أبوظبي: كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة ريدنغ في المملكة المتحدة وبدعم من المركز الوطني للأرصاد من خلال برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار أن إطلاق الشحنات الكهربائية في الضباب يمكن أن يساعد في تغيير سلوك قطرات الماء، وبالتالي زيادة فرص هطول الأمطار.

جاءت هذه الدراسة ضمن المشروع البحثي الحاصل على منحة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار في دورته الثانية بقيادة جايلز هاريسون أستاذ فيزياء الغلاف الجوي في جامعة ريدنغ؛ حيث أظهرت تجاربها العملية ولأول مرة أن إطلاق الشحنات في الضباب أدى إلى تغيرات ملحوظة في حجم وعدد قطيرات الضباب، حيث نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة رسائل البحوث الجيوفيزيائية.

ومن جانبه، قال سعادة الدكتور عبد الله المندوس، مدير المركز الوطني للأرصاد رئيس الاتحاد الأسيوي للأرصاد الجوية: "نحن سعداء بما أحرزه البروفيسور هاريسون وفريقه ونتطلع إلى الاستمرار في تطبيق نتائج بحثه."

وأضاف سعادته أن المركز الوطني للأرصاد، من خلال برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، يواصل تقديم كافة أشكال الدعم للمجتمع البحثي في مجال علوم الاستمطار، ويتبنى منهجاً بحثياً قائماً على التجربة بهدف تطوير تقنيات مبتكرة وبناء قدرات جديدة تساهم في تحقيق نتائج ملموسة قابلة للتطبيق على نطاق أوسع.

تأتي هذه الدراسة في الوقت الذي يعيش فيه حوالي 2.3 مليار إنسان في بلدان تعاني من الإجهاد المائي وفقًا للأمم المتحدة، مما يجعل البحث حول خصائص السحب وتأثيرها على هطول الأمطار مفيداً لتجنب الصراع على المياه، والحد من استخدام التقنيات التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة في عملية تحلية مياه البحر، فضلاً عن تأمين إمدادات كافية من المياه لجميع سكان العالم.

وتمثل هذه التجارب استكمالاً لنتائج أبحاث سابقة تمت باستخدام حاسوب فائق لمحاكاة كيفية تأثير الشحنات الكهربائية على تشكل قطرات المطر، من خلال تحفيز نمو قطيرات الماء، ووردت نتائجها في مجلة وقائع الجمعية الملكية.

وحصل كل من جايلز هاريسون ومارتن أمباوم وكيري نيكول من قسم الأرصاد الجوية في جامعة ريدنغ على منحة الدورة الثانية لبرنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار بقيمة 1.5 مليون دولار في عام 2017 وذلك لمشروعهم البحثي حول "المفاهيم الكهربائية لتحفيز هطول الأمطار".

وقال البروفسور جايلز هاريسون، أستاذ فيزياء الغلاف الجوي في جامعة ريدنغ: "نحن سعداء بما توصلنا إليه من نتائج هامة بعد خمس سنوات من البحث والدراسة حول مدى تأثر القطيرات بالشحنات الكهربائية، والتي تشمل القياسات الميدانية والمحاكاة الحاسوبية وتطوير التكنولوجيا الجديدة."

وأضاف: "إنه لأمر مثمر للغاية أن نعمل مع نخبة من العلماء الدوليين ضمن هذا البرنامج الطموح الذي يقوده المركز الوطني للأرصاد في دولة الإمارات، وقد أظهرت تجاربنا الأخيرة كيفية استخدام الطائرات الصغيرة لإطلاق الشحنات الكهربائية للتأثير على سلوك قطرات الماء."

وكجزء من هذه الدراسة، وفي مارس 2021، نفذ برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار حملة بحثية حول تأثير الشحنات الكهربائية في تعديل سلوك قطيرات السحب في بيئة دولة الإمارات، للاستفادة من نتائجها لزيادة معدلات الأمطار في المناطق الجافة وشبه الجافة حول العالم. واستخدمت الحملة الطائرات بدون طيار التي حلقت على ارتفاعات منخفضة لإطلاق شحنات حول عمود أرصاد جوية مزود بأداة حقل كهربائي لأخذ البيانات المتعلقة بالشحنات.

ومن جهتها قالت علياء المزروعي، مديرة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار: "يأتي دعمنا لمشروع البروفيسور هاريسون من منطلق حرصنا على الاستفادة من الخبرات المشتركة والمساهمة في تحقيق أهداف هذا المشروع المبتكر في التوصل إلى بناء قاعدة معرفية جديدة ومساعدة المناطق التي تعاني من شح المياه في جميع أنحاء العالم."

وأضافت المزروعي أن المركز الوطني للأرصاد من خلال برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار يعمل كمركز عالمي لعلوم وبحوث الاستمطار من خلال تعزيز الشراكات البحثية الدولية وتبادل الأفكار المبتكرة ودعم أفضل البحوث والتقنيات التي من شأنها تقديم إضافة نوعية في مجال الاستمطار.

كيف أجريت التجارب؟

أجرى البروفيسور هاريسون وفريقه الذي ضم نخبة من المهندسين الميكانيكيين والكهربائيين من جامعة باث، تجربتين عملية لإطلاق الشحنات الكهربائية في الضباب.

وتمت التجربة الأولى في مزرعة الجامعة في سونينغ في بيركشاير عام 2020، حيث قام الفريق بإطلاق الشحنة في الضباب بواسطة مجموعة ثابتة من أدوات الإطلاق.

ولاحظ الفريق ازدياد قطيرات الماء عند إطلاق الشحنة، حسبما ورد في مجلة المراجعة الفيزيائية للبحوث.

وفي عام 2021، سافر الفريق إلى مزرعة في بلدة سومرست لتشغيل طائرة بدون طيار تم تطويرها خصيصًا لهذا الغرض وتعمل بالبطاريات، وورد وصفها في مجلة تكنولوجيا الغلاف الجوي والمحيطات الصادرة عن الجمعية الأمريكية للأرصاد الجوية.

وقد حلّقت الطائرة بدون طيار بشكل دائري فوق ضبابٍ منخفض المستوى وأطلقت شحنات موجبة وسالبة منفصلة ومجتمعة.

ولوحظ تشكّل المزيد من قطيرات الماء لدى إطلاق الشحنات الموجبة أو السالبة بشكل منفصل. وفي المقابل، لم يلاحظ أي تأثير على الضباب عند إطلاق كل من الشحنة الموجبة والسالبة معًا.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام طائرة بدون طيار لكهربة الضباب بهدف تغيير سلوك قطيرات الماء التي يتكون منها.

ما أهمية هذا البحث؟

تشير النتائج الأخرى للبرنامج البحثي إلى أنه يمكن تحفيز هطول الأمطار من خلال شحن أحجام محددة من قطيرات الماء الموجودة بشكل طبيعي في السحب.

وهذا من شأنه أن يساعد المناطق الجافة مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من مشكلة شح المياه. واستهدفت الحملة الميدانية التي نفذها فريق المشروع دراسة هطول الأمطار الصحراوية وآثار نسائم البحر في الخليج، وإرسال بالونات طقسٍ مزودة بأدوات قياس الضباب في أبوظبي. وقد نُشرت نتائج هذه الحملة في مجلة رسائل أبحاث الغلاف الجوي والبيئة.

وتأسس برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار الذي يشرف عليه المركز الوطني للأرصاد في دولة الإمارات بهدف المساهمة في معالجة التحديات الملحة في مجال الأمن المائي.

ووفقًا لليونيسف، يمكن أن تؤدي ندرة المياه إلى نزوح حوالي 700 مليون شخص عن مواطنهم بحلول عام 2030.

ويقول الصندوق العالمي للحياة البرية إن نحو 2.4 مليون شخصاً حول العالم يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي، مما يعرضهم للأمراض التي تنقلها المياه مثل الكوليرا والتيفوئيد.

كما أن الطائرات بدون طيار المستخدمة في تجارب إطلاق الشحنات لا تشكل مصدراً للتلوث الهوائي كونها تعمل بالبطاريات، ناهيك أن الشحنة المنبعثة تتبدد بشكل طبيعي، مما يجعل طريقة تعديل الطقس التي طورها البروفيسور هاريسون وفريقه أكثر ملاءمة للبيئة فضلاً عن إمكانية تطبيقها في مواقع متعددة بشكل تلقائي.

#بياناتشركات

- انتهى -