دشن سمو ولي العهد الأسبوع الماضي أول ميناء يتم تشغيله وإدارته بالكامل بواسطة القطاع الخاص ويعد هذا الميناء نقلة نوعية نحو تسهيل حركة التجارة العالمية والتعامل معها بديناميكية ومرونة تختصر الزمن وتحقق أعلى معدلات السرعة والإنجاز في تخليص البضائع ووصولها إلى التجار في وقت قياسي ومع أن الموانئ الأخرى قد تحسن أداءها خلال السنوات الماضية وخصوصاُ بعد الاستعانة بالشركات المتخصصة في العمليات اللوجستية وتفريغ السفن إلا أن تشغيل القطاع الخاص قد يختلف كثيراً عن التشغيل الحكومي للموانئ بنظرته الاستثمارية والبحث عن تعظيم الإيرادات والاستفادة القصوى من جميع العمليات التي تدر دخلاً إضافياً عليه وهذا من شأنه تقديم خدمات مبتكرة ومتنوعة وعالية المستوى تحقق أفضل معدلات الأداء ومنح التسهيلات اللازمة التي تتطلبها حركة التجارة العالمية من أجل رضاء واستقطاب أكبر عدد ممكن من المستفيدين وجعل الميناء بيئة جاذبة ومحفزة لممارسة الأعمال، وهي بالتالي تؤسس لخطوة مهمة نحو خصخصة جميع الموانئ السعودية لتقوم بدورها المحوري في دعم رجال الأعمال وتسهيل معاملاتهم عبر استخدام أحدث التقنيات والخدمات اللوجستية والمعدات الاحترافية التي تختصر الزمن وتخفض التكلفة وتحقق أعلى معايير السلامة والجودة، المملكة مقبلة على انفتاح اقتصادي كبير وتدفق لرؤوس الأموال الأجنبية من خلال تحرير التجارة وبناء شراكات كبيرة مع الشركات العالمية سواء في مجال الصناعة أو التعدين أو الطاقة تحقيقاً للرؤية الطموحة 2030 وهذا يحتم أن تقوم الدولة من خلال التشريعات الجديدة على تسهيل وتطوير الخدمات اللوجستية سواء في الموانئ أو النقل البري أو النقل الجوي ولعل الاتفاقية التي وُقعت مؤخراً بين الخطوط السعودية للشحن وميناء الملك عبدالله لإقامة منطقة آمنة للأعمال اللوجستية، والتي سوف تؤسس ممراً بحرياً جوياً لضمان تدفق البضائع إلى الميناء وإعادة تصديرها جواً لتجعل من المملكة منصة لوجستية عالمية.

الموقع الاستراتيجي لميناء الملك عبدالله سوف يجعل منه أهم الموانئ في العالم فهو يربط ثلاث قارات مع بعضها ويتوسط البحر الأحمر حيث تقع قناة السويس التي تربطه بقارة أوروبا وشمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط التي تطل على البحر الأبيض المتوسط وكذلك مضيق باب المندب الذي يربطه ببحر العرب ودول القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا وكذلك دول الشرق الأقصى في القارة الآسيوية، ويتميز موقع الميناء أيضاً بأنه لا يتأثر بعمليات المد والجزر التي عادة تتسبب في تأخير دخول البواخر للميناء وهذا يساعد في استقبال السفن على مدار 24 ساعة مما يقلل من فترات انتظار السفن، كما أن مياه البحر في أرصفة الميناء والتي يصل عمقها إلى حوالي 18 متراً سوف تسمح باستقبال أضخم السفن وهذا يعطي الميناء ميزة نوعية.

الربط الذي سيتم بين شرق المملكة وغربها مروراً بالعاصمة الرياض من خلال شبكة السكك الحديدة سوف يسهل كثيراً حركة التجارة ويختصر الزمن وبالتالي يقلل التكلفة حيث إن مستقبل التجارة وعمليات التبادل التجاري بين الدول يتطلب السرعة والمرونة وإزالة جميع العوائق التي تحد من حرية التجارة وتدفق البضائع، كما أن شبكة الخطوط السريعة التي تربط الميناء بمدينة جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة بالإضافة إلى قطار الحرمين الذي يربط كل هذه المدن مع بعضها ويصل أيضاً إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي سوف يعطي ميناء الملك عبدالله وأيضاً المدينة الاقتصادية ميزة نسبية ويحفز المستثمر الأجنبي وخصوصاً المسلمين منهم الذين تتوق أنفسهم إلى زيارة المدينتين المقدستين.

من العوامل المهمة التي سوف تساعد على نجاح ميناء الملك عبدالله هو إقامة منطقة حرة (Free Zone) مجاورة للميناء من أجل دعم الصادرات سواء للمنتجات التي يتم تصنيعها في المملكة أو البضائع المراد إعادة تصديرها أو حتى السماح للشركات العالمية والاستثمار الأجنبي بفتح منصات لبيع منتجاتهم وإعادة تصديرها وإعفائهم من الضرائب أو الرسوم الجمركية والتي سوف تساهم في تدفق العملة الصعبة وتوفر مزيداً من الفرص الوظيفية للمواطنين، وللأسف فقدت المملكة خلال السنوات الماضية الكثير من المستثمرين مع تشديد الإجراءات والبيروقراطية سواء في الحصول على التأشيرات أو حرية التنقل وخصوصاً مع المستثمرين من الدول الإفريقية المجاورة الذين كانوا يأتون للمملكة لشراء السلع المتعددة وإعادة تصديرها لبلدانهم وكانت تدعم حركة التجارة الداخلية وتضخ أموالاً في الاقتصاد المحلي ومع ذلك التشدد تحولت وجهتهم إلى دول أخرى وخصوصاً مع الانفتاح الكبير من قبل الصين وتسهيل كل الإجراءات من أجل الوصول إليها وعقد الصفقات مع المصانع الصينية وإنتاج كل ما يحتاجه المستثمرون، ومن أجل إعادة هؤلاء المستثمرين إلى المملكة لا بد من إعادة دراسة جميع المعوقات التي تحد من حرية حركة المستثمر وتقديم كافة التسهيلات اللازمة ووضع القوانين المنظمة للحركة التجارية وضمان عدم تدفق الأموال المشبوهة وخصوصاً أن تلك الأموال تجد بيئة خصبة في بعض الدول الإفريقية.

© صحيفة الرياض 2019