مؤخراً، صرح هشام المشيشي رئيس الوزراء التونسي، أن بلاده ستتقدم لصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة من خلال قرض قدره 4 مليار دولار، للمساعدة على خروج الاقتصاد التونسي من الأزمة المتفاقمة التي يعاني منها جراء أزمة كورونا وخلفيات أخرى. 

وحسب رويترز، يقول المشيشي أنه يتوقع للمحادثات أن تستغرق شهرين، وأنه واثق من قدرة تونس على الحصول على التمويل مدعوماً ببرنامج مدته 3 سنوات كما يأمل، مضيفاً أن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي سيقومان بزيارة للولايات هذا الأسبوع لبدء المحادثات. 

وهنا نوضح أن في مثل تلك الحالات، ومع مرور اقتصاد ما بأزمة ثقة، لا يعتبر قدر التمويل أو القرض المتفق عليه أو الذي تسعى إليه الحكومة هو الأمر الأهم بالنسبة لها، وإنما المطلوب في تلك الوقت – ومثلما كانت الحالة مع الاقتصاد المصري في 2016 – هو الحصول على ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، تلك الثقة التي تأتي إذا كانت هناك مؤسسة دولية مثل صندوق النقد تتبنى برنامج وتشرف على تنفيذه في اقتصاد ما، مما يوحي بقدرة هذا الاقتصاد ونية القائمين عليه على إخراجه من وعكته، وهو ما ينظر إليه عادة المجتمع الدولي والمستثمرين الأجانب بشيء من الثقة أو الأمل على الأقل. 

وخلال العقد الأخير مر الاقتصاد التونسي بوعكات شديدة، جاءت أزمة كورونا لتزيد من حدتها للأسف، بالذات مع ما فعلته من أفاعيل في قطاع السياحة، الأمر الذي أدخل تونس في معضلة النمو المنخفض بل والانكماش مع أداء مالي متواضع، ومن ثم ارتفاع إجمالي الدين الحكومي.

للمزيد عن الاقتصاد التونسي، ألقِ نظرة على هذا المقال.

ويكفي هنا أن نشير أن الانكماش الاقتصادي سجل 8.2% في 2020، وهو الأسوأ منذ استقلال البلاد، وتجاوز معدل البطالة 16% في سبتمبر 2020، والتي زادت من معاناة بعض الفئات كالشباب والإناث بالذات. 

ما هو المتوقع مع تدخل صندوق النقد...؟ 

يولي صندوق النقد الدولي بشكل عام  أهمية كبرى على مسألة إعادة التوازن والاستقرار للاقتصاد الكلي macroeconomic stabilization، أي أن مساعدات الصندوق عادة ما تكون مشروطة بسلسلة متكاملة من الإجراءات على الاتجاهات المالية والنقدية.

والغرض منها هو إعادة الاستقرار للمؤشرات الكلية. والاستقرار هنا ليس بمعنى الثبات، وإنما يأتي بمعنى الاستدامة. سنجد  إذن صندوق النقد مهتم في تونس بوضع مسار منخفض للدين العام، ويستلزم ذلك خفض عجز الموازنة – والذي يقدره صندوق النقد بحوالي 10.6% من الناتج المحلي في 2020.

وهنا ستجد الحكومة التونسية نفسها امام مسار تقشفي فيما يتعلق بالدعم والأجور، وهو ما رأيناه عندما رفعت الحكومة أسعار الوقود 3 مرات خلال 4 أشهر في 2021. فبالطبع ستكون هناك تضحيات اجتماعية، كما هو الحال عند أية إجراءات يراها الشعب تقشفية، وتراها الحكومة مجرد "ترشيد".  

إلا أنه على الصعيد الآخر، لن تكون التضحيات دون جدوى، فمن الطبيعي بعد تبني برنامج واضح ومحدد الأهداف لإصلاح اقتصادي في دولة ما، أن تشهد زيادة في التدفقات النقدية والاستثمارات الأجنبية، وأن تنخفض تكلفة اقتراضها من الأسواق الخارجية، وأن يشهد اقتصادها نوعاً من الدَّفعة على المدى المتوسط، وتحسن نسبي في ميزان مدفوعاتها (بالذات لو قامت بمراجعة سعر العملة المحلية بالخفض). 

فما التخوف إذن..؟

التخوف سياسي بالأساس.

فالأزمة التي يمر بها الاقتصاد التونسي تركت جروح اجتماعية غائرة، حيث يعاني المجتمع التونسي من آثار شديدة جراء ارتفاع البطالة، مع وجود مشاكل متأصلة بتفاوت مستويات الدخل والمعيشة بين الأقاليم المختلفة. وهو ما يثير تخوفات حول تجدد الاحتجاجات في الشوارع التونسية، والتي رأيناها متكررة خلال الفترات الأخيرة.

كذلك يضعف من موقف تونس التوتر السياسي الدائر حالياً بين الرئيس التونسي قيس سعيد والكتلة البرلمانية التابعة لحزب"النهضة" الإسلامية، حيث أن الاقتصاد لا يتحسن أبداً وسط أجواء سياسية متوترة. فالأمر يستلزم إذن تهيئة الظروف اجتماعياً وسياسياً قبل الإقدام على تنفيذ برامج "إصلاحية" من أي نوع، حتى لا يدفع المجتمع التونسي ثمن  غرس لن يجني ثماره. 

 

(إعداد: إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بزاوية عربي، وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام