19 10 2017

دبي، الإمارات العربية المتحدة.

أعلن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أن عام 2017 هو عام العطاء في الدولة؛ وإقرارًا بذلك، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي، بيانًا يشجع فيه الحكومة على توفير المزيد من فرص العمل التطوعي، والتنسيق مع القطاع الخاص لتحسين المسئولية الاجتماعية للشركات.

2017 – عام العطاء

رسخت دولة الإمارات العربية المتحدة ثقافة الكرم والعطاء منذ زمن طويل، وأحدثت هذه الحملة الأخيرة للعمل الخيري دفعة في المبادرات الخيرية بهدف مساعدة الأشخاص الأقل حظًا والمحتاجين. ورغم أنه ليس هناك حيلة سوى تشجيع تلك المبادرات، إلا أن هناك حاجة لوجود وعي مماثل بشأن القوانين السارية ذات الصلة التي تنظم نشاط جمع التبرعات، والآثار القانونية المترتبة على انتهاك هذه القوانين.

الجهود العالمية في مكافحة تمويل الإرهاب

قد يكون تقييد جمع التبرعات في بلد لها باع طويل في تبرعات المعونات السخية أمرًا متناقضًا، لكن هذا الأمر قد يكون مبررًا تمامًا في سياق التوجه العالمي لمكافحة تمويل الإرهاب. ويتمثل الغرض الرئيسي من التحكم في العطاء الخيري في منع استخدام أموال التبرعات بشكل سيء، أو تحويلها لمنظمات إرهابية؛ فبالرغم من مظاهر النوايا الحسنة، إلا أن الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية تواجه مخاطر عالية من أن تكون منظمات إرهابية قد استغلتها كوسيلة للتخفي خلفها وجمع الأموال من خلال جبهات مشروعة في الظاهر. ويمثل تدفق التبرعات النقدية والمجهولة من خلال هذه المنظمات نقطة ضعف حرجة في التصدي لتمويل الإرهاب، نظرًا لأنه من الصعب غالبًا تحديد مصدر الأموال أو رصد كافة المستفيدين من التبرعات. وهذا الأمر يوفر كمية كبيرة من الفرص المتاحة أمام الجماعات الإرهابية أو الممولين لاستخدام النظام الخيري على نحو سيء، سواء كان ذلك من خلال جمع التبرعات بشكل احتيالي، أو الاستيلاء على التبرعات في مرحلة لاحقة من سلسلة العمليات. وكثيرًا ما تكون المنظمات نفسها غير مدركة لحالات إساءة الاستخدام، ولا سيما عندما ينطوي عملهم على مستويات عالية من التواصل مع أطراف ثالثة، أو عندما يكون مقرها في منطقة نزاع، فحينها يكون الأمر أصعب عند التتبع، ومُرجح بشكل متزايد أن يتسرب المال في جيوب المستفيدين غير المنوطين بالأمر المرتبطين بالمنظمات الإرهابية.

تُشكِّل طبقات التعتيم في تتبع حركة الأموال من خلال المنظمات غير الربحية تحديًا فريدًا لأنظمة مكافحة تمويل الإرهاب؛ وقد تم تحديدها على أنها مخاطر رئيسية في الإطار الدفاعي للولايات القضائية في جميع أرجاء العالم. وكان فريق العمل المعني بالإجراءات المالية، وهو هيئة حكومية دولية مخصصة لتنفيذ أفضل الممارسات للتصدي لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فعالًا في زيادة التوعية بالمخاطر المعنية بالأمر، وفي تنفيذ تدابير الحماية المناسبة.

ولا شك أن التقارير المتنوعة، التي نشرها فريق العمل المعني بالإجراءات المالية ومنظمات مكافحة تمويل الإرهاب، تُسلط الضوء باستمرار على الرابط بين أعمال جمع التبرعات الخيرية وتمويل الإرهاب. وقد أسهمت هذه الاستنتاجات في تشكيل توافق في الآراء على ضرورة اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة حالات إساءة الاستخدام في جميع المجالات.

السيطرة على المخاطر في دولة الإمارات العربية المتحدة

انعكس اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن العلاقة بين مكافحة تمويل الإرهاب والمنظمات الخيرية في كلًا من التشريعات وقائمة المنظمات الإرهابية التي أعلنتها الحكومة، بما في ذلك عدد من المنظمات غير الربحية. وتنظم القوانين الصادرة على المستويين الاتحادي والمحلي ممارسات جمع التبرعات، وتقدم عددًا من الخطوات التي يتعين اتباعها قبل السعي في طلب التبرعات، وإلا تجعل الأطراف نفسها عرضة للمسئولية القانونية. ويتمثل الغرض من هذه التدابير، ليس فقط في منع القنوات غير المشروعة الخاصة بالتمويل الإرهابي، بل أيضًا في توفير قدر من الحماية للجمعيات الخيرية التي قد تكون وقعت ضحية لحالات سوء الاستخدام.

يتوافر تنظيم العمل الخيري في عدد لا يحصى من القوانين على المستوى الاتحادي. حيث يُجرّم القانون رقم 2 لسنة 2008 المعني بجمعيات ومنظمات الرعاية العامة (قانون الجمعيات الخيرية الاتحادي) جمع أية تبرعات من خلال الجمعيات غير المرخصة من وزارة الشئون الاجتماعية. فضلًا عن أن القانون رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة جرائم الإرهاب (قانون مكافحة الإرهاب) يحظر على أي شخص أو كيان تيسير الحصول على أموال للمنظمات الإرهابية، ويخصص للمخالفين عقوبة قاسية تتمثل في السجن لمدة لا تقل عن 10 سنوات حتى مدى الحياة. وفي حين أن الأحكام المتعلقة بتمويل الإرهاب لا تستهدف المنظمات غير الربحية فقط، فإن نطاق تطبيقها يترك مساحة متاحة لتجريم أي نشاط يمكن أن يساعد أي جماعة إرهابية في الحصول على تمويلات، بما في ذلك مبادرات جمع التبرعات.

وعلى الصعيد المحلي، وضعت إمارة دبي على وجه التحديد إطارًا متقدمًا من القوانين لتنظيم مبادرات جمع التبرعات؛ إذ ينص مرسوم دبي رقم 9 لسنة 2015 على مجموعة شاملة من الأحكام، لتقييد كافة عمليات جمع التبرعات في الإمارة، وتطبيقها على جميع التبرعات التي تُعرف على نطاق واسع بأنها: "المبلغ المالي الذي يقدمه المتبرع طوعًا باعتباره تبرع، وتكرُّم، ومساعدة، وعمل خيري، بما في ذلك الزكاة والصدقات."

ويحظر التبرع في أي حالة يكون التبرع فيها مُوجه لجمعية خيرية غير مرخصة، أو في حدث جمع تبرعات لم يحظَ بموافقة كتابية صريحة من دائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري. وتملك الإدارة السلطة المنفردة في منح تراخيص للجمعيات الخيرية التي تسعى للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما أنها مسئولة عن الإشراف على كل طلب للموافقة على مبادرات جمع التبرعات. وحتى في الحالات التي يتم فيها الموافقة على المشاريع، يكون لدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري الصلاحيات للتدقيق في أية تبرعات، ومراجعة المستلمين المقترحين وطرق الإنفاق المتاحة؛ حيث أن هذا الأمر يزود هيئة الإشراف برؤية شاملة حول كيفية السعي للحصول على التبرعات وجمعها، وإعادة توزيعها بين الأطراف المشروعة، مما يقلل فرصة تخصيص الأموال على نحو غير ملائم أو اختلاسها.

يمكن أن يؤدي أي انتهاك لقانون جمع التبرعات إلى دفع غرامة بقدر يتراوح بين 5,000 – 100,000 درهم أو السجن لمدة تتراوح بين شهر واحد– عام واحد، أو كلا الأمرين. كما يولي التشريع اهتمامًا أكبر للأفراد الذين يسعون لجمع التبرعات عن المتبرعين أنفسهم، لكن ما يزال هناك مسئولية تقع على عاتق كل فرد من أجل ضمان أن المتلقين لأية تبرعات هم مُرخصون بشكل قانوني قبل الشروع في تقديم المال. ومن خلال فرض هذه القيود الصارمة على مؤسسات جمع الأموال، فإن حكومة دبي تقدم مستوى أكبر من الحماية للتبرعات التي يمنحها سكانها، بما يضمن استخدامها في الخير بدلًا من الوقوع في يد الممولين الإرهابيين.

مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

مع تقدم التكنولوجيا الحديثة واستخداماتها سريعة الانتشار، تطورت وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح أداة قوية للمشاركة الاجتماعية؛ وبالنظر لكونها منفذًا غير مسبوق لملايين من المستخدمين، وأداة سهلة لا مثيل لها، فإن مواقع الشبكات تستخدم على نحو متزايد كوسيلة لجمع التبرعات وتقديم الدعم للجهود الخيرية.

وسريعًا ما أصبح الاعتماد المتزايد للمنظمات غير الربحية على وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق الانتشار هو سمة لمشهد العطاء العالمي، خاصة عند تشجيع الداعمين على مشاركة المعلومات الترويجية بشأن المنظمة أو بشأن حملتها لجمع التبرعات على صفحات الشبكات. والمشكلة الحقيقية في هذا الصدد هي أن طبيعتها غير الحميدة على ما يبدو تخفف من حدة الآثار القانونية المترتبة على هذا السلوك. وبموجب أحكام القانون رقم 5 لسنة 2012 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة المحتوى المتعلق بالعمل الخيري أصبح جريمة يعاقب عليها القانون. وتنص المادة رقم 27 على أن أي شخص يستخدم تكنولوجيا المعلومات للحصول على التبرعات أو الترويج لها من أجل منظمة غير مرخصة يعتبر مذنبًا بارتكابه جريمة تستوجب العقاب بالسجن وغرامة تتراوح بين 200,000 -500,000 درهم.

وهذا التعريف واسع بما يكفي بحيث يشمل استخدام وتحديد غرامة أكثر من الانتهاكات الأخرى لجمع التبرعات. ويستهدف هذا القانون على وجه التحديد المسئولين عن تنسيق وتشجيع التبرعات أكثر من المتبرعين أنفسهم، لكنه ينطوي على آثار عميقة للمنظمات غير الربحية وللأفراد على حد سواء، في ضوء تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لجلب الدعم والتبرعات.

وتحظى دولة الإمارات العربية المتحدة بسجل موثوق من مضاعفة جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أن لها قائمة متزايدة من الأفراد المعتقلين والمحتجزين بسبب الانتهاكات؛ ومع ذلك لا يزال هناك نقص مقلق في الوعي بين الأحزاب ذات النية الحسنة من حيث المخاطر القانونية. وعلى سكان دولة الإمارات العربية المتحدة توخي الحذر الشديد قبل مشاركة أي محتوى على الإنترنت إذا كان يتضمن إشارة محددة لجهود جمع تبرعات أو عمل الجمعيات الخيرية غير المرخصة، إذ أن هذا مخالف للقانون.

ولا ينبغي أن تؤدي الضوابط المفروضة على التبرع وجمع التبرعات إلى عرقلة الجهود الخيرية، ولكن على الأفراد التأكد من أنهم على اطلاع بشكل مناسب قبل الشروع في أي نشاط له صلة بهذا الأمر. وهناك عدد من المنظمات المرخصة في دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم العديد من الفرص للتبرع، أو التطوع، أو الانخراط في الجهود الخيرية، وكلها مسموح بها بموجب القانون. وإذا اتخذت الخطوات اللازمة لإضفاء الصبغة القانونية على العمل الخيري، فحينها يكون للعاملين على جمع التبرعات الحرية للاستفادة من كرم المجتمع بدولة الإمارات العربية المتحدة بدون عقاب.

إذا كان هناك أي استفسار أو متابعة تتعلق بممارسات جمع التبرعات، يرجى عدم التردد في التواصل مع ابتسم لاسود، شريك، قسم الجرائم المالية، على البريد الإلكتروني (i.lassoued@tamimi.com).

© Al Tamimi & Company 2017