25 12 2016

إن ربط أسعار العملات بعملة معينة مثلما هو الحال في ربط عملات مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأمريكي يعتبر دعامة أساسية لدعم الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي. وقد تحمل الزواج بين عملات بلدان مجلس التعاون الخليجي والدولار الأمريكي أزمة قروض الرهونات العقارية، كما استمر هذا الزواج خلال الأزمات المالية التي تلتها. وقد تحمل ربط تلك العملات بالدولار الأمريكي أيضا التباطؤ الاقتصادي العالمي على نطاق واسع وهبوط الطلب على النفط.   

ولكن هذه الأزمات المتتالية تركت جروحًا في هذه العلاقة الحميمة على الصعيد المالي والسياسة النقدية. ومن أبرز هذه الجروح الانهيار الذي تعرضت له سوق العقارات في دبي ومخاطر عدم القدرة على تغطية خدمة الديون في النظام المصرفي المترابط في المنطقة. وقد أدت مشاكل مثل نقص السيولة إلى إلقاء الضغوط على الاستثمار في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر والكويت. كما شهدت بلدان مجلس التعاون الخليجي تراجعًا في القوة الشرائية لعملاتها بسبب تراجع الدولار الأمريكي المرتبطة به.

وقد دقت أجراس الخطر في بلدان مجلس التعاون الخليجي نظرا لأن الميزانيات الحكومية قد تعرضت للضغوط من كل حدب وصوب بشكل مستمر. ومن هنا أصبح الهدف الأساسي هو التنويع، واضطرت منظمة أوبك لاتخاذ موقف صعب فيما يخص تخفيض الإمدادات من النفط الخام. وكان بدء مشروع الاتحاد النقدي لمجلس التعاون الخليجي، والذي كان يهدف إلى إصدار العملة الخليجية الموحدة في عام 2010، قد تأجل لأن اختلاف السياسة النقدية والواقع الاقتصادي بين الولايات المتحدة وبلدان مجلس التعاون الخليجي قد أدي لإخماد الحماس لبدء المشروع. ونظرا لأمور خاصة بكل من عمان والإمارات العربية المتحدة، انسحب البلدان من الاتحاد النقدي الخليجي المتفق عليه. وارتفع الدين الحكومي من أجل دفع تكاليف التنويع. ومع ذلك، فعلى الرغم من توجيه سهام الانتقادات إلى ربط عملات مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأمريكي والمناداة بضرورة الطلاق، ولكن ما يزال الزواج قائمًا بين هذه العملات والدولار الأمريكي متحديًا جميع العواصف والأنواء.       .   

وقد شهدت الأمور انفراجة في 14 ديسمبر 2016، عندما قام البنك المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة الرئيسية إلى 0.75% من 0.5%. ويبدو أن الأمور تسير نحو الأفضل، على الأقل في الولايات المتحدة، حيث بلغ النمو 3.2% في الربع الثالث، ولذلك فمن المنتظر حدوث قدر أكبر من النمو في الناتج المحلي الإجمالي وفقا للاقتصاد الأمريكي المتنوع.  

ونحن لا نستطيع قول نفس الأمر عن بلدان مجلس التعاون الخليجي. فالنمو ما يزال ضعيفًا بسبب هبوط الطلب على النفط والاعتماد الشديد على عائدات النفط. ويقدر صندوق النقد الدولي أن كتلة مجلس التعاون الخليجي من المتوقع أن تحقق نموًا بنسبة 1.8% في عام 2016، وأن ترتفع هذه النسبة بمقدار ضئيل في عام 2017 لتصل إلى 2.3%. وبالإضافة إلى ذلك، فصحيح أن أسعار النفط قد ارتفعت بعد الاتفاق الذي توصلت إليه منظمة أوبك، ولكنها توقفت عن الارتفاع بعد قرار البنك المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة والذي أدى بدوره لارتفاع الدولار. ومن المرجح أن تؤدي مشكلة سعر الصرف لتذكير التجار في العالم بأن هناك تخمة من المعروض النفطي في الأسواق وأنه لا توجد ضرورة ملحة للشراء. وفي لحظة كتابة هذا التقرير، لم تتجاوز أسعار العقود الآجلة للنفط حتى تسليم ديسمبر 2018 حاجز 55 دولار للبرميل. وما تزال بلدان مجلس التعاون الخليجي تكافح من أجل المحافظة على المستوى الذي تستهدفه أوبك والذي يتراوح بين 55 و 60 دولار للبرميل وتحقيق عائدات دائمة في الوقت نفسه.

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن بلدان مجلس التعاون الخليجي تحتاج إلى خفض العجز وزيادة النمو للمحافظة على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي. ومن الناحية الإيجابية، فالدافع والاتجاه يعد ميزة لربط العملات بالدولار؛ بالتكيف السريع مع الظروف الاقتصادية الجديدة يعتبر أمرًا لا غني عنه في البيئة المتقلبة اليوم على صعيد الاقتصاد الكلي. وفي أفضل السيناريوهات، فالروابط الوثيقة بين اقتصاد بلدان مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد الأمريكي تؤدي لنمو مرن وديناميكي وسريع التحرك. وهذا الأمر ليس سهلا على الإطلاق لأن ربط العملات بعملة الاحتياطي العالمي يعني ضرورة وجود أعمال ونظام مصرفي يتمتعان بالكفاءة. وعلى المدى المتوسط، يوفر ربط العملات بالدولار استمرارية الدعم المالي خلال مرحلة التنويع.

وهناك أسباب أخرى للإبقاء على ربط عملات بلدان مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأمريكي. فإلغاء الارتباط بالدولار الأمريكي يمكن أن يؤدي إلى خفض سريع لقيمة عملات بلدان مجلس التعاون الخليجي. ولعل كازاخستان خير مثال على ذلك؛ فقد انخفضت قيمة التينغ الكازاخستاني بنسبة 25% في يوم واحد عندما تم تعويمه في أسواق عملات متقلبة. فإلغاء الربط يؤدي لهبوط قيمة العملات المحلية ويشجع على خلق فرص العمل في قطاعات التصنيع والسياحة والعقارات. ولكن سيكون من الصعب دفع الديون المقومة بالدولار؛ فتكلفة رأس المال ستزيد وسترتفع أسعار الواردات وسيتضخم العز المالي. وعلى مستوى الأسر، سيجد كثير من الأجانب الذين يعملون في بلدان مجلس التعاون الخليجي أن قيمة رواتبهم قد تآكلت. ويعني ذلك مزيد من الصعوبات في دفع ديونهم العقارية في بلدانهم الأصلية.   

وخلاصة القول، لا أعتقد أن بلدان مجلس التعاون الخليجي ترغب في فك ارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي في أي وقت قريب. وهذا الأمر لا يستبعد مفهوم وجود سلة عملات مثل تم ربط الدينار الكويتي بسلة عملات منذ بضع سنوات. ويمكن أن يؤدي إعادة إحياء فكرة العملة الخليجية الموحدة لتغيير في المسار. والخيارات البديلة لربط العملات بالدولار الأمريكي مثيرة، بل ومثيرة جدا، ولكن في نهاية المطاف فإن الزواج سيظل زواجًا.  

لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة ForexTime

إخلاء المسئولية: يشمل المحتوى الوارد في هذا المقال آراء وأفكار شخصية لا ينبغي تفسيرها باعتبارها تتضمن نصيحة شخصية أو نصيحة أخرى استثمارية أو كلاهما، ولا باعتبارها تتضمن عرضا أو اقتراحا أو كلاهما للقيام بأي معاملات في الأدوات المالية، ولا باعتبارها ضماناً أو توقعا أو كلاهما بما سيكون عليه الأداء في المستقبل. ولا تضمن شركة FXTM أو أي من المنتسبين إليها أو وكلاءها أو مديريها أو موظفيها أو مستخدميها دقة أو صحة أو التوقيت المناسب أو شمولية أي معلومات أو بيانات واردة ولا يتحملون أي مسؤولية فيما يتعلق بالخسائر الناجمة عن أي استثمار تم على أساسها.

التحذير بشأن المخاطر: ينطوي تداول المنتجات القائمة على الرافعة المالية، مثل الفوركس والعقود مقابل الفروقات، على مستوى مرتفع من المخاطر. ولا ينبغي عليك المخاطرة بأكثر مما يمكنك أن تتحمل خسارته، ومن المحتمل أن تخسر أكثر من استثماراتك الأولية. ولا ينبغي أن تقوم بالتداول إلا إذا كنت تفهم فهما تاما للمدى الحقيقي لتعرضك لمخاطر الخسارة. ويجب عليك عند التداول أن تأخذ في اعتبارك على الدوام مستوى خبرتك. إذا بدت المخاطر المتضمنة غير واضحة بالنسبة لك، يرجى الاستعانة بمشورة مالية مستقلة.

© Opinion 2016