمن، غزة هي الجبهة صاحبة الأولوية حاليا بالنسبة لإسرائيل وستستمر العمليات فيها بذات الوتيرة طالما أن خطة الحرب تعمل وفقا لتوجيهات نتنياهو".

واعتبرت حركة حماس - التي تدير قطاع غزة - أن هجوم إيران على إسرائيل هو "حق طبيعي ورد مستحق" على الهجوم على قنصليتها في دمشق.

وقوبل الهجوم الإيراني على إسرائيل بإشادة كثير من الفلسطينيين في قطاع غزة باعتباره -وفق رويترز- رد نادر على حرب تل أبيب على القطاع، لكن آخرين رأوا أنه استعراض للقوة من إيران وليس بهدف إلحاق أضرار فعلية بإسرائيل.

رد فعل سكان غزة، المحتفي بهجوم إيران في أغلبه، يأتي وسط شعور عام بين الفلسطينيين بأن دول عربية أخرى مجاورة قد تخلت عنهم في حرب غزة المندلعة حتى الآن.

وتمثل حرب غزة نقطة قد تكون سوداء لنتنياهو وحكومته وحفزت خروج مظاهرات تطالب برحيلهما.

ويتناقض نجاح الدفاعات الإسرائيلية في صد هجوم إيران بشكل حاد مع إخفاقاتها أثناء هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي، خاصة مع كون الحركة عدو أقل قوة بالنسبة لإسرائيل من إيران. واستغرق الجيش الإسرائيلي أيام لصد مسلحي حماس وهي هزيمة محرجة لأحد أفضل جيوش الشرق الأوسط عتادا.

لكن البعض يرى أن إحباط الهجوم الإيراني يمكن أن يساعد في استعادة إسرائيل لصورتها على الأقل في الداخل.


ما المتوقع اقتصاديا؟

باستثناء التأثير المحدود المتمثل في الإغلاق المؤقت للمجالات الجوية في إسرائيل والأردن والعراق ولبنان وتوقف وتحويل بعض الرحلات الجوية لشركات طيران بالمنطقة، يتوقف حجم التداعيات الاقتصادية لهجوم إيران على الرد الأمريكي والإسرائيلي عليه، وفق علي متولي مستشار الاقتصاد والأعمال في شركة "IBIS Consultancy" ومقرها في لندن.

وقال متولي، لزاوية عربي، إن الهجوم نُفذ في إطار "مخاطر محسوبة" وهو ما يجعل كل الأمور "تحت السيطرة حتى هذه اللحظة".

وأشار إلى أنه في حالة التصعيد والرد على الهجوم ووجود حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران "ستكون التداعيات أقوى"، قد تتمثل حينها في ارتفاع التضخم مع زيادة تكلفة مخاطر التأمين على الشحن الجوي والبري والبحري، فضلا عن ارتفاع أسعار الذهب والنفط.

وارتفعت أسعار الذهب عالميا بالفعل إلى مستوى قياسي قبيل هجوم إيران على إسرائيل، في ظل الإقبال عليه كملاذ آمن مع تصاعد المخاوف حول طبيعة رد طهران.

وصباح السبت قبل الهجوم، احتجز الحرس الثوري الإيراني سفينة في مضيق هرمز مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، بعدما كان قائد القوة البحرية في الحرس الثوري قال، الأسبوع الماضي، إن طهران قد تغلق مضيق هرمز في حالة الضرورة.

ومضيق هرمز هو ممر مائي حيوي للغاية لتجارة النفط العالمية، إذ يمر عبره نحو خمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، ويشمل ذلك صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

ورأى متولي أن فرض مزيد من العقوبات على إيران على خلفية هجومها على إسرائيل قد يتحول في مرحلة ما في حالة التصعيد بين البلدين إلى عنصر مؤثر على أسعار النفط عالميا، إضافة إلى عوامل أخرى.

وأعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على طهران تقوض صادرات نفطية إيرانية بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني، الذي بموجبه رفعت العقوبات في بادئ الأمر، لكن واشنطن تطبق العقوبات بحذر منذ فترة في وقت يسعى فيه البلدان إلى تحسين العلاقات.

والأحد، في أعقاب هجوم إيران أغلقت بورصات خليجية على انخفاض، إذ تراجعت البورصة السعودية بنسبة 0.3%، والقطرية بنسبة 0.8%. ولم يتضح أثر الهجوم على بورصات عربية أخرى مثل الإمارات ومصر مع توقف التداول بسبب عطلة عيد الفطر.

 

هجوم؟ حقا!

رغم ما حمله هجوم إيران من مخاطر، إلا أن سرعة الإعلان عنه وانتهائه خلال ساعات معدودة دون تصعيد إلى الآن، كانت محل تعليقات ساخرة من كثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط.

وكان من بين تلك التعليقات تساؤل "طيب اللي نام بكير كيف بدنا نقنعه أنه كان في حرب وخلصت؟".

وجاء في منشور آخر "حرب بدأت (الساعة) 11 وخلصت 11 وخمسة".

كما سخر مستخدمون آخرون من التأثير المحدود للهجوم الإيراني ومن كشف إيران عن الهجوم وإبلاغها الولايات المتحدة به قبل وصول الصواريخ والطائرات المسيرة لإسرائيل وهو أمر يُفقد الهجوم عنصر المفاجأة.

وقال وزير الخارجية الإيراني، الأحد، إن بلاده أعطت دول الجوار في المنطقة والولايات المتحدة إشعار بالضربات قبل 72 ساعة من إطلاقها، غير أن مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية نفى ذلك الأمر، وفق رويترز.

لكن المسؤول الأمريكي قال إن الولايات المتحدة أجرت اتصالات مع إيران من خلال وسطاء سويسريين قبل وبعد الهجوم على إسرائيل.

 

(إعداد: مريم عبدالغني، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على منصات مجموعة بورصة لندن، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا

للتسجيل في موجز زاوية مصر اليومي، أضغط هنا