شكلت نزاعات المياه في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير أداة لإثارة التوتر بين الدول، وسط مخاوف من ان تؤدي هذه النزاعات لمواجهات عسكرية.  

ويُنظر إلى المياه، كشريان حياة، وأحد أكثر العوامل الطبيعية تأثيرا في حياة الشعوب وخاصة تلك التي تعاني من مناخ جاف أو صحراوي. 

وترتبط مناطق الصراع الشديد على المياه بندرة المياه؛ ومن ثم، فإن المناطق التي شهدت صراعات أو تشهد  إمكانية اندلاع صراعات هي الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية والاتحاد السوفيتي السابق. 

طبيعة الصراع 

يمكن تعريف الصراع على أنه خلاف حول مسار العمل المناسب الذي يجب اتخاذه في حالة معينة. يزداد الصراع لأن الأفراد والجماعات لديهم قيم وأولويات ومصالح وآمال مختلفة. 

الماء مورد هارب. فعندما تتحرك المياه، فإنها لا تولي أي اهتمام للحدود السياسية والصراعات التي تنتج عنها. ويشار إلى هذه الأنواع من النزاعات على أنها قضايا المياه العابرة للحدود. 

 على الرغم من أن معظم النزاعات حول المياه غير عنيفة، إلا أنها لها آثار خطيرة على المجتمع. 

شواهد تاريخية  

وبالرغم من استئثاره بتغطية إعلامية واسعة الا ان مشكلة سد النهضة ليست الأولى من نوعها في العالم. هناك العديد من السدود التي أقيمت وسط نزاعات عابرة للحدود وافضت الى حلول مختلفة.  

فيما يلي نستعرض بعض منها.

سدود نهر ميكونغ 

نهر ميكونغ هو نهر في جنوب شرقي آسيا. يصنف ترتيبه في الطول الثاني عشر في العالم والسابع لأطول أنهار قارة آسيا، حيث يبلغ طوله من منبعه لمصبه 4,350 كم.  

ينبع نهر ميكونغ من هضبة التيبت ويجري عبر أراضي إقليم يونان في الصين ثم في ميانمار و لاوس و تايلاند و كمبوديا، ثم يسير في أراضي فيتنام مكونا دلتا نهر ميكونغ حيث في النهاية يصب في بحر الصين الجنوبي. 

يشهد حوض نهر ميكونغ توسع هائل في بناء السدود لتوليد الطاقة الكهرومائية، خاصة في الصين ولاوس. وقد أدى ذلك إلى توترات دبلوماسية حيث تخشى دول المصب مثل كامبوديا وفيتنام من الآثار السلبية التي قد تحدثها السدود، سواء من فيضانات كبيرة او نقص موسمي في المياه أو تهديد للثروة السمكية. وقد نشأت لجنة نهر ميكونغ بين الأطراف المعنية لمحاولة حل هذه التوترات ولكن كانت صلاحيتها  محدودة حتى الآن بسبب افتقارها إلى سلطات الإنفاذ وإحجام الصين عن الانضمام كعضو كامل العضوية.  

سد أتاتورك  

هو سد على مجرى نهر الفرات يقع في تركيا، ويعد واحد من أكبر السدود في العالم. وبدأ بناءه عام 1983 وانجز عام 1992 واعترضت وقتها العراق وسوريا باعتبارهما دول مصب لنهر الفرات.  

وقد صنع السد بحيرة صناعية تبلغ مساحتها 817 كم2 ويبلغ حجم المياه المجمعة في السد قرابة 48 مليار متر مكعب ويتواجد على السد ثماني توربينات لتوليد الكهرباء بقدرة 2,400 ميغاواط. 

والفرات هو أحد الأنهار الكبيرة جنوب غرب آسيا، وينبع النهر من جبال طوروس في تركيا ويتكون من نهرين، والنهران يجريان في اتجاه الغرب ثم يجتمعان فتجري مياههما جنوبا مخترقة سلسلة جبال طوروس الجنوبية. ثم يجري النهر إلى الجنوب الشرقي وتنضم إليه فروع عديدة قبل مروره في الأراضي السورية، ثم يجري في الأراضي العراقية ويلتقي بنهر دجلة  ليكون شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.  

 من أهم النصوص القانونية المتعلقة بمياه نظام نهري دجلة والفرات هو البروتوكول الملحق بمعاهدة الصداقة وعلاقات حسن الجوار لعام 1946 بين العراق وتركيا.  ووقعت سوريا وتركيا عام1987 على اتفاقية مؤقتة لتقاسم مياه نهر الفرات. وفي عام 1980، شكلت تركيا والعراق لجنة مشتركة لإدارة القضايا الناتجة عن السد، والتي انضمت إليها سوريا لاحقًا في عام 1982.  

في منتصف يناير 1990، عندما اكتملت المرحلة الأولى من السد، أوقفت تركيا تدفق نهر الفرات بالكامل بإغلاق السد لمدة شهر لبدء ملء الخزان. وكانت تركيا قد أخطرت سوريا والعراق بحلول نوفمبر 1989 بقرارها ملء الخزان على مدى شهر موضحة الأسباب الفنية وقدمت برنامج مفصل لتعويض الخسائر.  

واحتجت سوريا والعراق بشدة، حيث قطع سد أتاتورك التدفق من نهر الفرات بنحو الثلث. 

حتى اليوم تقول سوريا والعراق أنهما تعانيان من نقص حاد في المياه بسبب تطوير السد.  وتنفي تركيا هذه المزاعم، وتصر على أنها زودت جيرانها الجنوبيين بالحد الأدنى الموعود به وهو 500 متر مكعب / ثانية، وتجادل بأن العراق وسوريا يستفيدان في الواقع من المياه المنظمة بواسطة السدود لأنها تحمي البلدان الثلاثة من الجفاف والفيضانات الموسمية. 

سدود جلجل  

سدود جلجل هي مجموعة من السدود التي اقامتها إثيوبيا على نهر أومو، ونهر أومو  هو نهر هام في جنوب إثيوبيا، ويصب في بحيرة توركانا على الحدود مع كينيا.  

 وبحيرة توركانا، التي كانت تُعرف سابقًا باسم بحيرة رودولف، هي بحيرة تقع في شمال كينيا، مع عبور أقصى شمالها إلى إثيوبيا. 

تتمحور الخطة الرئيسية حول انشاء 5 سدود تقول اثيوبيا ان الهدف منها هو توليد الطاقة الكهربائية. في عام 2010 انتهت اثيوبيا من بناء سدي جيبي الأول وجيبي الثاني ونفذتها شركة ساليني الإيطالية المسؤولة الآن عن سد النهضة. وهذه السدود أصغر حجما من سد النهضة نظرا لصغر النهر مقارنة بالنيل الأزرق.  

وفي عام 2016، افتتحت اثيوبيا سد جيبي الثالث والذي يعتبر ثالث أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا مع قدرة لتوليد الطاقة الكهربائية تبلغ 1,870 ميجا واط باستثمارات بلغت 1.5 مليار يورو.  

وكانت كينيا قد تقدمت بشكوى إلى الجهات الدولية ومن ثم امتنع البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأفريقي عن تمويل السد، ولكن إثيوبيا أصرت على موقفها متهمة الدول بعرقلة النمو.   

بعد مفاوضات حصلت إثيوبيا على قرض صيني وبدأت في استكمال خطتها وبعدها وافق  البنك الدولي والبنك الأفريقي على تمويل خطوط لنقل الكهرباء في إثيوبيا والذي اعتبر تمويل للسد بشكل غير مباشر.

كانت تلك السدود لها أثر سلبي على كينيا وتحديدًا على بحيرة توركانا، والتي تعتمد بنسبة 90% على نهر أومو الذي تم بناء السد عليه.

خاتمة  

تنص الأعراف والقوانين الدولية على انه في الأنهار الدولية يجب مراعاة ألا يكون تحقيق فائدة دولة على حساب اضرار دولة أخرى، ومن المهم التوفيق بين مصالح الدول المشاركة في النهر الواحد، مع مراعاة قواعد القانون الدولي الحاكمة لأعمال التنمية على الأنهار الدولية المشتركة. 

كلام قد يبدو جميل في الكتب، الا انه لا يتطابق مع الواقع وفي الجزء الثالث والأخير، نناقش مستقبل السدود في العالم.  

 

* المقال الجزء الثاني من سلسلة مقالات تناقش مشكلة وأبعاد أزمة سد النهضة. لقراءة الجزء الأول، أضغط هنا 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام