حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء 23 يناير 2024، حفل افتراضي للاحتفال ببدء بناء المفاعل النووي الرابع والأخير في محطة الطاقة النووية المصرية، والمعروفة باسم "محطة الضبعة النووية" أو "مفاعل الضبعة".

وقد منح الرئيسان سويا خلال الاحتفالية، التي حدثت عبر تقنية الفيديو كونفرانس، شارة البداية إذانا ببدء سكب "الخرسانة الأولى" في أساس الوحدة الرابعة بالمحطة.

صرح الرئيس الروسي بوتين، أثناء الفاعليات، بأن محطة الضبعة النووية في مصر ستسهم بشكل كبير في تنمية الاقتصاد المصري. أما الرئيس المصري السيسي فقال إن محطة الضبعة تسير بوتيرة أسرع من المخطط لها، مما يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها مصر لقطاع الطاقة كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي.

وأشار السيسي إلى أهمية قرار إحياء البرنامج النووي السلمي لمصر في توفير إمدادات طاقة آمنة ورخيصة وطويلة الأجل وسط أزمة إمدادات الطاقة العالمية. ومضى أكثر من 60 عام على إطلاق فكرة البرنامج النووي لمصر.

برنامج مصر النووي

يعتبر مشروع محطة الطاقة النووية في الضبعة جزء من برنامج مصر النووي الذي بدأ في عام 1954. وقد تم اختيار موقع الضبعة لإنشاء المحطة في عام 1983، إلا أن البداية الفعلية يمكن حسابها منذ أن وقعت الحكومة المصرية اتفاقيتين مع الحكومة الروسية لبناء وتمويل محطة الطاقة النووية في الضبعة في نوفمبر 2015 بتكلفة مقدارها 25 مليار دولار.

ومحطة الضبعة ليست فقط أول محطة نووية مخطط لها في مصر، بل هي أيضا  أكبر مشروع تعاون ثنائي بين مصر وروسيا منذ بناء سد أسوان، وأحد أكبر مشروعات المنشآت النووي لشركة روساتوم في العالم، وفق أليكسي ليخاتشوف المدير العام لشركة روساتوم الروسية الحكومية للهندسة النووية التي تُنفذ المشروع.

نظرة عامة على المشروع

يقع مشروع محطة الضبعة النووية في منطقة الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة. وتهدف مصر من خلاله الوصول لإنتاج ما يصل إلى 9% من طاقتها الكهربائية من الطاقة النووية بحلول عام 2030، وهو ما يمكن تحقيقه عندما تبدأ المفاعلات الأولى بتوليد الطاقة.

وتم اختيار موقع محطة الطاقة النووية في الضبعة بسبب توفر كميات كافية من المياه للتبريد من حوله وهي لازمة للمفاعل، وقربه من شبكات السكك الحديدية والطرق والروابط التوصيلية للكهرباء، فضلا عن كون المنطقة ذات نشاط زلزالي منخفض.

المواصفات الفنية للمحطة

يبلغ العمر التشغيلي للمحطة 60 عام ويمتد إلى 80 عام، وتشمل أربعة مفاعلات نووية من طراز "VVER-1200"  وتصميم  "AES-2206"، والتي تستطيع كل منها توليد طاقة بقدرة تبلغ 1.2 غيغاوات. وبهذا تصبح مصر البلد الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مفاعل من الجيل الثالث المطور.

ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل الفعلي للوحدة الأولى من المحطة في عام 2028، على أن يتم الانتهاء من المشروع عام 2030. وستصل القدرة الإجمالية للمحطة عند تشغيلها بالكامل إلى 4.8 غيغاوات.

يعتبر مفاعل "VVER-1200" من مفاعلات الماء المضغوط المتوافقة مع جميع متطلبات السلامة الدولية ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد حادث فوكوشيما، والذي تم تصميمه ليتحمل المؤثرات الخارجية مثل اصطدام طائرة تزن 400 طن أو الظواهر الطبيعية مثل التسونامي والزلازل والأعاصير.

وتضم المحطة أيضا نظم أمان لا تعتمد على وجود الطاقة الكهربائية ولا تقبل الخطأ البشري وتعمل تلقائيا.

رحلة البناء

تمت الموافقة على موقع المشروع من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أغسطس 2010، ولكن تم تعليق البدء به بسبب ثورة 2011 في مصر ونزاعات مع سكان الضبعة. وبعد الاتفاق المصري الروسي في 2015، تم إجراء المرحلة الأولى من الدراسة الهندسية الأولية والدراسات المائية.

وبعد الاتفاق المصري الروسي بعامين، وبالتحديد في ديسمبر 2017، وقِعَت عقود المحطة، التي نصت على أن تقوم روساتوم ببناء المحطة وتوريد الوقود اللازم للمشروع والمساعدة في تدريب المهندسين والفنيين لصيانة وتشغيل المحطة خلال العشر سنوات الأولى من عملها. كما تم توقيع عقد مع روساتوم لبناء منشأة تخزين خاصة للوقود النووي المستخدم.

وتزامن ذلك مع بدء المرحلة الأولى من المشروع وهي مرحلة تحضيرية تغطي الأنشطة التي تهدف إلى تجهيز وتهيئة الموقع لإنشاء المحطة النووية، ومدتها عامين ونصف إلى أربعة أعوام.

وقد حصلت هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وهي المالك والمشغل لمشروع الضبعة، على تصريح قبول الموقع لبناء المحطة النووية في الضبعة في النصف الأول من عام 2019. 

وبدأت هيئة المحطات النووية تقديم طلبات للحصول على تصاريح البناء للوحدتين الأولى والثانية بالمحطة في يونيو 2021، وطلبات للوحدتين الثالثة والرابعة في ديسمبر 2021.

وفي يونيو 2022، أصدرت الهيئة المصرية للرقابة النووية والإشعاعية -وهي هيئة رقابية تتولى الأعمال التنظيمية والمهام الرقابية المتعلقة بالأنشطة النووية والإشعاعية- تصريح إنشاء الوحدة الأولى من محطة الضبعة، وبدأ بناؤها في يوليو 2022.

وفي أكتوبر 2022، أعطت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية الموافقة على بناء الوحدة الثانية وبدأ بناؤها في نوفمبر من العام نفسه. فيما شهد عام 2023، صدور تصريحي إنشاء الوحدتين الثالثة والرابعة.

وفي عام 2022 تم التعاقد مع شركة كوريا للطاقة المائية والنووية لبناء 82 مبنى وهياكل مساعدة في محطة الضبعة. وأيضا، تم التعاقد مع شركة دوسان إنربيليتي الكورية الجنوبية لبناء مباني التوربينات وهياكل بالمحطة بقيمة تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار.

تمويل المشروع والشركات المنفذة

تفوق تكلفة مشروع الضبعة الـ 28 مليار دولار، وستتولى روسيا تمويل حوالي 85% منها في صورة قرض حكومي بقيمة 25 مليار دولار، وذلك وفقا لاتفاق التمويل الذي تم التوقيع عليه بين وزارة المالية المصرية ووزارة المالية في الاتحاد الروسي، علما بأن فترة السداد تمتد لمدة 22 عام. وستقوم مصر بتوفير الـ 15% المتبقية من قبل المستثمرين المصريين.

وتعتبر شركة روساتوم الروسية شريك أساسي في هذا المشروع، إذ وقعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر اتفاق معها للبناء والتمويل وتشغيل المحطة النووية.

كما يشمل التعاقد توريد الوقود النووي على مدار فترة تشغيل المحطة، بالإضافة إلى المساعدة في تشغيل وصيانة المحطة خلال العشر سنوات الأولى من التشغيل وبناء حاويات تخزين وتوريد لتخزين الوقود المستنفد.

وكانت شركة المحاماة الدولية جاولينج دبليو إل جي (Gowling WLG) مستشار قانوني لمفاوضات عقود مشروع محطة الضبعة.

وعلاوة على ذلك، فهناك أكثر من 350 شركة مصرية من الشركات الراغبة في العمل بالمشروع سجلت إلكترونيا على موقع مخصص لها. وتنص العقود المبرمة بين مصر وروسيا على أن تكون نسبة المشاركة المحلية للوحدة الأولى والثانية بنسبة 20-25% وللوحدة الثالثة والرابعة بنسبة 30-35%.

قيمة مضافة لمصر

صرح الرئيس المصري -أثناء فعاليات تدشين الوحدة الرابعة بمحطة الضعبة- بأن دمج الطاقة النووية في مزيج إنتاج الكهرباء في مصر له أهمية حيوية لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الكهرباء اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقال إن الإنتاج سيساهم في زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وتحقيق الاستدامة البيئية، والتصدي لتغير المناخ.

وتقول مصر إن المشروع من شأنه أيضا حماية الاقتصاد المصري من تقلبات سوق الطاقة العالمي، ووضع مصر على خارطة الطاقة النووية العالمية.

ووفق المدير العام لشركة روساتوم ليخاتشوف، ستساعد محطة الضبعة النووية في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لمصر بأكثر من 1%. وقال إن شركته دخلت في شراكة مع أكثر من 90 شركة مصرية في بناء المحطة، بإجمالي 285 عقد.

 

(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

#مقالرأي

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)