في الآونة الأخيرة، تصاعدت التوترات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق، خاصة بعد ان انتهت إثيوبيا من ملء خزان السد في مرحلته الأولى، وهو إجراء تعارضه مصر والسودان مطالبين بعدم ملئ السد بدون اتفاق ملزم قانونًا بشأن التخصيص العادل لمياه النيل.  

وقد صعدت مصر من دعوتها للمجتمع الدولي للمشاركة في نزع فتيل الأزمة وطالبت مجلس الأمن بالتدخل.

الخلاف حول سد النهضة هو جزء من نزاع طويل الأمد بين مصر والسودان - دول المصب - من ناحية، وإثيوبيا ودول النهر من ناحية أخرى حول مياه النيل، والتي تعتبر شريان الحياة للملايين من الناس الذين يعيشون في مصر والسودان.  

على الرغم من الخلافات الشديدة، تواصل إثيوبيا المضي قدمًا في بناء السد، بحجة أن مشروع الطاقة الكهرومائية سيحسن بشكل كبير سبل العيش في المنطقة على نطاق أوسع. 

تاريخ طويل من الصراع  

على الرغم من أن الصراع على تخصيص مياه نهر النيل قائم منذ سنوات عديدة، إلا أن الخلاف، خاصة بين مصر وإثيوبيا، تصاعد بشكل كبير عندما بدأت الأخيرة في بناء السد على النيل الأزرق في عام 2011.  

إثيوبيا، التي تزود مرتفعاتها حوالي 85%من المياه التي تصب في نهر النيل، جادلت منذ فترة طويلة بأن لها الحق في استخدام مواردها الطبيعية لتحسين مستويات معيشة سكانها، وكانت قد اكدت من أن سد النهضة لن يؤثر بشكل كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل.  

إلا أن مصر، التي تعتمد بالكامل تقريبًا على مياه النيل للاستخدامات المنزلية والتجارية، ترى أن السد يمثل تهديد كبير لأمنها المائي. 

على مر السنين، استخدمت مصر علاقاتها الدبلوماسية الواسعة واتفاقيات تقاسم مياه النيل الموقعة في الحقبة الاستعمارية 1929 والاتفاقية الثنائية مع السودان 1959 لمنع إنشاء أي مشاريع بنية تحتية كبرى على روافد النيل بنجاح.

ومع ذلك، ونتيجة لقدرة ورغبة الإثيوبيين في الداخل والخارج للاستثمار في مشروع السد، تمكنت الحكومة من جمع جزء كبير من الأموال اللازمة لبدء بناء سد النهضة، حيث قدمت البنوك الصينية التمويل لشراء التوربينات والمعدات الكهربائية لمحطات الطاقة الكهرومائية.

في عام 1959، وقعت مصر والسودان اتفاقية ثنائية، عززت بشكل فعال أحكام المعاهدة الأنجلو المصرية لعام 1929.

زادت اتفاقية عام 1959 مخصصات المياه لكل من مصر والسودان. وتم رفع مخصصات مصر المائية من 48 مليار متر مكعب إلى 55.5 مليار متر مكعب والسودان من 4 مليار متر مكعب إلى 18.5 مليار متر مكعب. ونصت الاتفاقية على أنه في حالة حدوث زيادة في متوسط إنتاجية المياه، يجب تقاسم العائد المتزايد بالتساوي بين دولتي المصب (أي مصر والسودان).

اتفاقية عام 1959، مثل المعاهدة الأنجلو-مصرية لعام 1929، لم تنص على الاحتياجات المائية للدول الأخرى، بما فيها إثيوبيا.

على الرغم من أن مصر جادلت بإصرار بأن اتفاقية 1959 بين مصر والسودان والتي منحت مصر حق النقض على مشروعات نهر النيل المستقبلية، هي الإطار القانوني لتخصيص مياه النيل، إلا أن إثيوبيا ترفض هذه الحجة.

مصر أصرت على احترام حقوق المياه التي حصلت عليها من خلال اتفاقيتي 1929 و1959 (يشار إليهما معا باسم اتفاقيات مياه النيل) وعدم تنفيذ أي مشروع بناء على نهر النيل أو أي من روافده بدون الحصول على موافقة مسبقة من القاهرة. بينما جادلت الدول الواقعة على ضفاف النهر، مثل إثيوبيا، بأنها ليست ملزمة بهذه الاتفاقيات لأنها لم تكن طرف فيها.

الصراع الحالي  

يقول المسؤولون في أديس أبابا بأن سد النهضة لن يكون له تأثير كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل، وعوضا عن ذلك يجادلون بأن سد الطاقة الكهرومائية سيوفر فوائد لدول المنطقة، كمصدر للطاقة الكهربائية بأسعار معقولة وكآلية رئيسية لإدارة نهر النيل، بما في ذلك التخفيف من الجفاف وملوحة المياه. 

كانت مصر، خوفًا من حدوث اضطرابات كبيرة في وصولها إلى مياه النيل، تهدف في الأصل إلى منع حتى بدء بناء سد النهضة. وقد وصفت مصر ملء السد بأنه تهديد وجودي، حيث تخشى أن يؤثر السد سلبًا على إمدادات المياه في البلاد. في هذه المرحلة، وبعد ان أوشك سد النهضة على الانتهاء، حولت مصر موقفها لمحاولة تأمين اتفاق سياسي حول الجدول الزمني لملء خزان سد النهضة وكيفية إدارة سد النهضة، لا سيما أثناء فترات الجفاف.  

أحد الأسئلة التي لا تزال تطرح وبقوة هو: هل ستكون إثيوبيا على استعداد لإطلاق ما يكفي من المياه من الخزان للمساعدة في التخفيف من الجفاف في اتجاه مجرى النهر؟ 

على الرغم من أن المحادثات التي ترأسها  جنوب إفريقيا نيابة عن الاتحاد الأفريقي قد حلت العديد من القضايا المرتبطة بملء خزان سد النهضة، لا يوجد حتى الآن اتفاق على الدور الذي سيلعبه السد في التخفيف من الجفاف.

اتفقت الدول الثلاث على أنه عندما ينخفض تدفق مياه النيل إلى السد عن 35-40 م.س.م (مليار سنتيمتر مكعب) سيشكل ذلك جفاف ووفقًا لمصر والسودان سيتعين على إثيوبيا إطلاق بعض المياه للتعامل مع الجفاف.

ومع ذلك، تفضل إثيوبيا أن تتمتع بالمرونة لاتخاذ قرارات بشأن كيفية التعامل مع حالات الجفاف. وخوفًا من ظهور الجفاف خلال فترة الملء، تريد مصر أن يتم الملء على مدى فترة أطول. 

السودان أيضا خائف  

السودان عالق بين المصالح المتنافسة لمصر وإثيوبيا. ولا تزال الخرطوم تخشى أن تشغيل سد النهضة يمكن أن يهدد سلامة السدود في السودان ويجعل من الصعب على الحكومة إدارة مشاريعها التنموية. 

التفكير على المدى الطويل: تأمين اتفاقية لإدارة نهر النيل 

أثناء نظرهم في هذه القضية المثيرة للجدل، يجب على جميع دول النهر ال11 السعي إلى تحسين العلاقات فيما بينها بما يتجاوز علاقتها بنهر النيل، خاصة في المجالات ذات المنفعة المتبادلة مثل التجارة؛ التبادل التعليمي والثقافي؛ إدارة الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه؛ ومواجهة التحديات الكبرى للنمو الاقتصادي والتخفيف من حدة الفقر مثل تغير المناخ وانتشار الأمية وضعف البنية التحتية.  

يجب أن يفهم دول ضفاف النيل أن النهر مورد مشترك يجب التعامل مع إدارته الفعالة من منظور شامل للحوض. وبالتالي، فقط من خلال التعاون يمكن لمصر وإثيوبيا والسودان والدول الأخرى حل النزاعات حول النيل  وتحقيق طرق وسبل استخدام المياه الذي سيساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والبشرية الإقليمية. 

سيكون التحدي كبير لتحويل النزاع الى فرصة للتعاون الإقليمي في زمن النزاعات والمصالح. للأسف التجارب السابقة لنزاعات السدود حول العالم ليست مبشرة. 

نستعرض جزء منها في الجزء الثاني من هذا المقال.  

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال 

(للتواصلyasmine.saleh@refinitiv.com

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام