الدورات الفائقة للسلع الأساسية هي فترات تمتد لعقد من الزمن يتم فيها تداول السلع بأسعار أعلى من معدلاتها.

ويرى بعض محللي السوق دلائل على بدء دورة فائقة جديدة الآن، مما قد يعني أو يؤشر على ضعف قادم للدولار واستمرار البنوك المركزية للحوافز المالية الموجهة نحو الإنفاق على البنية التحتية وكذلك الطاقة المتجددة.  

كيف تشكلت آخر دورة فائقة؟ 

آخر دورة فائقة شهدناها كانت لمجموعة دول ال "BRIC" والتي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين أو مايعادل 2.6 مليار شخص في عام 2000، حوالي 40% من سكان العالم.

وكانت هذه الدول تسير على طريق التصنيع السريع، الأمر الذي يتطلب كمية غير مسبوقة من المواد الخام والمواد الغذائية والطاقة.

استمرت الدورة لأكثر من 10 سنوات، بدءًا من مطلع الألفية وحتى عام 2010. بدأت طفرة السلع تظهر علامات التباطؤ عندما أدت الأزمة المالية الكبرى وأزمة اليورو اللاحقة إلى اضطراب الأسواق في عامي 2008 و2011. وتوقفت أخيرًا عندما هدأ الاقتصاد الصيني في عام 2015. 

ضعف الدولار  

من الناحية الاقتصادية، غالبًا ما يؤدي ضعف الدولار إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. اذ، غالبًا ما يتم تسعير المواد الخام بالدولار الأمريكي، لذلك يحتاج المنتج إلى تعديل الأسعار لأعلى لتعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج. ومن جانب الطلب، يعني انخفاض الدولار الأمريكي، مع تساوي كل شيء آخر، أن السلع أصبحت أرخص بالنسبة للدول المستوردة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب. 

كانت آخر دورة فائقة مدعومة بتآكل الدولار الأمريكي. وحدث ذلك مع ثورة الإنترنت في 2001، وقد لامس الدولار في هذه الفترة مستويات منخفضة قياسية في الوقت الذي وصلت فيه أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في صيف عام 2008. ومنذ ذلك الحين، كان الدولار الأمريكي يرتفع حتى بداية كورونا في مارس 2020.

وانخفض الدولار بنحو 7% العام الماضي ولكنه ارتفع 3.5% هذا العام مع توقعات بانخفاضه مجددا بسبب الانتعاش الاقتصادي الذي يتوقع ان تشهده أوروبا وأماكن أخرى. 

سياسة التحفيز الحكومي  

يتم دعم فكرة الدورة العملاقة بشكل أكبر من خلال الطلب المكبوت الذي يمكن إطلاقه بمجرد إعادة فتح الاقتصادات. ويعتقد الكثيرون أن الحكومات لن تتبنى نفس سياسات التقشف التي طبقتها بعد الأزمة المالية الكبرى. والإنفاق الحكومي هو أحد الركائز الأساسية التي تدعم حدوث دورة كبرى. 

في الاتحاد الأوروبي، تأتي حزمة التحفيز المالي البالغة 1.8 تريليون يورو بظل أخضر، مع تخصيص 30% منها لمكافحة تغير المناخ. وفي الولايات المتحدة، تعد إدارة بايدن فاتورة بقيمة 3 تريليونات دولار تستهدف مشاريع البنية التحتية وتغير المناخ.

وقد وعد مصنعو السيارات في أمريكا وأوروبا بالتوقف عن بناء المركبات بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2030 أو 2035. ومن المرجح أن يتم تقديم التزامات أخرى في الأشهر التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ (COP26) والذي سيعقد في جلاسكو في اسكتلندا في نوفمبر. في مواجهة هذا الطلب المتزايد.

ويعتقد بعض من المضاربين على الارتفاع في أسعار السلع أن العرض قد لا يكون قادر على مواكبة ذلك. 

ومن ناحية السلع الأكثر استفادة، قد يظهر سوق جديد تمامًا للمعادن مثل  الليثيوم أو كبريتات النيكل المستخدمة في البطاريات عالية الأداء لدعم الانتقال إلى السيارات الكهربائية.  

ليست الأولى

الدورات الفائقة للسلع الأساسية لا تتكرر كثيرا ولكنها حدثت سابقا. بالعودة إلى قرن من الزمان، كان هناك 3 دورات فائقة بشكل واضح. كان كل منها مرتبط بفترات تغير: التصنيع السريع للولايات المتحدة (1910)، إعادة إعمار ونهضة ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية (1950)، وبالطبع النمو في دول الBRIC في (2000)

 تدعم العديد من النقاط المذكورة أعلاه فكرة بدء دورة جديدة الآن، ولكن قد يكون من السابق لأوانه الجزم بذلك. 

 

 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام