لم تكن فيضانات باكستان في صيف عام 2022 هي ناقوس الخطر الأول، وقد لا تكون الأخيرة.

تلك الفيضانات، التي استمرت لخمسة شهور ما بين يونيو إلى أكتوبر بالعام السابق، أدت لخسائر بشرية تزيد عن ألف وسبعمائة قتيل بالإضافة لخسائر اقتصادية تعدت قيمتها 15 مليار دولار أمريكي.

ورغم تكاتف المجتمع الدولي لتقليل وطأة الكارثة على الشعب الباكستاني وقتها، إلا أن نفس هذا المجتمع يعتبر مسؤول بصفة مباشرة عن تلك المأساة الإنسانية وما قد يعقبها من حوادث بيئية مرتبطة بشكل واضح، لا يقبل الشك علمياً، بظاهرة التغيرات المناخية.

عصر الغليان 

رغم بدء الحديث حول خطر التغيرات المناخية بصورة جدية داخل الأوساط العلمية منذ سبعينيات القرن العشرين، إلا أن أغلب صناع القرار لم يلتفتوا سوى لأصوات حزب منكري تلك الظاهرة، ربما حتى العقد الأخير حين أصبح الوضع جليا.

فوفقا لتقرير المناخ السنوي لعام 2022 الصادر عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، جاءت الزيادة لمتوسط درجة حرارة الأرض والمحيطات بحوالي 0.18 درجة مئوية لكل عقد منذ عام 1981، في حين كانت الزيادة المتوسطة منذ عام 1880 أقل بما هو أكثر من النصف بما يعادل 0.08 درجة مئوية لكل عقد.

أتت هذه الزيادة الملحوظة بفعل تأثير النشاط البشري غير مستدام وغير صديق للبيئة خاصة من قبل الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن ما هو أكثر من 70% من مقدار الانبعاثات الكربونية العالمية. 

وذلك على الرغم من تبني تلك الدول لمبادرات ومشروعات خضراء تهدف للحد من مقدار الاحتباس الحراري.
وهو ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بوصفه أن درجات الحرارة القياسية في يوليو من العام الحالي أظهرت بأن الأرض قد انتقلت من مرحلة الاحتباس الحراري إلى "عصر الغليان العالمي". 

عبرت كلمات الأمين العام عن طبيعة الأزمة المتلخصة في الحاجة الماسة من المجتمع الدولي للتحرك الجدي وتحقيق ما هو أكثر من مجرد شعارات دون تنفيذ.

وقد ربطت جميع التقارير الرسمية من المنظمات الدولية والحكومات العديد من الكوارث البيئية بالتغيرات المناخية. 

كما تم حصر مختلف النتائج في عدة عوامل مثل:

- ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج من ذوبان الأنهار الجليدية والألواح الجليدية في القطبين
- زيادة تكرار وشدة الظواهر الجوية المتطرفة مثل العواصف والفيضانات والجفاف
- الهجرة المناخية وحوادث الانقراض بسبب تأثير التغير المناخي على النظم البيئية والتوازن البيولوجي وحجم الموارد الصالحة للاستخدام
- تقليل قدرة البشر على تلبية احتياجاتهم الغذائية والاقتصادية

وهذا هو الحال الآن. وأعتقد أنه يمكن تخيل رؤية لحل من خلال الإجابة على التساؤلات القادمة.

لماذا تهاجم مؤتمرات المناخ؟

مؤتمر الأطراف (Conference of the Parties COP) هو مؤتمر لجمع دول العالم للتفاوض واتخاذ القرارات المشتركة بشأن القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية.

 يتم تنظيم هذه المؤتمرات سنويا أو بشكل منتظم حسب الحاجة، وتعتبر فعاليات هامة، إن لم تكن الأهم، في مجال السياسات البيئية تشمل مناقشة السياسات، وتبادل المعلومات والخبرات بين الدول.

ويشارك في هذه المؤتمرات الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص.

ورغم أن هدف تلك المؤتمرات هو التحكم في الزيادة المطردة في انبعاثات الكربون، إلا أنه لم يتم تحقيق هذا الهدف حتى الآن والعالم على أعتاب المؤتمر الثامن والعشرين والمقرر انعقاده بالإمارات في الفترة ما بين 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر هذا العام.

وكانت هناك عدة أسباب دفعت الرأي العام إلى انتقاد أو حتى الهجوم على مؤتمرات المناخ.

في البداية كانت تلك الهجمات تأتي من المتشككين بشأن حقيقة التغير المناخي. إذ أنه، وحتى فترة قريبة، قبل أن يثبت العلم بصورة قاطعة تسبب النشاط الصناعي المعتمد على حرق الوقود الأحفوري في زيادة معدلات الاحتباس الحراري، كان لدى العديد من صناع القرار بالشركات الضخمة وحكومات الدول الصناعية شكوك أو اعتراضات حول وجود التغير المناخي نفسه، فقد كانوا يعتبرونه مجرد نظرية أو يشككون في دلائل العلم القائمة على تغير المناخ.

كما ساهم المشككون في تعميم وجهة النظر المغلوطة حول تكلفة التدابير المطلوبة لمواجهة التغير المناخي، حيث اعتبروها مكلفة ومؤثرة سلبا على النمو الاقتصادي والوظائف، مطالبين بتحقيق توازن بين الحفاظ على البيئة وتعزيز التنمية الاقتصادية. 

وكل هذه الأراء السابقة تتجاهل حقيقة كون مواجهة التغيرات المناخية قد أصبحت ضرورة حتمية لإنقاذ الحياة على الكوكب كما عهدها المواطن المعاصر.

هل مؤتمرات المناخ مجرد مكلّمة؟

لم يؤدي استمرار انعقاد مؤتمرات المناخ طيلة السبع وعشرين عام الماضية إلى تحسن حقيقي بالأزمة، وهو ما زاد من هجوم النشطاء البيئيين على جدوى انعقاد الحدث.
يرى بعض النشطاء أن الدول الصناعية الكبرى تماطل في تعطيل مسار الإصلاح البيئي حتى تستمر في سياساتها التنموية ذات النهج غير العابئ بالبيئة. كما يرى بعضهم أن تلك الدول قد تستغل المؤتمر لتحقيق أهداف سياسية خاصة وأن لدى بعض الشركات أو الصناعات المتأثرة بتغير المناخ مصالح اقتصادية خاصة، وقد يقاوموا التدابير التي تؤثر في أعمالهم أو تتطلب تغيير في سلوكهم، خاصة وأن الإجراءات المقترحة لمواجهة التغير المناخي تشمل اتفاقيات تقييد انبعاثات الغازات الدفيئة وفرض ضرائب على الملوثين.

تشير الأنباء إلى أنه أصبح من المتوقع انطلاق بعض المظاهرات الموازية لقمة المناخ القادمة.

إذ أثار اختيار الإمارات للإستضافة كدولة خليجية مصدرة للنفط تساؤلات وانتقادات من النشطاء وسط مخاوف من إبطاء التقدم في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. الإمارات تُعتبر منتج رئيسي للنفط وبالتالي واحدة من الدول المسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، على الرغم من تبنيها لعدة مشروعات قومية كبرى في مجالات الطاقة المتجددة آخرهم في قطاع الهيدروجين الأخضر المستحدث.

ولن تكون هذه المظاهرات الأولى من نوعها أثناء قمم المناخ.

فعلى سبيل المثال، سمحت مصر - وهي دولة مستوردة للنفط وتسعى لزيادة استخدامات وتوطين الطاقة النظيفة - للنشطاء البيئيين المشاركين بالمؤتمر السابق، الذي انعقد بمدينة شرم الشيخ في 2022، بإقامة مظاهرات عدة للمطالبة بالعدالة المناخية.

كانت تلك المظاهرات تحاول الضغط على الدول الصناعية بهدف الوفاء المتأخر بالتزاماتها المعلنة منذ سنوات. إذ لم تفِ بعد تلك الدول لا بتعهداتها الخاصة بتقليل الانبعاثات ولا حتى بتعهداتها التمويلية، المحددة في عام 2009، والتي تتلخص بدعم الدول النامية المتضررة من الانبعاثات بما قيمته 100 مليار دولار سنويا.

لهذا يتجه بعض النشطاء للحديث سلبا عن مؤتمرات الأطراف بصفة عامة، خاصة مع تراخي المجتمع الدولي في تنفيذ التعهدات المختلفة وانعدام وجود الضمانات لتحقيق الأهداف المتفق عليها. بل إن الهدف الأشهر والمتعلق بما وقعت عليه جميع دول العالم تقريبا في اتفاقية باريس أصبح مهددا هو الآخر بصعوبة المنال.

ويتلخص الهدف بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما هو أقل من 2 درجة مئوية مع إعطاء الأفضلية لما هو أقل من 1.5 درجة مئوية.

ما هي المحطات الأهم لمؤتمرات الأطراف؟

عُقد العديد من مؤتمرات الأطراف (COP) لمعالجة تغير المناخ ووضع اتفاقيات دولية للتخفيف من آثاره. ولكن هناك قمم للمناخ تعتبر هي الأبرز على الإطلاق خلال تلك المسيرة.

يعتبر مؤتمر الأطراف الأول (برلين، ألمانيا، 1995) بمثابة بداية مؤتمرات الأمم المتحدة السنوية لتغير المناخ، والركيزة الأهم لإنشاء الإطار التنظيمي لمعالجة تغير المناخ. أما مؤتمر الأطراف الثالث (كيوتو، اليابان، 1997)، فقد أدى إلى اعتماد بروتوكول كيوتو، الذي حدد أهداف ملزمة لخفض الانبعاثات للدول المتقدمة، والذي يعتبر بمثابة معلم مهم في المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ.

ثم بالقفز إلى القمة رقم 21 (باريس، فرنسا، 2015)، نجد أنها القمة التي أسفرت عن اعتماد اتفاق باريس، والذي رغم اعتباره اتفاق جذري بشأن المناخ، يتضمن أحكام تتعلق بالتكيف، والتخفيف، والتمويل، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، لكن لم تتحقق أهدافه بعد، وهو ما خلق الحاجة إلى إيجاد آلية حقيقية لدفع الدول إلى التعاون الجاد بعيدا عن الكلام المتواصل وهو ما قد يحدث في مؤتمر المناخ القادم بعد تعهد الإمارات بايجاد طريقة لقياس التقدم في الأهداف المناخية.

يذكر أن مفاوضات مؤتمر الأطراف السابع والعشرين بمصر قد واجهتها صعوبات وتحديات عدة قبل النجاح في إطلاق صندوق الخسائر والأضرار.

إذ اختُتمت القمة باتفاق لتوفير التمويل للخسائر والأضرار للبلدان الغير قادرة ذات البنية التحتية الضعيفة المتضررة، وهي البلاد التي تعاني بشدة من الفيضانات والجفاف والكوارث المناخية الأخرى.

 ورغم الإشادة بهذا القرار على نطاق واسع باعتباره "تاريخي"، إلا أن العيون كلها مسلطة تجاه مصير هذا الصندوق الذي سيكون على رأس أجندة أولويات مؤتمر الأطراف المقبل بالإمارات.

 

(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com) 

#مقالرأي