15 03 2018

قبل عام ونصف، تابع السعوديون بكل انبهار عرضة مليكهم، سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، في دار الأوبرا الكويتية، بمناسبة زيارته دولة الكويت، حيث شهد الحفل عرض فيلم وثائقي عن مسيرة تاريخ العلاقات بين البلدين، وعروضا عسكرية، ولوحات فنية وقصائد، وفقرة غنائية، ومشهدا مسرحيا، احتضنت هذه الألوان الثقافية كلها الدار الفخمة، التي ينتظر أن يُرى مثلها في المملكة.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، شهدت الأوساط الثقافية السعودية أخيراً أحاديث وتصريحات صحفية عن دار الأوبرا السعودية التي طال انتظارها، فهل ستكون "الأوبرا" أحد أهم إنجازات الهيئة العامة للثقافة التي تستعد لتطلق برامجها هذا العام؟

السابعة عربيا

أثبتت دور الأوبرا المنشأة في الدول العربية اهتمام الشعوب بهذا الفن القديم، إذ سنحت لكثيرين فرصة الاستمتاع بالموسيقى الكلاسيكية والمسرحيات المغناة داخل أوطانهم، وخير دليل على ذلك نفاد تذاكر أوبرا دبي في الأيام الأولى لافتتاحها.

ولعل حادثة نفاد التذاكر تدل في حقيقتها على اهتمام عربي واجتياح للفن الأوبرالي والمسرحيات المغناة والأوبريتات في السنوات الأخيرة، فضلاً عن خدمة دور الأوبرا للفنون المسرحية والثقافية الأخرى.

يسجل التاريخ أن مصر كانت الدولة العربية الوحيدة التي تحتضن داراً للأوبرا إلى عام 2004م، العام الذي شهد افتتاح دار الأوبرا السورية، تلاها دار الأوبرا السلطانية في سلطنة عُمان عام 2011م، الأولى في الخليج، ثم ثلاث دور في الكويت ودبي والجزائر، فيما ستكون دار الأوبرا السعودية - إن رأت النور - السابعة عربياً.

ربما حلم تأسيس دار للأوبرا في المملكة كان فيما مضى حلماً بعيد المنال، لكن التغييرات الاجتماعية التي تمت في الآونة الأخيرة تنبئ بمستقبل مشرق، تحتل فيه الموسيقى والمسرح والسينما جانباً ملهماً وبنّاءً، ولها دورها في تهذيب النفوس وتغذية الأرواح.

كنوز عالمية

تشمل الأوبرا كافة الفنون التي تقدم على خشبة المسرح، سيما أن كلمة "أوبرا" بالإيطالية تعنى "عمل"، وتتضمن كل الأعمال الفنية، لكنها على كل حال تعتبر أيقونة الفنون، ومنبراً للثقافات والتراث والتواصل الإنساني.

السائح المتذوق للفن في بقع مختلفة من العالم، يلحظ أن دور الأوبرا عادة ما تكون كنزاً هندسياً، تتميز بالفخامة والتصميم المبهر، والطراز المعماري الفريد.

فمدينة سيدني الأسترالية على سبيل المثال؛ تشتهر بدار الأوبرا التي تشكل تحفة هندسية ومعمارية، على شكل سفينة عملاقة بأشرعتها البيضاء الشهيرة، وتعد أحد أهم مراكز الفن في العالم، فيما يصنف قصر جارنييه، أو أوبرا باريس، ضمن أكبر الدور تاريخياً، وتضم 1600 مقعد، يؤمها السياح من كل حدب وصوب للاطلاع على تاريخها الثقافي.

نيويورك بدورها تحتضن مبنى ذا طابع خاص، تُعرض فيه الأوبرا وعروض الباليه والأوركسترا، أما الإنجليز فقد حرصوا على أن تكون دار الأوبرا صرحاً عظيماً، يعرض فيه الباليه الملكي، فيما أنشأت الدنمارك أحدث دور الأوبرا في العالم، بتكلفة بلغت 500 مليون دولار، وتسمى "دار الأوبرا القومية".

ميلانو الإيطالية، بصفتها إحدى أهم المدن التي تبنت الأوبرا في بداياتها، تضم دار أوبرا عريقة، شُيدت عام 1778م، تمتاز بجودة الصوت ودقته، ولا سيما أن الاعتبارات الأولى في هذه الدور تشمل إعدادات الصوت.

مواصفات سعودية

بالنظر إلى المواصفات العالمية للأوبرا، وما وصلت إليه من فنون هندسية ومعمارية، تعلو الطموحات بشأن تشييد دار أوبرا سعودية بطراز عمراني تراثي، وتصميم فريد واستثنائي، ومكان فسيح يتسع لأكثر من ألفي شخص، تماماً كأوبرا دبي، التي تقع مقابل برج خليفة، بتصميم إبداعي على شكل سفينة شراعية بأنامل المصممة العراقية الراحلة زها حديد.

سرعة الإنجاز أحد أهم مطالب السعوديين، فقد شهدت دار الأوبرا السلطانية، التي أمر سلطان عُمان قابوس بن سعيد بإنشائها عام 2001م، تأخراً ببدء العمل بها حتى عام 2007م، وانتهت بعد عشر سنوات على أمر السلطان، في عام 2011م، إلا أنها على أرض الواقع كانت على مستوى الحدث، مجهزّة بتقنيات حديثة كالشاشات التفاعلية على المقاعد، كما تضم مسرحاً كبيراً، وقاعة مؤتمرات، ومركزاً إنتاجياً يقدم العروض الأوبرالية العالمية والعربية، ومركزاً تجارياً يضم مجموعة من المطاعم العالمية والماركات الفاخرة، وحدائق من الطرازين الإسلامي والأوروبي.

وليس بخافٍ أهمية جودة الصوت، والإضاءة الملائمة، وكافة الإعدادات المسرحية، علاوة على غرف للفنانين وملحقاتها، لمسة رائعة أن احتوت الدار متحفاً أو مكتبة عريقة، وثلاث أو أربع طبقات من المقصورات، تكفي آلاف المتذوقين للفنون.

تجربة الأوبرا المصرية، أو المعروفة باسم المركز الثقافي القومي، كانت ملهمة لمثيلاتها العربية، فالمركز الذي تأسس قبل نحو 150 عاماً يعد أهم معالم القاهرة الثقافية، وفيه ثلاثة مسارح، المسرح الكبير الذي يتسع لـ 1200 مشاهد، المسرح الصغير الذي يتسع لـ 500، والمسرح المكشوف الذي يتسع لـ 600، وإذا ما اتبع الأسلوب ذاته في أوبرا الرياض، فسيحل تحديات قلة أماكن العرض التي تواجهها الهيئة العامة للترفيه في فعالياتها، وهو ما قد تواجهه الهيئة العامة للثقافة في فعالياتها المستقبلية.

في القاهرة تتبع للأوبرا فرق متنوعة، مثل أوركسترا القاهرة السيمفونية، فرقة باليه أوبرا القاهرة، فرقة أوبرا القاهرة، أوركسترا أوبرا القاهرة، فرقة الرقص المسرحي الحديث، فرقة الإنشاد الديني، فرقة كورال الأوبرا، فرقة عبدالحليم نويرة للموسيقى العربية، الفرقة القومية العربية للموسيقى وكورال أطفال الأوبرا، وهي خطوة تنتهجها المراكز الثقافية العالمية للترويج لثقافة بلادها عبر الفرق الوطنية، ولعل من المناسب أن تكون للمملكة فرق موسيقية ومسرحية، تستثمر في المبدعين والموهوبين، كما تستثمر في الأصوات السعودية للأوبرا، بل وغنائها باللغة العربية، لتبني جسوراً ثقافية بين العالمين.

وكغيرها من دور الأوبرا، تفرض الدور على روادها ارتداء ربطة عنق على سبيل المثال، لكن دبي لا تفرض ذلك، إنما تشترط الالتزام بالرقي والأناقة في المظهر. وفي المملكة؛ لوحظ احتفاظ رواد الحفلات الغنائية بالهوية الوطنية، عبر ارتداء الزي التقليدي، الذي سيضفي، بالطبع، علامة مميزة وفارقة على الأوبرا السعودية.

© الاقتصادية 2018