في 12 نوفمبر، قام البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة الأساسية للمرة الثانية على التوالي بـ 0.5% لتصل إلى 9.25% للإقراض و8.25% للإيداع لليلة واحدة. وقد جاء الخفض متماشياً مع توقع عام في السوق، حيث تجتمع أركان الفرصة المثالية لخفض في أسعار الفائدة دون تنازلات تذكر. ونسلط هنا الضوء على قرار المركزي من جوانبه المختلفة.

ما هي أسباب المركزي التي دعمت قراره؟

  • تضخم هادئ، رغم الزيادة الأخيرة: سجل معدل التضخم السنوي في حضر مصر 4.5% في أكتوبر، مرتفعاً من 3.7% و3.4%، إلا أن هذا الارتفاع قد جاء من بند الأغذية والمشروبات الذي سجل معدلات أعلى في قيمتها خلال سبتمبر وأكتوبر (وإن ظلت سالبة). بينما احتفظ معدل التضخم الأساسي – الذي يقوم باستبعاد السلع عالية التذبذب والسلع المحدد أسعارها إدارياً – باستقرار نسبي، مسجلاً 3.9% في أكتوبر مرتفعاً من 3.3% في سبتمبر. تلك الأرقام التي رآها المركزي دليلاً على عدم وجود ضغوط مستمرة أو بموجة تضخمية في الأفق.
  • هدوء التضخم ليس الأهم، ولكن التوقعات باستمراره هو ما يعنينا: حيث يعتمد قرار مصير أسعار الفائدة بشكل كبير ليس فقط على معدلات التضخم الحالية، وإنما على توقعات التضخم خلال الفترة المقبلة. وقال المركزي أن التوقعات تشير إلى بقاء معدل التضخم في أرقام أحادية منخفضة خلال الربع الرابع من العام الحالي 2020، ربما لا تتجاوز الـ 6% خلال المدى القريب.
  • معدل النمو الاقتصادي لا يزال يعاني أعراض كوفيد-19: وفق البنك المركزي، تشير المؤشرات الأولية إلى معدل نمو اقتصادي حوالي 3.6% خلال العام المالي 20/2019 (يوليو 2019 – يونيو 2020)، منخفضاً من 5.6% في العام المالي السابق، حيث تأثر النمو الاقتصادي بشكل كبير بتراجع الاستثمارات بالذات، وهو ما انعكس على ارتفاع معدل البطالة بعد أن كان انخفض بشكل ملحوظ في فترة سابقة. وبالرغم من كل هذا، يشير المركزي أن المؤشرات الأولية للربع الثالث عام 2020 تشي ببعض التعافي وإن كان الوقت لازال مبكراً لنحكم.

أبعد من ذلك...

وبعيداً عن الأسباب المعروفة، نرى أن البنك المركزي أحسن استغلال الفرصة الحالية التي اجتمعت فيها عوامل عدة قلما تجتمع سوياً، لتجعل التيشير النقدي (خفض الفائدة باختصار) قرار مناسب وبلا تكلفة تذكر.

ففائدة أقل تعني تكلفة ائتمان أقل وهو قد يكون عاملاً مشجعاً بعض الشيء للاستثمار وتمويل التوسعات للقطاع الخاص، وهو أمر يحتاجه الاقتصاد المصري بشدة بشكل عام وليس فقط أثناء أوقات الجائحة. من ناحية أخرى وهي بالغة الأهمية، تقل تكلفة الاقتراض الحكومي المحلي، أي اقتراض الحكومة من الجهاز المصري يصبح بفائدة أقل، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على الموازنة العامة للدولة التي تتجاوز فيها الفوائد ثلث إجمالي الإنفاق العام.. وهو ما يعني توفير قدر أكبر من الموارد لأوجه ذات أولوية أعلى.

تلك الأوجه الإيجابية للتيسير النقدي في الحالة المصرية يحاول المركزي بقراره - الذي نراه صائباً في توقيته واتجاهه – تحقيقها، في ظل أجواء عامة مواتية حيث أن البيئة النقدية العالمية لا تثير أية مخاوف بشأن هروب رأس المال الأجنبي من سوق أدوان الدين المحلية، حيث أن العائد الحقيقي على أدوات الدين المصرية لا يزال منافساً وبقوة في ظل الظروف العالمية الحالية. لذا، نرى قرار المركزي هو بمثابة اقتناص فرصة حصد عدة طيور بحجر واحد في توقيت منناسب جداً.

لقراة مقالات سابقة لإسراء:

أداء متباين للقطاع الخاص في السعودية والإمارات، المخاوف واحدة.. 

(إعداد: إسراء أحمد، وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي وتستخدم لغة عربية بسيطة.

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.

© ZAWYA 2020

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام