• تشديد السياسة النقدية وارتفاع الدولار والنزاعات التجارية تطيح بعملات الأسواق الناشئة
  • الديون الرخيصة طوال السنوات الماضية أغرت الدول بالتوسع في الاقتراض الخارجي


قال تقرير بنك الكويت الوطني إن العديد من الأسواق الناشئة شهدت هروب رأس المال على مدى الأشهر القليلة الماضية، بسبب تشديد السياسة النقدية العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، وتعزيز الدولار الأميركي، وعدم اليقين والتوترات الناتجة عن النزاعات التجارية.

وقد كانت أكثر الدول تأثرا هي تلك التي تمتلك أساسيات اقتصادية ضعيفة وتعتمد بشكل كبيرعلى التمويل الخارجي. ومن بين تلك الدول، تأثرت تركيا والأرجنتين بشدة من الضغوط على العملات، نتيجة ضعف ثقة المستثمرين.

وقد تكون حدة تدهور عملاتهما سببا في انتشار العدوى إلى الاقتصادات الناشئة الأخرى، بما في ذلك الدول ذات الأساسيات الاقتصادية الأفضل، مثل الهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والفلبين وغيرها.

ديون وضعف إدارة

ويقول التقرير رغم أن كلا البلدين تعرض للصدمات الخارجية التي لم يكن لهما دور فيها، إلا أنهما يشتركان في عدد من المشاكل الاقتصادية الداخلية، التي ساهمت في ضعف عملتيهما. إذ لديهما نسبة كبيرة من الديون الخارجية ذات فترات استحقاق قصيرة الأجل نسبيا، وعجز كبير في الميزانية العامة والحسابات الجاريـــة الخارجيـــــة، بالاضافة إلى ضعف الإدارة الاقتصادية. حيث إن لدى كلا البلدين عجز كبير في الميزانية وعجز في الحساب الجاري (عجزان توأمان).

في الأرجنتين، لطالما كان العجز المالي الحكومي هو السبب الرئيسي في عدم التوازن الكبير في الحساب الجاري الخارجي. ورغم أن السلطات كانت تحاول تخفيض عجز الميزانية على مدى السنتين إلى الثلاث سنوات الماضية، كانت وتيرة التعديل أقل مما توقعه المستثمرون. وفي الوقت نفسه، حدثت زيادة حادة في الاقتراض بالدولار لتمويل العجز، مما زاد من سهولة تعرض البلد لأي تغير في تصورات المستثمرين.

آفة القروض الرخيصة

أما في تركيا فتم تمويل العجز في الحساب الجاري عن طريق قروض خارجية كبيرة، والتي كان من السهل الحصول عليها في ظل انخفاض كلفة الدين في الأسواق العالمية. في الوقت نفسه، ساهمت السياسة المالية التوسعية في زيادة معدل النمو بأكثر من 7% في العام الماضي، مع استمرار ضعف عجز الميزانية.

وقد تراكمت الديون الأجنبية في كلا البلدين، مع اختلاف طبيعة الدين: حيث شكل الدين الحكومي نسبة أكبر في الأرجنتين، بينما يمثل دين القطاع الخاص الحصة الأكبر في تركيا.

وتشير التقديرات إلى أن قيمة سداد الدين للقطاع الخاص في تركيا على مدى الـ12 شهرا القادمة تبلغ نحو 180 مليار دولار. ومع انخفاض قيمة الليرة، فإن سداد هذا الدين يضع الكثير من الضغوط على البنوك وعلى العديد من الشركات الكبيرة المديونة بالدولار أو باليورو.

ارتفع التضخم بشكل حاد في كلا البلدين، حيث أدت الانخفاضات الأخيرة في قيمة العملة إلى تفاقم الوضع مع توقع استمرار ارتفاع التضخم. ففي الأرجنتين، ارتفع التضخم إلى أكثر من 30% في يوليو، بينما بلغ حوالي 18% في تركيا.

وأدى معدل النمو المرتفع في تركيا العام الماضي (7.5%)، الناتج عن السياسة المالية التوسعية وأنشطة القطاع الخاص الممولة بالاقتراض الأجنبي إلى اقتصاد محموم ومعدلات تضخم عالية لم يتم التعامل معها على الفور. ولقد تركزت أنشطة القطاع الخاص في مجال العقارات، مما أدى إلى وفرة المعروض وانخفاض الأسعار، الامر الذي زاد من حالة الضعف القائمة.

كيف تعامل البلدان مع الصدمات؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، تجب الإشارة إلى أنه على الرغم من أن انخفاض قيمة العملتين هو مظهر من مظاهر المشاكل الاقتصادية الأعمق (مع استثناء الصعوبات السياسية والصدمات الخارجية)، إلا أنه سيكون من الصعب في هذه المرحلة حل هذه المشاكل قبل إعادة الهدوء إلى أسواق الصرف الأجنبي. وقد استجاب البلدان للصدمات بشكل مختلف ولكن انتهى الأمر بنفس النتائج: مزيد من انخفاض قيمة العملة.

فقد اتخذت السلطات الأرجنتينية إجراءات استباقية فور ظهور أولى بوادر المشاكل وذلك لتجنب حدوث أزمة شاملة، حيث قامت بتبني سياسات نقدية ومالية متشددة، وبعد فترة وجيزة طلبت المساعدة من صندوق النقد الدولي. من ناحية أخرى، فشلت تركيا في بذل جهود حثيثة لمعالجة الأزمة مباشرة والاستجابة بشكل مناسب للضغط التضخمي.

أما استجابة تركيا، فقد توقع المستثمرون من البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، إلا أن البنك قاوم ذلك نتيجة ضغوط من الرئيس أردوغان الذي يعتبر معدلات الفائدة المرتفعة مصدر كل المشاكل. ولكن الضغوط السلبية على الليرة وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، دفعا البنك المركزي لمعالجة الوضع، حيث فاجأ الأسواق برفع الفائدة (سعر إعادة الشراء لأسبوع واحد) بواقع 635 نقطة أساس لتصل إلى 24% وذلك في الاجتماع الذي عقد في 13 من سبتمبر. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع قيمة الليرة بواقع 4% مقابل الدولار.

الأرجنتين وتركيا .. نهجان مختلفان والنتيجة واحدة

يقول تقرير «الوطني» انه في البداية، حاولت الأرجنتين التعامل مع الأزمة باستخدام ردود تقليدية وملائمة، مثل رفع معدل الفائدة وتضييق العجز في الميزانية وطلب الدعم من صندوق النقد الدولي. وكان من الممكن أن تكون هذه التدابير كافية لوقف الأزمة، ولكنها من حيث المبدأ لم تساعد على حل المشاكل.

وكان رد الأرجنتين في البداية مترددا إلى حد ما. في الواقع، كان هناك بعض العثرات وسوء الفهم الذي أربك المستثمرين بدلا من تهدئتهم. إذ لم تشر الحكومة الأرجنتينية في إعلانها الأولي عن ميزانية العام 2018 إلى تأثير أسعار الفائدة المرتفعة وانخفاض قيمة البيزو وارتفاع فاتورة الفائدة، ما أدى إلى إضعاف استراتيجية التواصل الحكومية. كما كان ينبغي أن تساهم حزمة صندوق النقد الدولي الكبيرة لدعم الأرجنتين في طمأنة المستثمرين، لكن هذا لم يكن كافيا. ولم يتلق المستثمرون هذه التدابير الصارمة بشكل جيد.

أما في تركيا، قد كانت استجابة السلطات غير منسقة ومتماشية مع التطورات اليومية، حيث لم تتبن الاستراتيجيات التقليدية لمعالجة ارتفاع التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار. على العكس، كان هناك موقف غير تقليدي بأن أسعار الفائدة الأعلى سترفع التضخم بدلا من تخفيضه. إلى جانب ذلك، لم تضع السلطات حزمة اقتصادية شاملة تتناول الإجراءات المالية والنقدية وبعض التدابير الهيكلية المطلوبة. وكان الرد غير مقنع وليس من المستغرب أن نرى أن الوضع قد زاد سوءا.

وبالنظر إلى فشل الاجراءات الأرجنتينية، استبعدت السلطات التركية تطبيق إصلاحات اقتصادية تقليدية مع عدم طلب دعم صندوق النقد الدولي، وبالتالي اتخذت موقف «لماذا يجب علينا أن نهتم؟». وفي الواقع، قد يكون هذا الدعم غير مهم لتركيا لأن صندوق النقد الدولي عادة ما يستهدف تراكم الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي ويتعامل بشكل غير مادي مع ديون القطاع الخاص، وهو الشاغل الرئيسي في تركيا في هذا الوقت.

باختصار، يمكن للأرجنتين وتركيا الخروج من الأزمة في حال تبني برامج إصلاح ذات مصداقية وبدعم من صندوق النقد الدولي الذي قد يكون حافزا للدائنين الآخرين، بما في ذلك القطاع الخاص. ومن الضروري جدا تقديم الدعم الدولي للبلدان الأشد تأثرا وذلك من أجل تجنب انتقال العدوى إلى الأسواق الناشئة الأخرى وربما البلدان أخرى.

© Al Anba 2018