يقول جورج أوريل "في عصرنا لا يوجد شئ اسـمه بعيدا عن السياسة"، وربما وللوهلة الأولى قد يظن البعض أن الرياضة والسياسة عالمان منفصلان كليا، ففي حين تُعرف الرياضة بالتسامح والروح الرياضية والتعاون، لا تَعرف السياسة مثل هذه المفاهيم.

لكن وجه الشبه الوحيد بينهما وهو أن كلاهما قد يكون قد مصدر قلق، إذ يقول الكاتب الأسباني مانويل فاسكيز مونتلبان: "الرياضة الجماهيرية تعد متنفسا للغازات السيئة الموجودة في بطن المجتمع".

ودورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقامة من 4 إلى 20 فبراير الجاري في بكين أحدث مثال على هذا التداخل، حيث أعلنت أمريكا وأستراليا وكندا وبريطانيا وهولندا والدنمارك ودول أخرى مقاطعتها بدعوى سجل الصين السيئ في حقوق الإنسان.

وحكومة بكين متهمة باحتجاز نحو مليون من مسلمي الإيغور ومن الأقليات الأخرى في معسكرات في مقاطعة شينغيانغ، إلى جانب اتهامها بتعقيم نساء بالقوة وفرض العمل القسري.

وانضمت الهند إلى المقاطعة الدبلوماسية بعدما ضمت الصين جندي شارك في مناوشات حدودية ضد القوات الهندية إلى مراسم حمل الشعلة قبل مراسم الافتتاح.

وسبق وردت الصين عن مقاطعة الأولمبياد التي تقودها الولايات المتحدة قائلة عبر سفارتها في واشنطن إن المقاطعة "تلاعب سياسي" لن يكون له أي تأثير على الإطلاق على النجاح بإقامة دورة الألعاب.

والصين والولايات المتحدة هما القوتان العظمتان الأكثر أهمية وتتنافسان على النفوذ العالمي وبينهما مواجهات في عدة مجالات منها التجارة والسياسة وغيرها.

ومن المستبعد أن تؤدي تلك المقاطعة إلى تغيير في سياسات الصين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد الألعاب الأولمبية مقاطعات؛ ففي عام 1980 قاطعت نحو 67 دولة دورة الألعاب الأولمبية في موسكو بسبب الاحتلال السوفيتي السابق لأفغانستان.

وبعدها رد الاتحاد السوفيتي السابق و14 دولة من دول الكتلة الشرقية بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس 1984 ونظموا منافساتهم الخاصة في موسكو.

أنجح مثال

جنوب أفريقيا أفضل مثال لنجاح هذا النهج، إذ أن منعها من المشاركة في الألعاب الأولمبية وبعض الأحداث الرياضية في الفترة من 1964 إلى 1992 بضغط من بعض الدول ساهم في تغيير نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في البلاد.

وأصبح التداخل بين السياسة والرياضة اعتياديا مع مرور السنوات، ولعل أبرز هذا التداخل دأب الدول العربية على مقاطعة الأحداث الرياضية التي تشارك فيها إسرائيل في ضوء الصراع العربي-الإسرائيل.

لكن حدة هذه المقاطعة خفت بعض الشيء مع التطبيع الدافئ لبعض العربية مؤخرًا مع إسرائيل.

أبرز المقاطعات في تاريخ الرياضة

- قاطعت منتخبات دول أفريقيا كأس العالم 1966 احتجاجا على قرار الاتحاد الدولى لكرة القدم بإلزام المنتخبات الأفريقية التى تخطت المرحلة الثانية من التصفيات خوض ملحق مع منتخبات آسيوية للتأهل إلى المونديال.

- دفعت الخلافات السياسة نظام كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية لرفض خوض مواجهة ضد الفريق الإسرائيلي عام 1970، ما كبد كوريا الشمالية المشاركة في نهائيات كأس العالم التي نُظمَت في المكسيك.

- في عام 1973 قاطع نحو 79 لاعب تنس من "اتحاد لاعبي التنس المحترفين" بطولة ويمبلدون فردي رجال بعد إيقاف نيكولا بيليتش لاعب التنس الأول في يوغوسلافيا من قبل اتحاد التنس الوطني، الذي ادعى أنه رفض اللعب في مباراة كأس ديفيز باسم بلاده في وقت سابق.

- قاطعت نحو 29 دولة أغلبها إفريقية الألعاب الأولمبية في مونتريال عام 1976، بعدما رفضت لجنة الألعاب الأولمبية منع مشاركة نويزلندا، في أعقاب قيام فريق الرغبي النيوزلندي بجولة في جنوب أفريقيا وخرق لحظر تفرضه الأمم المتحدة على الأحداث الرياضية في البلد.

- في عام 2018، أعلنت إنجلترا المقاطعة الدبلوماسية لكأس العالم المقام في موسكو على خلفية تحميل الأخيرة مسؤولية تسميم جاسوس سابق في إنجلترا.

- مونديال 2022، تتزايد دعوات مشجعي المنتخبات المتأهلة لكأس العالم، الذي ستستضيفه قطر في الفترة من 21 نوفمبر 2022 وحتى 18 ديسمبر 2022، لمقاطعة البطولة على خلفية سجل الدوحة في حقوق الإنسان خاصة في ما يتعلق بالعمال الذين شاركوا في تشييد البنية التحتية للاستضافة البطولة.

 

(إعداد: مريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي)

(تحرير: أحمد فتيحة، للتواصل:ahmed.feteha@refinitiv.com)

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا

#أخبارسياسية

 

© ZAWYA 2022

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام