بسبب استمرار ارتفاع التضخم بشكل أكبر من المتوقع، يتفق الآن أغلب محافظي البنوك المركزية حول العالم على أنهم  سيحتاجون إلى تشديد السياسة النقدية هذا العام.  

 بعد سنة من التردد والنقاش حول إذا ما كان التضخم مستدام أو مؤقت، الجدل اليوم ليس ما إذا كنا بحاجة إلى رفع معدلات الفوائد، بل تحول الى مقدار الارتفاع ومدى تكراره.   

وعليه، بات صانعو السياسات النقدية في البنوك المركزية ينقسمون الآن إلى مجموعتين: أولئك الذين يريدون تشديد السياسة، وأولئك الذين يريدون تشديد السياسة بشكل أسرع.    

كان محافظو البنوك المركزية الأمريكية قد وافقوا على إنهاء مشترياتهم من الأصول في مارس القادم، ووضعوا الأساس لما يراه معظمهم على أنه ثلاث زيادات على الأقل في أسعار الفائدة هذا العام.  

في المقابل تتوقع البنوك زيادات أكثر، فمثلا  توقع البنك الاستثماري غولدمان ساكس رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة سبع مرات هذا العام، تبلغ كل منها 25 نقطة أساس أو 0.25%  لاحتواء التضخم الأمريكي الأكثر سخونة من المتوقع، بدلاً من الخمسة التي توقعها في وقت سابق. 

كذلك أعاد البنك الاستثماري مورغان ستانلي مراجعة توقعاته بعد ان فاقت مؤشرات التضخم لشهر يناير التوقعات وبات اليوم يتوقع رفع أسعار الفائدة ست مرات هذا العام بإجمالي 150 نقطة أساس اي ما يعادل 1.5%.  

دروس الماضي  

في دراسة أعدها الاقتصادي ايريك نورلاند لمجموعة CME، يمكن الاستنتاج ان المستثمرون  سابقا قللوا من المقدار الفعلي لارتفاع أسعار الفائدة في بداية كل دورة من دورات التشديد الأربع الماضية وقد جاءت دورات التشديد السابقة خلال فترات نمو أبطأ وتضخم أقل بكثير. 

ونذكر هنا مثالين: 

في يناير 1994، اعتقد المستثمرون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيرفع على الأرجح أسعار الفائدة إلى حوالي 4.25%، بدلاً من ذلك، رفع الاحتياطي الفيدرالي الفوائد أكثر، ووضع أسعار الفائدة عند 6%. 

كذلك في يونيو 1999، قرر البنك الاحتياطي الفيدرالي أن الوقت قد حان ليبدأ في رفع أسعار الفائدة، القرار كان غير متوقع الى حد بعيد، الأمر الذي فاجىء الأسواق ما سبب اضطرابات كبيرة. 

فكان التوقع ان يتم  رفع أسعار الفائدة إلى 5% بحلول نهاية عام 1999 وربما إلى 5.25% بحلول منتصف عام 2000. وبدلاً من ذلك، ذهب الاحتياطي الفيدرالي إلى أبعد من ذلك، حيث رفع أسعار الفائدة إلى 6.5%، وتبع ذلك الانهيار الكبير لأسهم شركات التكنولوجيا حينها .   

 ماذا نستنتج؟  

بناء على دروس الماضي ومقارنة احداثها بوقائع اليوم تدل كل المؤشرات الى ان التشديد هذه المرة سيكون غير متوقع ولكن أيضا مختلف عما جري في السابق ما سيزيد من قلق الأسواق واضطراباتها.   

 عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة خلال دورات التشديد السابقة، كان التضخم قريبًا أو أقل من المستوى المطلوب. وبالتالي كان التشديد استباقيًا، ويهدف إلى منع التضخم من الارتفاع بدلاً من دفعه إلى الأسفل. أعطى ذلك لمجلس الاحتياطي الفيدرالي حرية كبيرة بشأن مدى سرعة رفع أسعار الفائدة وكيفية الاستجابة للبيانات الجديدة. 

ذلك هو عكس ما يجري اليوم حيث ان التضخم مرتفع للغاية، ما سيدفع بالبنك المركزي الـي التحرك بشكل أسرع ورفع الفوائد بمعدلات أكبر، كي يخفض التضخم. هذه التحركات المفاجئة في السياسة النقدية قد تكون مؤشر على فترات انكماشية قادمة في الاقتصاد وتؤدي الى تعكير الأسواق التي تحبذ النمو الاقتصادي وما يرافقها من معدلات فوائد منخفضة.  

 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

#مقالرأي

© Opinion 2022

المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.