05 06 2016

      

يتميز إطار حوكمة تنفيذ "رؤية 2030"، بأنه اعتمد على ثلاثة مستويات من حيث الأدوار والمسؤوليات وأربعة مستويات من حيث آليات التصعيد لحل الإشكالات التي قد تواجه تنفيذ أو تعوق تحقيق الأهداف المرجوة ضمن منظومة حوكمة "رؤية 2030".

فالمستويات الثلاثة للأدوار والمسؤوليات تعمق العمل المؤسساتي والمتابعة الفاعلة على كل مستوى. أما المستويات الأربعة للتصعيد وحل الإشكالات فهي مهمة جدا؛ خصوصا أنها قد تم ضبطها بعدد محدد من الأيام من أجل ضمان انسيابية العمل وإزالة العوائق والإشكالات المتوقعة عند تنفيذ الخطط والمبادرات والمشاريع ووفقا لإطار زمني محدد ومعروف مسبقا.

هذا التكامل بين الأدوار والمسؤوليات من جهة وبين آليات التصعيد وحل الإشكالات من جهة أخرى يحقق التوازن بين وضع الاستراتيجيات والبرامج والمبادرات من جهة وبين آلية تنفيذها والرقابة عليها وتقييم أدائها من جهة أخرى. هذا التوازن مهم جدا لضمان مرونة وتناغم الأدوار بين الجهات التنفيذية والرقابية والتقييمية والتشريعية.

ولعل هذه المرة الأولى التي يتم تنفيذ الحوكمة بهذه الطريقة على المستوى الحكومي. ولذا فإنني يطيب لي أن أبسط الحديث حول التناغم بين المستويات الثلاثة للأدوار والمسؤوليات من جهة وبين المستويات الأربعة في حالة التصعيد وحل المشكلات.

فعلى مستوى الأدوار والمسؤوليات:

فلمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية دور رئيس في رسم التوجهات واعتمادها. كما أن للمجلس دورا حيويا ومهما ليس مقصورا على وضع البرامج والبت فيها وإنما أيضا البث في كل ما يعوق تنفيذ البرامج التنفيذية بما في ذلك البث فيما يطرأ على البرامج والمبادرات من تعديلات. ومن أجل دعم تحقيق هذه الغايات على المستوى الاستراتيجي فقد تم ربط اللجنة المالية بالمجلس الاقتصادي من أجل ضمان تمويل اعتماد البرامج والمبادرات بما في ذلك تطوير إطار النفقات متوسطة المدى. ومن هنا تأتي أهمية الفريق الإعلامي في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في توحيد الرسائل الموجهة للرأي العام وتصحيح الصورة الذهنية لــ "رؤية 2030" بما في ذلك تعزيز مبدأ الشفافية مع الجمهور.

كما أن لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية دورا أيضا مهما جدا على مستوى تطوير الاستراتيجيات وذلك من خلال اللجنة الاستراتيجية وإشرافها على مكتب الإدارة الاستراتيجية ومكتب إدارة المشروعات. اللجنة الاستراتيجية - في اعتقادي - بمنزلة العمود الفقري في الاستراتيجية؛ لأنها تتولى مهام حيوية عدة، منها اقتراح الصيغة الاستراتيجية المحققة لــ "رؤية 2030" وترجمتها إلى برامج تنفيذية. كما تتولى اللجنة متابعة وتنفيذ الاستراتيجية وإزالة العوائق التي قد تواجه تنفيذ الاستراتيجية عبر إشرافها على مكتب إدارة الاستراتيجية التابع للمجلس. لذا فإنني أعتقد أن نجاح تنفيذ الرؤية يعتمد بشكل كبير على سرعة اللجنة الاستراتيجية في تنفيذ واتخاذ القرارات اللازمة في وقتها وعدم مجاملتها لكل من يقف حجر عثرة في تحقيق وتنفيذ البرامج اللازمة لتحقيق "رؤية 2030". لذا فإن ذراع اللجنة التنفيذية وهو مكتب الإدارة الاستراتيجية في مجلس الشؤون الاقتصادية يستسقي قوته من اللجنة التي تشرف عليه. لذا فإن مكتب إدارة الاستراتيجية بمنزلة الجهة التنفيذية التي تساعد اللجنة على القيام بدورها سواء من حيث صياغة الاستراتيجية أو وضع البرامج التنفيذية ومتابعتها أو حتى المشاركة بفاعلية لإزالة العوائق التي قد تحول عن ترجمة الخطط الاستراتيجية من تحقيق "رؤية 2030".

كما أن لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية دورا أساسيا في متابعة المشروعات والبرامج التي يصدرها عبر مكتب إدارة المشروعات. هذا المكتب يتطلب مهارة عالية بإدارة المشاريع وكيفية متابعة المشاريع وضمن تنفيذها بجودة عالية وتكلفة محدودة وحسب الوقت المقرر لها. هذه الشروط الثلاثة رئيسة في إدارة أي مشروع، لذا تكمن أهمية مكتب إدارة المشروعات في قدرته على متابعة المشاريع المحالة إليه من المجلس وفق هذه المعطيات الثلاثة الرئيسة. كما أن للمكتب أدوارا أخرى لا تقل أهمية عن متابعة المشروعات تكمن في متابعة سير المشاريع من وإلى المجلس.

أما وزارة الاقتصاد والتخطيط، فلها دور حيوي على مستوى تطوير الاستراتيجيات أيضا. فللوزارة دور رئيس في دعم الجهات الحكومية في التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي عبر تقديمها المعلومات والإحصاءات اللازمة للأجهزة الحكومية. كما أن للوزارة دورا مهما وتقوم بدور "الثرموميتر" في ضبط الموازنة والمواءمة بين خطط القطاعات والمناطق وبين الجهات ذات العلاقة.

أما مركز الإنجاز والتدخل السريع فهو يقوم بدور في رفع العلم الأحمر لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في حالة تعثر إحدى الجهات في تنفيذ المبادرات المشمولة في البرامج التنفيذية المحققة لـ "رؤية 2030". كما أن للمركز دورا في تقديم الدعم اللازم في تصميم المبادرات وإنجازها وتنفيذها.

أما على مستوى تنفيذ المبادرات والمشاريع، فإن لكل القطاعات الحكومية من وزارات وهيئات حكومية دورا رئيسا في تنفيذها. فكل وزير أو مسؤول عن كل جهة حكومية يعد المسؤول الأول عن تنفيذ الاستراتيجيات المتعلقة بوزارته أو الهيئة المسؤول عنها وحل كل الإشكالات الداخلية التي تعوق تحقيق المبادرات أو المشاريع ذات العلاقة.

يتولى المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة بمتابعة مدى تقدم الأجهزة التنفيذية المختلفة في تنفيذ المبادرات وقياس مستوى تقدمها. فالمركز بمنزلة "الطبلون" أو لوحة التحكم لقائد المركبة dash board؛ لأن للمركز دورا مهما في إبراز أي تعثر أو تأخير في تنفيذ المبادرات والرفع بذلك للجهات ذات العلاقة بشكل دوري.

فلتحقيق "رؤية 2030" لا بد من وجود جهات تضع الاستراتيجيات وجهات تنفذها وجهات تراقب عليها وجهات تدعم التنفيذ. هذا التكامل بين كل هذه المستويات الأربعة مهم جدا لضمان تحقيق الرؤية بشكل صحيح ومتكامل.

الأهم من تحديد المستويات الأربعة أنها تتطرق لكيفية تصعيد القرارات بين كل المستويات الأربعة والدور المنوط من كل جهة سواء على مستوى الجهات التنفيذية أو مكتب الإدارة الاستراتيجية أو اللجنة الخاصة والمشرف على المكتب التنفيذي أو حتى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. فكل جهة عليها مسؤوليات محددة وواجبات تحتم عليها الرفع في حالة عجزها عن تحقيق أحد متطلبات تنفيذ الرؤية للجهة الأعلى حتى تصل لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي لديه الصلاحية في التعامل مع مختلف التحديات التي قد تواجهه في تنفيذ "رؤية 2030".

آلية التصعيد

اللافت للنظر أن التواصل بين مختلف الجهات له وجهان من التواصل؛ ما يعني أن القرارات لن تكون مرتجلة وفردية وإنما من حق كل جهة خصوصا الجهات التنفيذية الرفع بالتحديات التي تواجهها وتمنعها من تنفيذ ما يراد منها القيام به. فحسب آلية التصعيد المذكورة في إطار حوكمة رؤية المملكة لعام 2030، فإنه سيتم التعامل مع هذه التحديات وفقا لطبيعتها وحسب المستويات الأربعة المذكورة لكنها قد لا تزيد على شهر ونصف قبل وصولها إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. هذه الفترة الزمنية قصيرة بالعرف الإداري الحكومي.

• تحديدات وتساؤلات حول حوكمة 2030

أولا: باعتقادي الشخصي أن أكبر عائق لتنفيذ الاستراتيجية يكمن ليس في توافر الميزانيات اللازمة لتحقيق "رؤية 2030" وإنما في مدى توافر الموارد البشرية القادرة على استيعاب وفهم "رؤية المملكة 2030"، ومن ثم معرفة الدور المنوط بها من أجل المشاركة في تحقيقها، وسبق أن كتبت مقالا حول تحديد تحقيق "رؤية 2030" عبر هذه الجريدة.

ثانيا: مشكلة بعض القطاعات الحكومية أنها لا تتعامل مع مسؤولية الخطط الاستراتيجية بجدية، بدليل أنه ووفقا لدراسة أولية فإن عدد الجامعات التي لديها خطة استراتيجية حقيقية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. كما أنه وإلى وقت قريب وعديد من الجهات الحكومية تتعامل مع الخطط الاستراتيجية على أساس أنها قائمة من الأمنيات wish list بسبب أن القائمين والمشرفين على عديد من الخطط الاستراتيجية هم من أنصاف المتعلمين وإن كانوا من الناحية الأكاديمية من حملة الدكتوراه في مجالات ليست لها علاقة بالتخطيط الاستراتيجي لذا يمكن تصنيفهم على أنهم لا يعلمون ولا يدرون أنهم لا يعلمون. وهذه الحقيقة مرجعها جزئيا أن أسهل الطرق للتخلص من شخص مسؤول في أي دائرة حكومية هي تحويله إلى مستشار في التخطيط الاستراتيجي. كما أن بعض مسؤولي الخطط الاستراتيجية يتم تعيينهم كواسطة ومجاملة للمسؤول، لذا فإن أغلبيتهم هم من الأشخاص الذين لا يفقهون من التخطيط الاستراتيجي إلا اسمه؛ بل لا يفرقون بين الخطط السنوية والاستراتيجية أو حتى التشغيلية.

إن فترة السبات العميق التي عاشتها الإدارات المعنية بالتخطيط الاستراتيجي فترة طويلة من الزمان قد انتهت الآن وتحتاج إلى يقظة لأن دورها الآن حيوي وفعال في عمل أي منشأة حكومية لأنها ستكون بمنزلة العقل المنفذ لكل منشأة لتحقيق "رؤية 2030". لذا فإن التحدي الحقيقي لدى الجهات التنفيذية سيكون في إعادة الدور الحقيقي للإدارة المسؤولة عن خططها الاستراتيجية لأنها ستكون مسؤولة عن تطبيق المبادرات اللازمة لتحقيق "رؤية 2030". فلا يمكنها التوقع من فاقد الخبرة العلمية والعملية في التخطيط الاستراتيجي أن ينفذ المبادرات والمشاريع اللازمة لتحقيق "رؤية 2030" لأن فاقد الشيء لا يعطيه. لذا فإن الجهات التنفيذية المعنية بتنفيذ المبادرات والمشاريع اللازمة لتحقيق "رؤية 2030" بحاجة إلى إعادة هيكلتها التنظيمية، حيث تربط إدارة التخطيط الاستراتيجي بالمسؤول الأول فيها؛ لأن هذه الإدارة ستكون مسؤولة عن تنفيذ المبادرات والمشاريع اللازمة لها لضمان سيرها وفق النطاق الزمني اللازم لتحقيق "رؤية 2030". كما يحتاج عديد من الوزارات الحكومية وقبل إعادة الهيكلة التنظيمية إلى تبني الكوادر الخبيرة في الاستراتيجيات وكيفية صياغتها ووضعها وفقا للنطاق الزمني حسب ما يطلب منها.

ثالثا: إن الجهات التنفيذية، التي لا تستطيع تنفيذ المشاريع والمبادرات المطلوبة منها، فإن أسهل الأعذار سيكون طلب التدريب اللازم في التخطيط الاستراتيجي أو إدارة المشاريع؛ لكن هذه الجهات نسيت أو تناست أنه من المفترض أنها عينت على مثل هذه المهام من لديهم المهارات والعلم اللازم في التخطيط وإدارة المشاريع. لذا فإن بعض الجهات قد تدعي أنها ستتعثر في تنفيذ المشاريع أو المبادرات اللازمة منها؛ لكونها بحاجة إلى زيادة في الاعتمادات المالية. فمثلا يذكر أن إحدى أسهل الوسائل لحصول الأقسام داخل المستشفيات على الدعم المالي أو البشري خصوصا في فترة سعي المستشفى للحصول على اعتماد الجودة الدولية JCIA طلب تلك الموارد البشرية أو اللوجستية بدعوى أنها من متطلبات JCIA لدرجة أنها أصبحت عادة لدى بعض الأقسام.

رابعا: أخشى أيضا أن يتم ابتذال "رؤية 2030" حيث تكون كالكليشة الإعلامية لدى المسؤولين التنفيذيين في أحاديثهم وفي لقاءاتهم المختلفة دون أن يكونوا صادقين في تحقيق المشاريع أو المبادرات اللازمة لتحقيق "رؤية 2030".. فمثلا من المؤسف أن بعض الجهات تتحدث عن "رؤية 2030" وهي لا يوجد لديها حتى أسس التخطيط الاستراتيجي؛ فضلا أن يكون لديها خطط استرتيجية. لذا فإن الجانب الإعلامي والفلاشات الإعلامية التي يحاول عديد من الجهات الحكومية التركيز عليها دون وعي حقيقي للدور المنوط بها القيام به يجب أن يتوقف؛ لأن تحقيق الرؤية يتطلب تشميرا وعملا دؤوبا من الجميع لا مجرد شعارات واحتفالات شكلية. لذا فإنني آمل من الفريق الإعلامي في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أن يتدخل حول محاولات بعض الجهات الحكومية ابتذال الرؤية بصورة تفقدها قيمتها وبريقها الوطني.

• تساؤلات حول حوكمة الاستراتيجية:

أولا: هناك جوانب ينبغي إيضاحها من قبل صانع القرار المسؤول عن الخطة التنفيذية لتحقيق "رؤية 2030".. فمثلا هل ستكون آلية تنفيذ الخطط الاستراتيجية محددة أم تترك للقطاعات تحديد الآليات اللازمة؟ بمعنى أن الخطط التنفيذية تتطلب استخدام أدوات معلومة للمختصين. فهل ستكون هذه الأدوات محددة وموحدة؟ أم تترك لكل قطاع استخدام الأدوات التي تناسبه؟ لا شك في إيجابية كل توجه وسلبياته لكن في النهاية يجب الاتفاق على مخرجات محددة وإن كنت شخصيا أفضل توحيدها من أجل تسهيل التدريب واللغة المشتركة المستخدمة. ثانيا: قد يحدث هناك تداخل في بعض المهام بين مختلف مراكز التدخل والإنجاز السريع وبين المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة خصوصا أنها جهات لها بُعد رقابي. لذا كان يجب الإيضاح في حالة تداخل المسؤوليات، فإنه يجب تعيين جهة تفصل في حالة تداخل المسؤوليات أو الاختلاف حول الأدوار بين مختلف الجهات التنفيذية والتشريعية والرقابية والمتابعة. كما أن بعض المهام قد تكون مشتركة مع أكثر من جهة تنفيذية، ففي هذه الحالة من سيكون الفيصل في تحديد التوقعات من كل جهة وفي حالة ارتباط عمل جهة حكومية بإنجاز جهة حكومية أخرى فمن سيكون المحدد؟ ثالثا: برنامج رأس المال البشري من البرامج التي أعلن عنها مع "الرؤية"، ومن المهم تفعيله خلال المرحلة المقبلة، لأن التحدي الأكبر سيكون في هذا الجانب. هذا البرنامج آمل أن يسهم في تقليل الفساد في التعيينات والترقيات؛ لأن العنصر البشري المؤهل هو حجر الزاوية لنجاح أي تطوير أو إحداث تغيير إيجابي في أي مجتمع.

© الاقتصادية 2016