يواصل الصراع الأمريكي - الإيراني تهديد حركة الملاحة البحرية في المنطقة العربية، ملقياً بظلال تطول الاقتصاد العالمي بأكمله.

فبالرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، أعلن أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله إن 3 سفن محملة بالنفط الإيراني تتجه نحو بلاده التي تعاني من نقص حاد في إمدادات الطاقة، ملوحاً بتصعيد عسكري في حال الاعتداء على السفن.

تعيد التوترات الأمنية الى الاذهان الاعتداءات المتكررة على السفن في البحار في الثمانينات  والتسعينات، والتي اكتسبت لقب حرب الناقلات لكثرتها و تأثيرها على الإقتصاد العالمي. لا يقتصر تأثير هذا الصراع على الدول التي تخوضه، بل يمتد ليهدد استقرار أسواق النفط والتأمين العالمية. وقد يكون إثارة الخوف في نفوس أولئك الذين يبحرون في الخليج من أهم الآثار المتبقية للهجمات المحتملة، حتى وإن لم تقع.

وكانت كل من إيران واسرائيل قد تبادلا الاتهامات باستهداف سفن الشحن وناقلات النفط بمنطقة الخليج والمحيط الهندي في الفترة الأخيرة. أتى الرد الأمريكي هذا الشهر، حيث أعلنت البحرية الأمريكية نشر طائرات و زوارق مسيرة في المنطقة لتأمين السفن ضد الهجمات.

بالمفارقة مع اعتداءات الماضي، حرب الناقلات الحالية  تدور على خلفية مواجهة يغلب طبعها السياسي المتعلق ببرنامج إيران النووي على العسكري. فقد استنزفت حروب المنطقة قدرات الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى على الدخول في اقتتال مباشر.

النتيجة صراع يصعب تحديد المتفوق فيه، مثلما الحال في الاقتتال العسكري، لكنه إيضاً أقل دموية وقابل للحل من خلال المفاوضات. فحينما يتوصل الأطراف لاتفاق ستتوقف الهجمات على السفن، بحسب ما يقول لنا التاريخ والذي سنتطرق اليه لاحقا.

تهدف إيران من الأعمال التي تعطل تجارة النفط إلى زيادة الضغط على الولايات المتحدة والعالم للعودة إلى طاولة المفاوضات وإنهاء العقوبات، بدليل ان توقيت الهجمات دائما ما يتزامن مع تعثر مسار الاتفاق النووي الإيراني. فبالرغم من ضعف قدراتها العسكرية مقارنة بأمريكا، يمكن لإيران أن تحقق أهدافها التفاوضية من خلال أعمال تخريب على نطاق صغير يمكن إنكارها بشكل معقول، ويصعب ردعها، وأقل احتمالية لإثارة رد عسكري ساحق.

فما هي حرب الناقلات وكيف بدأت؟ 

حرب الناقلات هو مصطلح يشير إلى المناوشات ضد السفن التجارية في الخليج العربي ومضيق هرمز  أثناء الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات. في عام 1981، بدأ العراق هجمات على السفن لإضعاف قدرة إيران على القتال، وهاجم في البداية السفن التي تحمل إمدادات عسكرية إلى جبهة الحرب البرية ثم هاجم فيما بعد السفن التي تحمل الصادرات الإيرانية. 

نظرًا لأن إيران لم يكن لديها العديد من صواريخ كروز الفعالة المضادة للسفن خلال تلك الفترة ، فقد اضطرت إلى استخدام تكتيكات مختلفة عند استهداف السفن للرد على العراق. على سبيل المثال، استخدمت إيران صواريخ جو - أرض المصممة في الأساس لاختراق الدبابات والمركبات البرية، وهي قدرة غير ذات صلة في الهجمات على السفن. تسببت هذه الهجمات في أضرار مادية طفيفة، و في بعض الأحيان خلفت ضحايا، لكنها لم تكن مؤثرة بالشكل الكافي. 

ثم بعد حصولها على صواريخ مضادة للسفن، توسعت إيران بمهاجمة السفن التابعة لشركاء العراق التجاريين والدول التي أقرضت العراق أموال لدعم مجهودها الحربي. 
 
ورداً على الهجمات الإيرانية المتزايدة في عام 1987، جذبت الكويت الولايات المتحدة إلى المنطقة لحماية حركة ناقلات النفط. قامت الولايات المتحدة بتغيير علم الناقلات الكويتية، مما جعلها مؤهلة لمرافقة البحرية الأمريكية ووفرت أمن الشحن من وإلى دول الخليج المحايدة. 

الوضع الحالي  

عادت الاعتداءات الى الواجهة عام 2019، حيث كانت تسود التوترات بين إيران من جهة والولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربي من جهة ثانية. حدث ما لا يقل عن ست هجمات كبرى في المنطقة المحيطة بالجزيرة العربية عام 2019 وخمسة أخرى عام 2021. 

ففي مايو 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وأعادت فرض عقوبات عليها بسببِ برنامجها النووي. رداً على ذلك؛ هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام النقل البحري الدولي، حيث يمر أكثر من 20 مليون برميل من صادرات النفط  يومياً باتجاه باقي دول العالم.

في مايو 2019 وقعت أربع هجمات على ناقلات النفط في خليج عمان بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي. وجدت تحقيقات من دول مختلفة كالإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن الهجمات  نفذت عبر ألغام مثبتة في أجسام السفن، مستهدفة تعطيل السفن وليس تدميرها.

وأشار التحقيق الإماراتي إلى تورط "دولة فاعلة"، لكنه لم يذكر إيران بالاسم، على الرغم من أن مسؤولين سعوديين وأمريكيين وجهوا الاتهام بشكل مباشر إلى طهران.  

نفت إيران هذا الاتهام، وألقت باللوم على الولايات المتحدة، زاعمة أن الأخيرة تنشر معلومات مضللة بهدف إثارة الحروب. 

الجولة الثانية من هجمات 2019 أتت بتصعيد في شهر يونيو. تعرضت ناقلة يابانية وأخرى نرويجية لهجوم في المياه الدولية في خليج عمان. اشتعلت النيران في الناقلة النرويجية وارسلت أطقم السفينتين إشارات استغاثة وتم إنقاذهما. كان المسؤولون الأمريكيون أكثر صرامة في إلقاء اللوم على إيران هذه المرة، حيث شاركوا مقطع فيديو يُزعم أنه يظهر فيه زورق دورية إيراني يستعيد لغم غير منفجر من إحدى السفن المتضررة.  

في يوليو 2019، احتجزت بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق بحجة أنها كانت تشحن النفط إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي. ردت إيران بتوقيف ناقلة نفط بريطانية وطاقمها في الخليج العربي، قبل أن يتراجع الطرفان بعد عدة أسابيع ويطلقوا سراح السفينتين. 
 
اعتداءات 2021

في يوليو 2021، تعرضت ناقلة نفط ترفع العلم الليبيري لهجوم قبالة سواحل عمان في بحر العرب. تم تشغيل السفينة من قبل زودياك ماريتايم ومقرها لندن، وهي جزء من مجموعة زودياك التابعة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر. قُتل في الهجوم اثنان من أفراد الطاقم، بريطاني وروماني. 

نفت الحكومة الإيرانية رسمياً تورطها في الهجوم لكن قناة 13 الإسرائيلية نقلت عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن الهجوم "نفذته إيران بمساعدة طائرة بدون طيار" . 

وفي أغسطس 2021، أعلنت 4 ناقلات نفط كانت تبحر في خليج عمان، في نفس الوقت تقريبًا، أنها فقدت السيطرة على القيادة مما يشير إلى فقدان طاقتها اللازمة للقيادة. 

في الوقت نفسه، أبلغت عمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة عن حادث قبالة سواحل الإمارات وصفته بأنه "اختطاف محتمل" لناقلة، حيث يُعتقد أن مجموعة من ثمانية أو تسعة أفراد مسلحين صعدوا على متن السفينة بدون تصريح وأمرت السفينة بالإبحار إلى إيران.   

سؤال مهم

يستمر الاقتصاد العالمي في الاعتماد على النفط، على الرغم من زيادة استخدام الطاقة المتجددة. تعتمد أنظمة النقل على التدفق الثابت للنفط إلى المصافي، ويمكن أن يؤدي انقطاع التدفق إلى حدوث نقص في غضون بضعة أشهر.  فهل تشكل الهجمات تهديد للاقتصاد العالمي؟ 

يعد مضيق هرمز، الذي يوفر ممر من خليج عمان إلى البحر المفتوح، أهم بوابة لصادرات النفط في العالم. تصفه إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) بأنه أسوأ "ممر ضيق" في العالم. التوترات المتصاعدة في الخليج تجلب دائمًا مخاوف من تعطل إمدادات النفط، وتحديدا إغلاق المضيق، حيث يتدفق ما يقرب من 20 % من إمدادات النفط العالمية عبر هذا الممر.

يشير الإستقرار النسبي في أسعار النفط — و حتى الصعود التدريجي على مدار السنة الماضية — إلى أن الأسواق تتوقع أن يظل طريق هرمز مفتوح، ويبدو أن الهجمات قد تم تصميمها لإرسال رسالة سياسية دون تعطيل الأسواق فعليًا.  

ذلك لأن محاولة إغلاق المضيق ستكون بمثابة انتحار لإيران. 

مبدئياً، سيتفاعل الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين على الفور، مما سيجعل من الصعب جدًا على إيران منع حركة الملاحة البحرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إغلاق المضيق سيوحد مستوردي النفط في العالم ضد إيران. في الوقت الذي تكافح فيه إيران بسبب العقوبات الأمريكية، لا يمكنها تحمّل استعداء دول مثل الصين التي تميل إلى الوقوف معها ضد العقوبات وإيجاد حلول بديلة. في الحين ذاته لم تستطع حتى الأن القوات البحرية التابعة لعدة دول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن تمنع الهجمات على السفن في المنطقة تماماً.

لذلك لا يوجد حل حقيقي سوى نجاح المفاوضات وعودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي ورفع العقوبات في مقابل عودة إيران للإلتزام بشروطه، تحديداً خفض عمليات تخصيب اليورانيوم. يعي الطرفان جيداً خطورة الإستمرار في صراعهما الذي لم يخرج منه فائز على مدى عقود.

الأمل الآن أن يدرك الأمر السياسيين في الإدارات الجديدة للبلدين قبل إلحاق المزيد من الضرر.

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)

(تحرير أحمد نعمة الله، وقد عمل أحمد في عدة صحف ووكالات إعلام عالمية ومحلية منها بلومبرغ)

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام