أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الحدث الذي سيسمح للبلاد بالعودة إلى النظام المالي العالمي بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من الانعزال.  

هذه الخطوة هي جزء من صفقة أوسع تفتح الباب أمام الاستثمار الدولي والتمويل الطارئ من المقرضين الدوليين مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ووفقا لمركز الأبحاث الأمريكي للشؤون الدولية فان الاتفاق يحمل أيضا وعد بتخفيض حصة من الديون السودانية لأمريكا تصل إلى 300 مليون دولار، كما أنه يمهد الطريق لشطب السودان من قائمة حظر السفر لواشنطن وإرسال وفد تجاري رفيع المستوى الى هناك، وذلك بالإضافة إلى وعود بعقد مؤتمرات تجارية واستثمارية لجذب فرص للسودان.  

سنوات من الاقتتال ودمار الاقتصاد  

خلال معظم تاريخها المستقل، عانت السودان من صراعات داخلية أضعفت قدرتها واقتصادها وعزلت البلاد عن المجتمع الدولي. ثم، بموجب شروط اتفاق السلام الشامل في عام 2005، انفصل جنوب السودان في عام 2011. 

وقد عانى السودان من صراع اجتماعي طويل الأمد وفقد ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي بسبب انفصال جنوب السودان. حيث كان قطاع النفط هو المحرك الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي للسودان منذ عام 1999. وعلى مدى عقد تقريبا انتعش الاقتصاد على خلفية ارتفاع إنتاج النفط وارتفاع أسعار النفط، والتدفقات الكبيرة للاستثمار الأجنبي المباشر. ويحتل السودان المركزال23 في قائمة الدول ذات الاحتياطات النفطية باحتياطات تقدر ب5 مليار برميل.

ومنذ الصدمة الاقتصادية لانفصال جنوب السودان، كافح السودان لتحقيق الاستقرار في اقتصاده وتعويض خسارة أرباح النقد الأجنبي. وقد أدى توقف إنتاج النفط في جنوب السودان في عام 2012 لأكثر من عام وما ترتب على ذلك من خسارة في رسوم نقل النفط إلى تفاقم الحالة الهشة للاقتصاد السوداني. هذا والصراعات كانت مستمرة في ولايات جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وبإضافة نقص البنية التحتية الأساسية في مناطق واسعة، جعلت ما يقرب من نصف السكان عند خط الفقر أو تحت خط الفقر. 

وزاد عدد اللاجئين والنازحين في السودان حيث يعمل السودان الآن كبلد عبور للهجرة غير النظامية، بما في ذلك اللاجئين وطالبي اللجوء المتجهين إلى أوروبا. ويقدر البنك الدولي انه هناك 763 ألف لاجئ من جنوب السودان منهم 159 ألف طالب لجوء من إريتريا وسوريا واليمن وتشاد. 

الزمان المناسب والفرصة التي لا تفوت  

جاءت الصفقة في الوقت المناسب تماما. الاقتصاد السوداني في حالة من التراجع مع معدل تضخم تجاوز 200 في المائة، والجنيه السوداني ينخفض عند 262 جنيه مقابل الدولار ولكن المسؤولين السودانيين يعتبرون إن التعويض البالغ 335 مليون دولار كان استثمار كبير في مستقبل السودان من شأنه أن يقطع شوط طويل في تسوية ديون السودان بموجب مبادرة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون. 

التقدم في الإصلاحات مع تسوية المتأخرات وتسوية ديون البلاد وإحراز تقدم في امتثال السودان لأنظمة مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، سيفتح الباب أمام الشركات السودانية للانضمام إلى الشبكات المالية الدولية، وبالتالي للتحويلات، التجارة، وتدفقات الاستثمار. 

هذه الإصلاحات باتت اليوم أكثر ضرورية إذا أراد السودان وقف تدهوره الاقتصادي والوصول إلى الاستقرار والنمو وخلق فرص العمل ولذلك، فإن الهدف المتمثل في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيكون له تأثير مباشر على نجاح أو فشل الحكومة الانتقالية. 

صعوبات حالية مع آمال للمستقبل  

لسنوات عديدة، شكلت العقوبات الأمريكية أحد الأسباب الرئيسية وراء تدهور الأداء الاقتصادي للبلاد. وكان أكثرها إيلاما العقوبات الاقتصادية التي صدرت عام 1997  في زمن الرئيس الأميركي بيل كلينتون والتي فرضت عزل تجاري كامل علي السودان وجمدت أصول النظام في الولايات المتحدة وأضاف الرئيس بوش الأبن عقوبات أخرى على الافراد المتورطين في نزاع دارفور عام 2006. هذه العقوبات عزلت السودان عن النظام الاقتصادي العالمي ومؤسساته المالية، وأصبح من المستحيل استخدام الشبكات المصرفية لإرسال تحويلات العمال أو تحويلات الأموال المتعلقة بالتجارة الخارجية للواردات والصادرات. 

والآن يعاني السودان ، مثله مثل بقية العالم، من التأثير الاجتماعي والاقتصادي غير المسبوق لوباء فيروس كورونا. والتأثير الاقتصادي العام السلبي على السودان سيكون كبير. يشمل التأثير الاقتصادي ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الصادرات. 

بصرف النظر عن مشاكله الاقتصادية المحلية ، فإن السودان بحاجة ماسة إلى إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

وفي الواقع، بدون تدفقات النقد الأجنبي على شكل استثمارات، ومساعدات تنموية، وتحويلات العمال، وبدون الوصول إلى علاقات ثنائية وأسواق دولية أوثق، من الصعب توقع نهضة اقتصادية للاقتصاد السوداني المحاصر والمغلق. 

والآن يوجد طريق لحدوث هذا ونتمنى ان يتم اغتنام الفرصة.

لقراءة مقالات سابقة لمحمد:

لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى

سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟ 

لبنان : المصائب لا تأتي فرادى  

كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟   

قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟ 

العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة

لبنان إلى  أين ؟  

  (للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

© Opinion 2020

المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.