تعافت أفغانستان تدريجياً من عقود من الصراع.

قبل عام 2014، كان الاقتصاد قد حافظ على ما يقرب من عقد من النمو القوي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المساعدات الدولية. وعلى الرغم من التحسينات في متوسط العمر المتوقع والدخل ومحو الأمية منذ عام 2001، فإن أفغانستان فقيرة للغاية وغير ساحلية وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.

نبذة تاريخية: الكثير من الحرب والقليل من الاقتصاد 

شرعت أفغانستان في برنامج تنمية اقتصادية متواضع في الثلاثينات. أسست الحكومة البنوك، وقدمت النقود الورقية، أنشأت جامعة، بالإضافة الى توسيع المدارس الابتدائية والثانوية والفنية؛ وأرسل الطلاب إلى الخارج للتعليم. في عام 1952، أنشأت سلطة وادي هلمند لإدارة التنمية الاقتصادية من خلال الري وتنمية الأراضي.

في عام 1956، أصدرت الحكومة سلسلة طويلة من خطط التنمية الطموحة. ولكن بحلول أواخر سبعينيات القرن الماضي، حققت هذه الخطط نتائج متواضعة جدا بسبب عيوب في عملية التخطيط بالإضافة إلى عدم كفاية التمويل ونقص المديرين المهرة والفنيين اللازمين للتنفيذ. 

في أبريل 1978، استولى الحزب الشيوعي الديمقراطي الشعبي لأفغانستان (PDPA) على السلطة في انقلاب دموي وأعلن عن إنشاء جمهورية أفغانستان الديمقراطية. بدأ النظام الجديد العديد من تأميم الأراضي وإعادة توزيعها  التي أثارت معارضة قوية، في حين قمع المنشقين السياسيين بوحشية. تسبب هذا في اضطرابات وسرعان ما توسعت إلى حرب أهلية بحلول عام 1979، شنها مجاهدو حرب العصابات ضد قوات النظام في جميع أنحاء البلاد. 

في سبتمبر 1979، تدهور الوضع إثر انقلاب داخل الحزب الشيوعي الديمقراطي الشعبي، وغزا الجيش السوفيتي البلاد بعد أن شعر بالانزعاج من الحكومة الجديدة في ديسمبر 1979.

دعمت الولايات المتحدة وباكستان، جنبًا إلى جنب مع جهات فاعلة مثل المملكة العربية السعودية والصين، المتمردين، حيث قدمت مليارات الدولارات نقدًا وأسلحة ليحاربوا السوفيت. وتسببت الحرب التي استمرت تسع سنوات في مقتل حوالي 2 مليون أفغاني، ونزوح حوالي 6 ملايين شخص فروا بشكل أساسي إلى باكستان وإيران. 

بعد الانسحاب السوفيتي عام 1989، نشبت الحرب الأهلية حتى انهار النظام الشيوعي بقيادة زعيم حزب الشعب الديمقراطي محمد نجيب الله في  1992، واندلعت حرب أهلية أخرى بعد تشكيل حكومة ائتلافية بين قادة مختلف فصائل المجاهدين. وسط حالة من الفوضى والاقتتال بين الفصائل.

 ظهرت حركة طالبان - والتي تعني الطلاب -  في سبتمبر 1994 كحركة وميليشيا من الطلاب من المدارس الإسلامية في باكستان وسرعان ما حصلوا على دعم عسكري من باكستان. بعد أن سيطروا على مدينة قندهار في ذلك العام، واحتلوا المزيد من الأراضي حتى طردوا أخيرًا الحكومة من كابول في عام 1996 وأقاموا إمارة نالت وقتها اعتراف دولي من ثلاث دول فقط وهم باكستان والسعودية والإمارات.

في أكتوبر 2001، غزت الولايات المتحدة أفغانستان لإزاحة طالبان من السلطة بعد أن رفضوا تسليم أسامة بن لادن، المشتبه به الرئيسي في هجمات 11 سبتمبر، والذي كان "ضيف"  طالبان وكان يدير تنظيم القاعدة.  قصفت القوات الأمريكية والبريطانية معسكرات تدريب القاعدة، وبعد ذلك عملت مع تحالف الشمال المناهض لطالبان، و انتهى نظام طالبان عام 2001. 

هذا هو التاريخ، أما الآن كيف يبدو الحاضر؟

الدولة ضعيفة 

يعاني اقتصاد أفغانستان من الهشاشة والاعتماد على المساعدات، وتعد مستويات المعيشة من بين أدنى المستويات في العالم. لا يزال الكثير من السكان يعانون من نقص المساكن والمياه النظيفة، والكهرباء، والرعاية الطبية، والوظائف. ويشكل الفساد وانعدام الأمن والحوكمة الضعيفة والافتقار إلى البنية التحتية وصعوبة الحكومة الأفغانية في بسط سيادة القانون إلى جميع أنحاء البلاد تحديات أمام النمو الاقتصادي في المستقبل. 

وكذلك تنعكس القدرة التنافسية الضعيفة على عجز تجاري هيكلي، يعادل حوالي 30 % من الناتج المحلي الإجمالي، يتم تمويله بالكامل تقريبًا من تدفقات المنح الوافدة. كذلك، يبلغ إجمالي الإنفاق العام حوالي 57 % من الناتج المحلي الإجمالي ويتم تمويل اغلبه (حوالي 75 %) عبر المنح والمساعدات الدولية.

والجدير بالذكر ان الاقتصاد غير المشروع يمثل جزء كبيرً من الإنتاج والصادرات والعمالة، ويشمل إنتاج الأفيون والتهريب والتعدين غير القانوني، بحسب البنك الدولي.

القطاع الخاص يعاني 

القطاع الخاص ضعيف للغاية، وتعتمد العمالة بشكل كبير على الزراعة المنخفضة الإنتاجية، حيث يقدر البنك الدولي ان 44% من إجمالي القوى العاملة يعمل في الزراعة و60% من الأسر تحصل على بعض الدخل من الزراعة. تواجه تنمية وتنويع القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال صعوبات عديدة، حيث تقيد المؤسسات وحقوق الملكية الضعيفة وضع الشمول المالي والوصول إلى التمويل، ويقدر البنك الدولي ان الائتمان الممنوح للقطاع الخاص يشكل فقط 3% من إجمالي الناتج المحلي.


نمو.. فتباطؤ 

مع تدفق المساعدات منذ عام 2002، حافظت أفغانستان على النمو الاقتصادي السريع والتحسينات مقابل المؤشرات الاجتماعية الهامة لأكثر من عقد من الزمان. بلغ متوسط النمو السنوي 9.4% بين عامي 2003 و2012، مدفوعًا بقطاع الخدمات المزدهر الذي حركته المعونات، والنمو الزراعي القوي. 

منذ ذلك الحين، أدت مجموعة من العوامل إلى تباطؤ التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وبلغ نمو الاقتصاد 2.5 % فقط سنويًا بين 2015-2020، وتباطأت معه المكاسب في مؤشرات التنمية. انخفضت تدفقات المعونة من حوالي 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 إلى 42.9% من إجمالي الناتج المحلي في 2020 نتيجة انخفاض عدد القوات الدولية من أكثر من 130 ألف في عام 2011، إلى حوالي 15 ألف بحلول نهاية عام 2014، ثم إلى حوالي 10 آلاف جندي اليوم.

 أدى انخفاض المنح إلى انكماش كبير وطويل الأمد في قطاع الخدمات، مع ما يصاحب ذلك من تدهور في التوظيف والدخل. وزاد الطين بلة تدهور الوضع الأمني، مع سيطرة تمرد طالبان على الأراضي المتزايد وتكثيف الهجمات على الأهداف العسكرية والمدنية، حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين أكثر من 10,000 في السنة بين عامي 2014 و2019. وقد تفاقمت آثار تراجع المنح وتدهور الأمن بسبب عدم الاستقرار السياسي في أعقاب النتائج المتنازع عليها للانتخابات الرئاسية 2014. 

وبحسب تقرير لبنك التنمية الآسيوي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقدر بـ 5% في عام 2020 حيث أدت تدابير احتواء فيروس كورونا إلى تفاقم الأثر الاقتصادي للعنف المستمر وعدم الاستقرار السياسي.  كذلك تضاعف التضخم من 2.3% في 2019 إلى 5.6% في 2020 مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية. قُدر تضخم أسعار المواد الغذائية في عام 2020 بنسبة 10% مع أعلى ارتفاع مسجل في أبريل، عندما أدى إغلاق الحدود وشراء الذعر إلى دفعها إلى 16.6%. 

طالبان والمجهول 

 تواجه أفغانستان الآن تحديات رهيبة في الحفاظ على مكاسب التنمية الأخيرة في مواجهة تصاعد الشكوك السياسية، وتراجع دعم المنح الدولية، واستمرار انعدام الأمن. يتم تضييق خيارات السياسات بسبب ضعف قدرة الوكالات الحكومية على التنفيذ، مما يعكس قيود الحوكمة، وخيارات سياسة الاقتصاد الكلي المقيدة بشدة في سياق تضييق الحيز المالي وضعف آليات التحويل النقدي.

كذلك لا تزال هناك أخطار، بما في ذلك تنفيذ التطعيمات في المناطق النائية وغير الآمنة، والصراع، والجريمة، والفساد، وعدم الاستقرار السياسي، والهشاشة الاجتماعية الأوسع. إذا لم يتم التعامل معها، فقد تثقل كاهل الاقتصاد وتعوق الانتعاش.

ويعد دعم تعافي المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تضررت بشدة من الوباء أمر محوري لحماية دخول العمال وسبل عيشهم. قبل الوباء، كان من المقدر أن توفر المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ما يقرب من 1.6 مليون وظيفة في الخدمات والصناعة، قبل كورونا، بحسب تقرير بنك التنمية الآسيوي. 

لتحسين بيئة الأعمال، يجب على أفغانستان تسهيل وصول المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى الأسواق من خلال تطوير البنية التحتية، وتحسين الأمن، ومكافحة الفساد، وتبسيط اللوائح، وتعزيز حقوق الملكية وإنفاذ العقود، وتشجيع الابتكار ومهارات العمل الأفضل. إن زيادة الوصول إلى الائتمان وزيادة توسيع القطاع المصرفي الرسمي أمر بالغ الأهمية أيضًا.

كل ذلك كان ممكن قبل أيام قليلة. اما اليوم ومع دخول حركة طالبان كابول وسيطرتها رسميا على البلاد، يدخل الاقتصاد الأفغاني مرحلة المجهول، بانتظار السياسات الاقتصادية الكلية التي ستتبعها طالبان، ومصير المساعدات والتعهدات الدولية عقب اتفاقية الدوحة الموقعة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير 2020. 

(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)  

 

 

 

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام