يوم بعد الآخر تتفاقم الأزمة التي يعانيها لبنان لتزداد تعقيدا وتعمق بذلك الصعوبات التي يعيشها اللبنانيون، ويصبح الحل بدوره أكثر بعدا عن المنال ليقترب لبنان وبشدة من "انفجار" وشيك. 

ففي الأيام القليلة الماضية هبطت الليرة اللبنانية لمستوى قياسي جديد قارب الـ 15 الف ليرة للدولار الواحد. فيما أعلن وزير المالية اللبناني اعتزام الحكومة تخفيض دعم المواد الغذائية والبنزين في المستقبل القريب، بالتزامن مع تأزم الخلاف السياسي بين مؤسسة الرئاسة ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري حول تشكيل الحكومة الجديدة لإنقاذ البلاد من أزمتها.

"نحن في صلب انهيار تام وعلى وشك الانفجار" هكذا وصف سامي نادر مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية الوضع في لبنان حاليا في حديث مع زاوية عربي اليوم الخميس.

أزمة تشكيل الحكومة 

قال نادر إن تأخر تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان "له أثر كبير جدا"، معتبرا أن "أخطر ما في الوضع الآن هو أنه لا حل في الأفق ولا خطوة على الحد الأدنى تجاه الحل".

ومنذ استقالة حكومة حسان دياب في أغسطس الماضي على خلفية انفجار مرفأ بيروت لم تتشكل الحكومة الجديدة حتى بعد تكليف سعد الحريري في أكتوبر الماضي بتأليف الحكومة، ويرجع هذا بالأساس إلى خلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري حول مكونات التشكيل.

وشهد أمس الأربعاء أحدث حلقة من ذلك الخلاف، إذ طالب عون الحريري بترك منصبه في حال عجَز عن تشكيل حكومة إنقاذ تتصدى للوضع "الخطير" بالبلاد، داعيا إياه إلى الحضور إلى القصر ليضعا التشكيل سويا. لكن الحريري رد عليه قائلا إنه سيلبي الدعوة بالذهاب إلى القصر، لكنها ستكون المرة الـ 17 التي يجتمع فيها الاثنان لبحث تلك القضية.

وقال نادر إن تفاقم الأزمة "قد يطيح ليس فقط بالدولة بل بالكيان اللبناني" ككل، مستبعدا تشكيل الحكومة في المدى القريب.

ورأى أن أزمة تشكيل الحكومة ما هي إلا "غطاء للمشكلة الأساسية المتمثلة في انسداد على مستوى الصراع الإقليمي مع إيران"، مضيفا أنه ليس هناك من أفق للتسوية مع إيران "وبالتالي لبنان الذي تمسك به إيران كورقة تفاوض هو في حال الانتظار حتى الاحتضار".

ليست "أي حكومة"

ومن جانب آخر، أشار نادر إلى أن الحل ليس في تشكيل "أي حكومة" ولكن حكومة قادرة على تحرير المساعدات الدولية من أجل لبنان عبر الحصول على قبول المجتمع الدولي.

لكنه قال إن المشكلة في ذلك الأمر هو أن القوة المهيمنة في لبنان وهي حزب الله يصر على أن يُمثَّل في الحكومة لكن "الدول المانحة من الخليج العربي إلى دول أوروبية وواشنطن صنفت حزب الله كمنظمة إرهابية ولا تريد مساعدة حكومة يسيطر عليها أو يحركها حزب الله".

وحزب الله هو جماعة شيعية مسلحة في لبنان مدعومة من إيران وله جناح عسكري، تصنفه العديد من الدول الأوروبية من بينها بريطانيا وهولندا والنمسا وسلوفينيا كـ "منظمة إرهابية". ويعادي حزب الله إسرائيل وشارك في الحرب السورية دعما لنظام الأسد.

واعتبر المحلل أن تشكيل الحكومة مرهون بموافقة حزب الله قائلا "لو أراد حزب الله تشكيل حكومة لأعطى الضوء الأخضر ولضغط على حلفائه من أجل القبول … كان يمكن الضغط على رئيس الجمهورية لقبول التشكيل المقدم من الحريري لو كانت هناك نية لذلك". 

"تضخم جامح"

"تضخم جامح" هذا ما توقعه المحلل السياسي مستقبلا في حال تطبيق الخطة التي أعلنها وزير المالية اللبناني يوم الثلاثاء الممثلة في تخفيض الدعم الحكومي للمواد الغذائية والبنزين. 

وكان الوزير غازي وزني قال، في مقابلة مع بلومبرغ، إن لبنان يعتزم خفض دعم المواد الغذائية، وزيادة أسعار البنزين للحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة، إذ سيزيد أسعار الوقود تدريجيا خلال الأشهر المقبلة.

وهوت الاحتياطات الأجنبية لدى مصرف لبنان المركزي من نحو 30 مليار دولار قبل عام إلى 16 مليار دولار حاليا، منها مليار إلى 1.5 مليار دولار فقط يمكن استخدامها لتمويل الدعم، وهو ما يكفي لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، وفق الوزير.

وقال نادر إن "تخفيض الدعم سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، نحن مقبلون على تضخم جامح وهذا سيسرع الانفجار الاجتماعي".

وبلغ معدل التضخم السنوي في لبنان 84.9% في عام 2020، مقارنة بـ 2.9% فقط في عام 2019، وهو الأعلى منذ عام 2013.

 "صندوق النقد هو الحل"

رأى المحلل السياسي أنه يوجد لحل الأزمة الاقتصادية "سبيل واحد لا غير وهو توقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي"، مرجعا ذلك إلى عدة أسباب هي:

أولا: حاجة لبنان الماسة إلى ضخ سيولة على المدى القريب للغاية من أجل تأمين حاجات البلد الأساسية وتفادي الانفجار الشامل.

ثانيا: أن كل الدول المانحة سواء أوروبية أو عربية مثل الإمارات والسعودية أو الولايات المتحدة تقول إنها ستساعد لبنان عبر صندوق النقد الدولي لأنهم يريدون ربط المساعدات بالإصلاحات.

ثالثا: معالجة الأزمة اللبنانية تستلزم خبرة تقنية لأن الأزمة مركبة فهي ثلاث أزمات في واحدة فهي أزمة المالية العامة، وأزمة القطاع المصرفي الذي يجب إعادة إصلاحه وتنظيمه، وأزمة مصرف لبنان المركزي. 

وأشار المحلل إلى أن توقيع اتفاق مع صندوق النقد "سيشكل عامل ثقة بالنسبة للدول المانحة وللمستثمر في الخارج".

(إعداد: مريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي) 

(تحرير أحمد فتيحة للتواصل: ahmed.feteha@refinitiv.com)

سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام