10 03 2017

ليس لدى دول الخليج العربي خبرة كافية في استيفاء الضرائب..

قال عدد من الخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال إن فرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5% في البحرين من المتوقع أن يولد ايرادات بنسبة 1.6% من اجمالي الناتج المحلي، لافتين إلى أن معدل الضريبة المنخفض ستكون له آثار سلبية محدودة جداً على الاقتصاد والمستهلكين بشكل عام، كما أنه من غير المرجح أن تؤثر ضريبة القيمة المضافة على الاستثمار الأجنبي المباشر.لكنهم لفتوا إلى أن التحدي الذي يواجه البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي حاليا هو عدم امتلاك البنية التحتية اللازمة والخبرة في إدارة الضرائب، وأشاروا إلى أن الفترة الزمنية القصيرة التي تفصل البحرين عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة المرتقب مطلع العام القادم تستدعي المبادرة الفورية إلى إقامة لقاءات مباشرة مع أصحاب الأعمال لتعريفهم بآلية احتساب هذه الضريبة ومدى تأثيرها على أعمالهم، وأشاروا إلى أن المبادرة إلى إقامة مثل هذه اللقاءات هي مسؤولية الجهات الحكومية المعنية إضافة إلى غرفة التجارة والصناعة بالدرجة الأولى، وليس شركات المحاسبة المالية فقط.

وأكد الخبراء ورجال الأعمال ضرورة وجود جهاز ضريبي حكومي مستقل لمتابعة اجراءات فرض هذه الضريبة وجبايتها، لكنهم حذروا من مغبة تضخم هذا الجهاز وارتفاع كلفته التشغيلية إلى درجة ربما تفوق قيمة الضريبة ذاتها. زيادة الإيرادات ورفع كفاءة النظام الضريبيوقالت غادة عبد الله وهي مساعد باحث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، إن ضريبة القيمة المضافة هي أكثر الضرائب الاستهلاك شيوعاً حول العالم، حيث تطبق هذه الضريبة في أكثر من 150 دولة، وهي أداة فعالة لتحصيل الإيرادات، مقارنة مع البدائل في الضرائب غير المباشرة.
 
وإذا تم تصميمها وتشغيلها بشكل صحيح وفعال يمكن أن تكون تكاليفها الادارية محدودة وتأثيرها على الاعمال التجارية صغير.وأشارت الباحثة عبدالله إلى أن الضرائب الحالية في دول مجلس التعاون الخليجي تتميز بنسب منخفضة والقواعد الضيقة، وعائداتها ليست كافية لضمان استدامة التدفقات المالية في الميزانية. على سبيل المثال، البحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان لديها ضرائب بنسب تقل عن 10? على الفنادق والترفيه، وإيجار العقارات، والخدمات الحكومية. لا يتم فرض ضريبة الدخل الشخصية في دول مجلس التعاون الخليجي، في حين يتم تطبيق الضرائب فقط على الشركات المملوكة من قبل الأجانب. وبالتالي فإن الضرائب الحالية متواضعة ومساهمتها في الميزانية صغير جداً.

يمكن زيادة الايرادات ورفع كفاءة النظام الضريبي عبر فرض ضريبة القيمة المضافة.واشارت إلى أن الايرادات المحتملة من ضريبة القيمة المضافة أعلى من غيرها حيث أنها تفرض على قاعدة واسعة والمجال للتهرب الضريبي يكون أصغر. فمثلاً يمكن للمستهلك تجنب ضريبة المبيعات عبر الشراء بالجملة أو عبر الشراء عن طريق صاحب عمل. ضريبة المبيعات تكون أيضاً مكلفة ادارياً ففي كثير من الاحيان من الصعب تحديد ما اذا كانت السلعة ستستهلك أو ستستخدم في الانتاج. وضريبة القيمة المضافة قد تؤدي أيضاً إلى تشجيع الادخار والاستثمار لأنها ضريبة على الاستهلاك وليست ضريبة على الدخل.

ولفتت إلى وجود مجموعة واسعة من الإصلاحات المتوقعة في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تشمل فرض الضرائب، وتغيرات لزيادة الكفاءة الحكومية، وخصخصة الشركات العامة، وجهود لزيادة الاستثمارات في القطاع الخاص. على سبيل المثال أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرا «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» والتي تتضمن مجموعة متنوعة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل. ولذلك بدأت دول الخليج في خفض الدعم عن الطاقة، فدعم الطاقة يشكل أكثر من 3% من الناتج المحلي في جميع دول مجلس التعاون ويشكل حوالي 10% من الناتج المحلي في المملكة العربية السعودية وفي مملكة البحرين. خفض الدعم يساعد في التقليل من الضغوطات على الميزانية والحد من التشوهات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار الطاقة.سيناريوهات مختلفةمن جانبه قال الدكتور وحيد القاسم الرئيس التنفيذي لجمعية مصارف البحرين إنه مع بداية التطبيق التدريجي لضريبة القيمة المضافة في كل دول مجلس التعاون الخليجي العام القادم، نتوقع أن تشهد القطاعات الاقتصادية تغييرات كبيرة، وأضاف «يجب أن تبدأ الشركات في الخليج العربي بالاعتياد على دفع الضرائب، وعلينا تحضير أنفسنا جيدا استعدادا للتغيرات الكبيرة في الأسواق التي ستتزامن مع فرض هذه الضريبة».

وأشار الدكتور القاسم إلى أن المصارف والمؤسسات المالية من أهم القطاعات التي نعتقد أنها ستواجه تعقيدات تطبيقية جراء فرض ضريبة القيمة المضافة، وهذا ما يستدعي مبادرة تلك المؤسسات إلى تهيئة أنظمتها المحاسبية والإدارية والتجارية والمعلوماتية للتعامل مع هذه الضريبة، وقال إن مسألة فرض ضريبة القيمة المضافة على البنوك الإسلامية هي مسألة معقدة، فهذه البنوك تقدم خدماتها وفق صيغ عديدة من أهمها المرابحة والتأجير التمويلي، وهما تنطويان على بيع سلعة أو خدمة، أي أنهما خاضعتان -نظريا على الأقل- لضريبة القيمة المضافة، وأكد أنه يجب ضمان عدم تأثر الخدمات المصرفية الإسلامية بهذه الضريبة بشكل غير عادل مقارنة بالخدمات المصرفية الأخرى.وأوضح الرئيس التنفيذي لجمعية مصارف البحرين أن البنوك بمختلف أنواعها تأتي في طليعة المؤسسات الاقتصادية المعنية بهذه الضريبة، وذلك بسبب ارتباط عمل البنوك بمختلف القطاعات الاقتصادية مثل التجزئة والعقار والاستثمارات الكبرى وغيرها، وهي قطاعات تتأثر بلا شك بالوضع الاقتصادي العام لناحية الحراك أو الركود، لافتا في هذا الصدد إلى أهمية التطبيق المرن والمتدرج لهذه الضريبة وذلك حتى تتمكن قطاعات الأعمال، ومن بينها قطاع المصارف والبنوك من مواكبتها وتوفير كل الدعم للمساهمة في إنجاحها.وأشار إلى ضرورة إتاحة فترة زمنية كافية أمام البنوك والمؤسسات المالية لتقوم بتهيئة موظفيها وأنظمتها المحاسبية والإدارية والتجارية والمعلوماتية لاستيعاب تطبيق هذه الضريبة، وشدد على أن جمعية مصارف البحرين لن تدخر جهدا في تنظيم برامج وفعاليات حول ضريبة القيمة المضافة لأعضائها،وذلك بهدف نشر الوعي بينهم وتعريفهم بأهم التأثيرات المحتملة للضريبة على أعمالهم والأنشطة المختلفة للبنوك، وذلك في إطار عمل الجمعية على تهيئة القطاع للاستعداد لمختلف التطورات والإصلاحات الاقتصادية الجارية في البحرين ودول الخليج العربي.وأوضح الدكتور القاسم وجود أكثر من سيناريو لتطبيق ضريبة القيمة المضافة على البنوك، وتطرق إلى تقرير حديث أصدرته شركة «ديلويت» جاء فيه «تواجه عملية فرض الضرائب على الخدمات المالية وخدمات التأمين صعوبات كثيرة. ويُعتبَر فرض الضرائب على هذه الخدمات أمراً صعباً؛ فقيمة الخدمة المالية أو المعاملة المالية لأغراض ضريبة القيمة المضافة، وخاصةً في سياق المعاملات القائمة على الهامش، يكاد يستحيل تحديدها بدقة واتساق على أساس كل معاملة على حدة.

ونتيجةً لذلك فإن الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة غالباً ما يُعدّ منهجية مفضّلة في السياسة».تعزيز الاقتصادمن جانبه أكد رجل الأعمال أكرم مكناس أن ضريبة القيمة المضافة تأتي كخطوة واسعة على طريق تحول اقتصاديات دول الخليج العربي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد حقيقي قائم على الانتاجية وزيادة فعالية العنصر البشري، يضاف إلى الاجراءات الأخرى التي اتخذتها دول الخليج مثل رفع الدعم عن الطاقة وخصخصة بعض الخدمات الحكومية.وأضاف مكناس أن ضريبة القيمة المضافة ستحقق فائدة أكبر للدول الخليجية ذات الدخل الأقل من النفط مثل البحرين، خاصة وأن البحرين لديها مشكلة دين عام متفاقم مقابل وجود فوائض راكمتها شقيقاتها الخليجيات، ولا بد من خلق وفرض ضرائب من أجل المساهمة في تنويع المواد المالية.وتابع أن ضريبة القيمة المضافة -وهي الضربية التي يدفعها المشتري عند عملية الشراء- تشكل حلا عمليا مجربا في الكثير من الدول من أجل تعزيز إيرادات خزينة الدولة، لكن يجب أن يجري تطبيقها على أسس سليمة حتى لا يحدث هناك تضخم كبير وترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل غير مبرر.التعلم من التطبيقمن جانبه قال الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري إن المخاوف من الآثار السلبية المحتملة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وعدم امتلاك الدراية الكاملة لتشغيل هذه الضريبة، يجب ألا يكون عائقا أمام تطبيقها، ودعا جعفري إلى تطبيق هذ الضريبة بأي شكل وبأسرع وقت، ويمكن بعدها التعلم من الأخطاء والتقييم، وإعادة التوجيه، وصولا للتطبيق النموذجي المطلوب، وقال «نحن الاقتصاديين لسنا موافقين على ضريبة القيمة المضافة فحسب، وإنما ندعو ونطالب بتطبيقها في أسرع وقت ممكن». وقال «المستهلك النهائي سيدفع هذه الضريبة، وعلى صاحب العمل تنظيم حساباته لتتوافق مع النظام الضريبي، وهذا قد يتطلب جهودا وإنهاكا إداريا في البداية، لكن مع مرور الزمن يجب علينا أن نتأقلم».وأشار جعفري إلى أن تعقيد احتساب ضريبة القيمة المضافة يمكن حله عبر الاستفادة من تجارب كثير من الدول حول العالم التي سبق وطبقت هذه الضريبة، إلى أن تصبح الأمور مفهومة وتجري بسلاسة، وتحدث عن إمكانية استحداث هيئة مستقلة فعالة أكثر فيما لو كانت تحت مظلة وزارة المالية، لأنه مع مرور الزمن ستصبح هذه الهيئة ضخمة نسبيا ونشطة نسبيا، لكن مع الحرص على الحذر واليقظة وتنزيل التكاليف إلى أدنى درجاتها.

© Al Ayam 2017