19 10 2017

 دبي، الإمارات العربية المتحدة.

الإمارات العربية المتحدة دولة جاذبة، لذا فهي تستقبل الزوار من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الغالبية العظمى من المقيمين المغتربين. وبينما يتمتع معظم المغتربين بمقومات الحياة في الإمارات العربية المتحدة، فإن بعض الشخصيات الأكثر عدوانية تسعى للنصب على الأفراد والشركات، ثم تبحر مع غروب الشمس عائدة إلى البلدان التي يعتقدون أنهم سيكونون بمأمن فيها من السلطات الإماراتية.

وتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بمكافحة الأنشطة الإجرامية داخل الدولة وخارجها، من خلال سلسلة من المبادرات التشريعية الأخيرة مثل تعديلات أكتوبر 2016 على قانون العقوبات الاتحادي. ومع تصاعد هذا النهج الدولي بصورة كبيرة، يتواصل معنا عملاؤنا بانتظام، ويطلبون مساعدتنا لمعرفة كيفية تحديد موقع المجرمين في الخارج وتسليمهم.

كما أننا نمثل العملاء الدوليين الذين تم القبض عليهم واعتقالهم في دولة الإمارات العربية المتحدة والذين يُطلب البحث عنهم لتسليمهم إلى بلدانهم. ولأن إعادة المجرمين إلى ساحات العدالة ليس أمرًا سهلًا أبدًا، فإن الفهم والتقدير الملائم للإطار الدولي لتسليم المجرمين، وكيفية اتباع أنظمة منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) الخاصة بالتعميم والإشعار الأحمر، تسمح لنا بتقديم مساعدة أفضل لعملائنا والسلطات العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة في جهودها الرامية إلى تحقيق العدالة.

وقد قدمنا في شركة التميمي ومشاركوه مقالاً حول تحديث القانون تحت عنوان "الإبحار في حقل ألغام.. التعاون القضائي المتبادل في المسائل الجنائية"، والذي يتضمن لمحة عامة عن الإنتربول ومبادراته، كما يتناول التطورات الأخيرة في إجراءات الإنتربول، وكيفية تأثيرها على عملائنا في دولة الإمارات العربية المتحدة.

في نوفمبر 2016، أدخل الإنتربول، الذي يقع مقره في ليون بفرنسا، عددًا من الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى تغيير الطريقة التي تستخدم بها الدول الأعضاء نظام الإشعارات الحمراء ونهجها عند طلب تسليم هارب من ولاية قضائية أجنبية. والإشعارات الحمراء هي تنبيهات يعممها الإنتربول على جميع البلدان الأعضاء، يتم فيها تحديد هوية الشخص المطلوب القبض عليه من قبل ولاية قضائية أخرى أو محكمة دولية طلبًا لتسليمه. وهذه التغييرات، التي تستهدف على وجه التحديد تعزيز إجراءات المراجعة بمجرد تلقي أو تعميم طلب الإشعار، تسلط الضوء على ضرورة قيام المدعين العامين بإعداد القضايا الجنائية على نحو سليم قبل تقديم الطلب إلى الأمانة العامة للإنتربول.

وقد تم انتقاد الإنتربول، بوصفه منظمة، بسبب إخفاقاته في منع إساءة استخدام نظام الإشعار الأحمر، الذي أدى في بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة على المتلقين الذين لا يستحقون ذلك. وتنص قواعد الإنتربول على الإجراءات المطلوبة للإشعارات الدولية في الجزء الخاص بمعالجة البيانات؛ ولكن بعد مراجعة الآليات الرقابية، تبين أن سلامة النظام قد تقوضت، مما يجعلها مشتتة مع حالات إساءة الاستخدام. ويُنظر إلى بعض الدول على أنها انتهكت المادتين 2 و3 من دستور الإنتربول، اللتين تمنعان الإشعارات الحمراء أو التشتيت في الحالات التي لا تمتثل للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان أو تقوم على التمييز، بغض النظر عن شكله. وفي إطار الجهود المبذولة لمعالجة هذه التجاوزات وزيادة الشفافية، نفذ الإنتربول عددًا من الإصلاحات الإستراتيجية في عدد من مهامه الداخلية. وفيما يلي أبرز الإصلاحات ذات الصلة:

أولًا، تم تعزيز إجراءات الفحص الداخلية التي يتم اتخاذها قبل إعلان الإشعار الأحمر؛ وتشمل التدابير الجديدة نشر "قوة واجب" مخصصة من الخبراء، وهو فريق متعدد التخصصات يضم محامين ورجال شرطة ومحللين مكلفون بتقديم الدعم والخبرة إلى عملية المراجعة الداخلية والفحص. ومن خلال إدخال مزيد من الفحص، رفع الإنتربول طلبات الدول، حيث أصبح لديه الآن القدرة الأكبر على الكشف عن الإشعارات غير المشروعة ومنعها قبل أن تصل إلى مرحلة التعميم.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعززت قدرة لجنة الرقابة على المحفوظات في الإنتربول من خلال إنشاء دائرة طلبات مستقلة. ووفقًا للمادة 28 من النظام الأساسي الجديد الذي بدأ تطبيقه في 11 مارس 2017 بشأن إنشاء لجنة مراقبة ملفات الإنتربول، ستصبح لدائرة الطلبات الآن سلطة حصرية لمراجعة كافة الطعون المتعلقة بالوصول إلى البيانات أو تصحيحها أو حذفها، بما في ذلك الإشعارات الحمراء المعلقة. ولن يُسمح لأعضاء الدائرة باتخاذ قرارات ملزمة بشأن إلغاء الإشعارات فحسب، بل يُقصد أيضًا أن تخضع العملية لمستوى أعلى من الشفافية. وكان الوصول المحدود إلى البيانات في السابق عائقًا كبيرًا أمام الدفاع ضد الإشعارات الحمراء في الماضي، وسيكون له تداعيات هامة على أي شخص يحاول مكافحة طلبات تسليم المجرمين الزائفة.

وفيما يتعلق بالمراجعة والطعن في فرض الإشعارات الحمراء، فإن الأطر الزمنية المعجلة، التي أنشئت حديثًا للرد على الطلبات، ستتيح الفرصة لمن يسعون إلى معارضة الإشعارات الحمراء المسيئة. وهذا أمر هام ليس فقط لحماية الأفراد المستهدفين من الإشعارات غير المشروعة، ولكن أيضًا من أجل المضي قدمًا للحفاظ على شرعية الإشعارات الحمراء والإنتربول نفسه.

ولعل النتيجة المباشرة لآلية المراجعة المحسنة تتمثل في الوعي البارز بالمسؤولية التي تقع على عاتق المدعين العامين لتقديم قضية قادرة على تحمل طعون أقوى، وذلك لضمان نجاح طلبات الإشعار الأحمر. ومع زيادة إتاحة البيانات التي يقوم عليها كل طلب، ومع معايير أكثر صرامة تطبق في كل مراجعة، فإن المكاتب المركزية الوطنية المسؤولة عن تقديم جميع الطلبات نيابة عن دولها تضع نفسها أمام نطاق أوسع بكثير من الانتقادات المحتملة.

ومن المرجح أن البلدان التي اكتسبت سمعة بتقديم قضايا كثيرة يتم رفضها، ستواجه صعوبات مع تطور هذا الاتجاه. ومن المرجح أيضًا أن تشهد الدول التي من المعروف أنها تمتثل لمعايير الإنتربول تعاونًا أكثر سلاسة مع الولايات القضائية المستفيدة. وينبغي أن تؤكد عملية الاستبعاد هذه على أهمية أن يتم تقديم طلبات الإنتربول من سلطات الدولة على نحو سليم، وعلى المستوى الأولي، من الممثلين القانونيين الذين يلتمسون المساعدة الدولية.

إن تقدير هذه البروتوكولات المتطورة المتعلقة بالإشعارات الحمراء هو أمر بالغ الأهمية، لأن ذلك يشكل جزءًا كبيرًا من إعداد القضايا، ومن ثم إنفاذ القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكما تم التطرق إليه أعلاه، فإن ذلك يحظى بأهمية خاصة بالنسبة لبلد يتمتع بسكان عابرين وشخصية معروفة كمركز دولي. ونظرًا لهذا الوضع الدولي، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة على دراية تامة بإجراءات الإنتربول، وهي تشارك بشكل متزايد في الجهود العالمية لمكافحة الجريمة.

دور الإمارات في الجهود الدولية لمكافحة الجريمة

كجزء من رؤية 2021، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتحديد هدفها المتمثل في أن تصبح المكان الأكثر أمانًا في العالم، وهو عقيدة حاسمة في جهودها لزيادة تعزيز جذبها الاجتماعي والتجاري. ومن أجل تحسين جهودها لمنع الجريمة ومقاضاة مرتكبيها، ستعتمد دولة الإمارات اعتمادًا كبيرًا على جميع جهات إنفاذ القانون على الصعيدين المحلي والخارجي. ولتعزيز هذا الهدف، أبدت حكومة الإمارات التزامها بتحسين التعاون القضائي الدولي من خلال عدد من المبادرات المختلفة.

وفي شهر مارس 2017، تبرعت دولة الإمارات بمبلغ 54 مليون دولار أمريكي لمؤسسة الإنتربول من أجل عالم أكثر أمانًا، وذلك لتوفير الموارد للمشاريع الرئيسية التي تهدف إلى تعزيز قدرة المنظمة على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. كما تعاونت دولة الإمارات مع "اليوروبول" والأطراف المتعاونة الأخرى في عملية التنين، وهي عبارة عن جهد مشترك يستهدف شبكات الجريمة المنظمة العاملة في المناطق الساخنة.

وتسلط هذه المشاريع الدولية الضوء على الجهود طويلة الأجل الرامية إلى تعزيز التعاون القضائي داخل المنطقة، ويتم تعزيز هذه الجهود من خلال إنشاء وكالة على غرار الإنتربول بين بلدان مجلس التعاون الخليجي، المعروفة باسم جهاز الشرطة الخليجي الموحد. ويقع مقر الجهاز في أبو ظبي، ويعمل حاليًا كجهة لإنفاذ القانون في دول مجلس التعاون الخليجي، بهدف توفير أساليب متقدمة لتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق العملياتي. وقد تم توقيع اتفاقية بين الإنتربول وجهاز الشرطة الخليجي الموحد في نوفمبر 2016 لإقامة تعاون مشترك بين الجانبين، مما يدل على طموح الوكالة الإقليمية لأن تصبح أداة فعالة في تعزيز سيادة القانون في دول الخليج.

معايير الإشعار الأحمر

من مزايا الشفافية الزائدة في آليات مراجعة الإنتربول هي ضرورة وجود دلالة واضحة على المعايير التي يجب أن تصل إليها القضايا من أجل اعتماد طلب الإشعار. وتعطي الإصلاحات أولوية واضحة للحفاظ على امتثال الإنتربول للمادة 3 من دستوره التي تنص على ما يلي:

"يحظر تمامًا على المنظمة القيام بأي تدخل أو أنشطة ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري".

ويتم تكريس هذا المبدأ في جوهره للحفاظ على حيادية الإنتربول، وحمايته من الاحتجاج بأي نوع من المسؤولية السياسية. وهذا أمر أساسي بالنسبة لقدرة الوكالة على الحفاظ على مصداقيتها، والعمل بشكل مستقل، وتنفيذ آلية مقبولة عالميًا لتتبع المجرمين على الصعيد الدولي. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الأمر يُقصد به أن يكون بمثابة رادع ضد الممارسة الفاسدة للمدعين العامين، الذين يتابعون الاتهامات الجنائية الزائفة، والتي ترتكبها عادة الدول ذات الأجندة السياسية الخاصة بها؛ وكما يتضح من صياغة المادة نفسها والتقرير الذي أثار هذه الموجة الأخيرة من الإصلاحات، فإن هذه المادة لا توفر سوى القليل من التوجيه والمساعدة كتدبير للحماية من هذه الإساءة في الاستخدام. وكدفاع روتيني، يتم تطبيق "اختبار الهيمنة" على أساس كل حالة على حدة، لتحديد ما إذا كانت الحجج السياسية أو العسكرية أو الدينية أو العنصرية تشكل أسس القضية. ويشير طول هذه القضية والدفاعات الفاشلة المتعلقة بها إلى مدى ضرورة تعزيز التدابير لتحسين قدرة الإنتربول على الصمود أمام الممارسات المسيئة. ومن الواضح أن القضايا الجديدة ستخضع لمعايير أعلى بكثير من الفحص الدقيق، وتحتاج إلى إعدادها وفقًا لذلك.

هذا ولن يكون الوفاء بالمعايير الأخلاقية للمادة 3 كافيًا لضمان قبول طلب الإشعار الأحمر، حيث أن الفحص المكثف للقضايا وتوسيع نطاق الوصول إلى تفاصيل القضية يعطي أهمية أكبر في إعداد شكوى جنائية كاملة.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يتم استخدام نظام تُصدِر بموجبه السلطات المحلية في البداية حظر سفر محلي؛ ثم يتم الاتصال بالمكتب المركزي الوطني في أبو ظبي من أجل تقديم طلب للحصول على أمر اعتقال دولي. وحتى إذا كانت كافة المعلومات المطلوبة مسبقًا موجودة في الملف، فإن نجاح الطلب لا يزال يتوقف على الوفاء بالحد الأدنى من معايير الإنتربول لمعالجة البيانات.

وعلى الرغم من ظهور معايير واضحة، فلا تزال طلبات الإشعار الأحمر تخضع لدرجة من الموضوعية في عملية اتخاذ القرار، والتي يمكن أن تجعل عمليات الموافقة أو الرفض تبدو تعسفية. وتكشف تفاصيل القضايا السابقة، التي كشفت عنها تقارير التحقيق ومستودع ممارسات الإنتربول بشأن المادة 3، مجالات تشريعات الإنتربول الغامضة في تنفيذها، وتهيئ مجالًا كبيرًا للسلطة التقديرية طبقًا لكل حالة على حدة. فعلى سبيل المثال، فإن اختبار الهيمنة السالف الذكر لم يستند على التطبيق المتسق لمعايير تقييم محددة، ولكن يبدو أنه خضع للتفسير الذاتي والانتقائي للحقائق المتاحة لصانع القرار. وبدلًا من التخلي عن الإشعارات الحمراء كممارسة غير مجدية، فعند تقديم المشورة لمحامي العملاء يجب أن نتوقع هذه التحديات لأية طلبات دولية، وبالتالي تقديم قضاياهم بأقصى طرق الاقناع الممكنة.

خاتمة

لقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل أنها سباقة في مبادرات الإنتربول؛ وبوصفها مقر لجهاز الشرطة الخليجي الموحد، ستتحمل الدولة مسؤولية كبيرة في التنقل بين قواعد وإجراءات الإنتربول. وفي عالم اليوم، وعلى وجه التحديد في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكونها موطنًا لكثير من الجنسيات، فإن أولئك الذين وقعوا ضحايا للجرائم الدولية يحتاجون إلى وسيلة انتصاف فعالة، بغض النظر عن مكان الجاني. وإذا كنت تريد الحصول على الشخص المطلوب وتقديمه إلى العدالة، فإن الإعداد والتمثيل الفعال يعد أمرًا حتميًا قبل الشروع في الطريق الطويل للتسليم الدولي.

© Al Tamimi & Company 2017