لم تثني الخسائر الفادحة التي تكبدتها عدة شركات تكنولوجيا في الأشهر الأخيرة الصندوق السيادي السعودي عن الاستثمار في القطاع، حيث أعلن مؤخرا زيادة استثماراته في شركات تكنولوجيا متنوعة.

فما هي دوافع الصندوق في الاستثمار في شركات التكنولوجيا بقوة بالرغم من تراجعها؟ وهل من الممكن أن تعكس خسائر القطاع هذا الاتجاه في المستقبل القريب؟ 

مكاسب مستقبلية؟

بالرغم من تخفيض حيازته للأسهم الأمريكية بنسبة 23% في الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالربع السابق، قام صندوق الاستثمارات العامة خلال نفس الفترة برفع أسهمه في 3 شركات تكنولوجيا مدرجة في البورصة الأمريكية بنسب مختلفة، وهم مجموعة علي بابا (حوالي 49%) وباي بال (34%)، اللتان يقدمان خدمات مدفوعات إلكترونية، بالإضافة إلى شركة العاب الفيديو تيك تو (102%). 

كذلك قام الصندوق بشراء حصص جديدة في شركات تكنولوجيا على رأسها ميتا، مالكة موقع فيس بوك خلال الربع الأول من العام. ومن أحدث صفقات الصندوق التي تم الإعلان عنها هي شراء مجموعة سافي جيمنج، التابعة للصندوق السيادي السعودي والمتخصصة في الألعاب الإلكترونية، لحصة تبلغ 8.1% في إمبريسر السويدية لألعاب الفيديو مقابل مليار دولار في شهر يونيو الجاري.

وبحسب توبى إيليس، رئيس التقييمات السيادية للشرق الأوسط وإفريقيا بوكالة التصنيف الائتماني فيتش، فأن الصندوق السيادي السعودي يستثمر في شركات مدرجة وغير مدرجة متعلقة بالتكنولوجيا في مجالات مختلفة منذ بضعة سنوات وحتى العام الجاري. 

"يأمل صندوق الاستثمارات العامة أن تنمو قيمة (تلك الحصص) مع الوقت وتدعم محفظته الاستثمارية،" بحسب إيليس لموقع زاوية عربي.

وأضاف: "أسهم (شركات) التكنولوجيا عانت حتى الآن خلال العام الجاري بعد فترة مكاسب طويلة، لذلك سيكون من المثير للاهتمام متابعة.. تطور استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة،" خلال الفترة القادمة في ضوء ذلك التغيير.

وتأثرت شركات التكنولوجيا بالسلب أثر رفع أسعار الفائدة بالإضافة إلى انتهاء ذروة الجائحة واجراءاتها الاحترازية، التي كانت قد أدت إلى زيادة أرباح العديد من شركات التكنولوجيا إلى مستويات قياسية في العامين الماضيين نظرا لزيادة الطلب على حلول تكنولوجية متنوعة أثناء فترات الإغلاق.

وكانت ميتا، أحد الشركات التي استثمر فيها الصندوق خلال الربع الأول من العام، من أبرز شركات التكنولوجيا التي تكبدت خسائر ضخمة، حيث فقدت أسهمها حوالي نصف قيمتها منذ بداية العام الجاري وحتى الآن.

ولم يستجيب الصندوق إلى سؤال زاوية عربي من خلال البريد الإلكتروني حول احتمالية تقليص استثماراته في شركات التكنولوجيا في المستقبل القريب نتيجة خسائر القطاع.

تنويع اقتصاد المملكة  

يعد صندوق الاستثمارات العامة، الذي يترأس مجلس إدارته الأمير محمد بن سلمان، خامس أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم بحجم أصول يتجاوز 600 مليار دولار، بحسب بيانات معهد تصنيف صناديق الثروة السيادية. 

ويهدف الصندوق، الذي زاد نشاطه الاقتصادي بقوة منذ عام 2015، إلى زيادة قيمة أصوله إلى 4 تريليونات ريال (1.2 تريليون دولار)، وهي ضعف القيمة الحالية، بحلول عام 2025، وفقا للموقع الرسمي للصندوق.

ولدى صندوق الاستثمارات العامة استثمارات في بلدان عدة حول العالم. ويستهدف الصندوق، الذي تم تأسيسه منذ أكثر من 50 عام، أن تبلغ نسبة أصوله في الأسواق العالمية 24% بحلول عام 2025.

وفقا لإيليس، تعكس استثمارات الصندوق سواء الخارجية أو المحلية سعي المملكة في تقليل الاعتماد على النفط عن طريق تنويع اقتصادها كما تنص رؤية 2030. 

وقال المحلل "يريد صندوق الاستثمارات العامة أن يجذب استثمارات أجنبية (الي السعودية) من شركات متطورة كالتي يستثمر فيها،" في الوقت الحالي.

الاستثمارات المحلية أكثر أهمية

وتبقى استثمارات الصندوق المحلية، التي تمثل الجزء الأعظم من إجمالي استثماراته، هي الأهم والاكثر تأثيرا على الاقتصاد السعودي، وفقا لإيليس. 

وقال "هذا الاستثمار المحلي سيدعم الأنشطة الاقتصادية ويساعد في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وخلق وظائف".

وأضاف المحلل "محفظة استثمارات صندوق الاستثمارات العامة.. تتضمن مشاريع جيجا محلية وشركات تهدف إلى تطوير قطاعات جديدة في الاقتصاد السعودي".

ويستخدم مصطلح "مشاريع الجيجا" للإشارة إلى المشاريع الضخمة في السعودية، من أبرزها نيوم، وهي مدينة مستدامة تحت الإنشاء.

"على المدى الأطول، ربما بعد 2030، قد يقوم صندوق الاستثمارات العامة بدفع أرباح دورية للحكومة، ما سيدعم الدخل الغير نفطي للميزانية،" بحسب إيليس. 

ويملك الصندوق أسهم في عدد من الشركات السعودية المدرجة على تداول، أبرزها أرامكو واس تي سي للاتصالات والبنك الأهلي السعودي. وفي آخر استثماراته في الشركات السعودية المدرجة، قام الصندوق في شهر مايو الماضي بشراء حصة الأمير السعودي الوليد بن طلال في شركة المملكة القابضة السعودية التي تبلغ 16.87% من أسهم الشركة، مقابل نحو 5.7 مليار ريال أو 1.5 مليار دولار.

وقال إيليس "الأمل هو أن يكون صندوق سيادي ذو إدارة جيدة أكثر فاعلية في تعزيز التنوع الاقتصادي من الاعتماد على الاستثمار التي تقوده الحكومة" السعودية. 

وأضاف: "تحقيق تنوع اقتصادي حقيقي هو أمر صعب جدا ويحتاج الكثير من الوقت."

 

(إعداد: شريف طارق، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل yasmine.saleh@lseg.com)

#تحليلمطول