أمسك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هاتف ذكي وآخر من الجيل السابق من الهواتف المحمولة، قائلا إن الفرق بين الجهازين هو نفسه الذي سيكون بين المدن التقليدية ومدينة نيوم، أبرز مشاريع رؤية 2030 للسعودية والتي تهدف إلى تقليل اعتماد اقتصاد المملكة على النفط. 

التعليق المختصر لبن سلمان، الذي ختم به تقديمه للمشروع وسط تصفيق الحاضرين في أكتوبر 2017، لم يتضمن تفاصيل عن خطوات محددة تؤدي إلى تلك القفزة في المدن الحديثة من خلال بناء مدينة متقدمة تكنولوجيا بشكل غير مسبوق.  

بعد مرور حوالي 5 سنوات، لا يزال الغموض يشوب العديد من جوانب مشروع المدينة، التي من المقرر أن يتجاوز حجمها 26,000 كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة إسرائيل بحوالي 4,000 كيلومتر مربع، بالرغم من الإعلان عن المزيد من التفاصيل عن نيوم مؤخرا. 

ففي يوليو الماضي، قال بن سلمان، وهو رئيس مجلس إدارة نيوم، إنه في الغالب سيتم طرح مدينة نيوم، التي تطل على البحر الأحمر وخليج العقبة، للاكتتاب العام في 2024. وسيتم تخصيص صندوق استثماري للمشروع بقيمة 300 مليار ريال (نحو 80 مليار دولار)، وقد تصل قيمته إلى 400 مليار ريال. 

كذلك أعلن ولي العهد السعودي عن تصميم مشروع "ذا لاين" والذي سيتم تشييده داخل حدود نيوم والذي من المتوقع أن يشمل ناطحتي سحاب عملاقتين.

ومن ضمن الشركات التي ستشارك في بناء "ذا لاين" شركة مورفوسيس، ومقرها لوس أنجلوس في الولايات المتحدة، واريشجرام البريطانية، بحسب بلومبرغ. ومن المخطط أن يعيش داخل "ذا لاين" مليون ونصف شخص في 2030، على أن يصل عدد قاطنيها ل9 مليون مع حلول عام 2045. 

"مشروع خيالي" 

حتى هذه اللحظة، تكاد نسبة الإنشاءات في نيوم - التي تقدر ميزانيتها ب500 مليار دولار أمريكي، على أن تعتمد بشكل كلي على مصادر طاقة مستدامة - أن تكون معدومة. 

"كل ما نراه هو صور جرافيكس،" بحسب ما قالته لينيت ساكيتو، مديرة البيانات والتحول الرقمي بمجموعة Allsopp & Allsopp للعقارات، ومقرها دبي، لموقع زاوية عربي.  

"يبدو كأنه مشروع خيالي بدون أي شيء صلب، مثل خطة المشروع أو طرق الدفع،" أضافت ساكيتو، التي كانت تعمل سابقا بشركة بروبرتى فايندر المتخصصة في الاستشارات العقارية. 

وتعمل عدة شركات صينية في المشروع، وفقا لبن سلمان، الذي قال إن هناك محادثات جارية مع شركات أخرى حول العالم للمشاركة في بناء المدينة، التي من المفترض أن تقدم أعلى مستويات الرفاهية لقاطنيها. 

اهتمام المستثمرين 

بالرغم من ضخامة المشروع، إلا أنه لم يستطع جذب أي مستثمرين كبار حتى الآن، وهو ما تعتقد ساكيتو أنه نتيجة طبيعية للغموض المحيط بنيوم وبالاستثمار في السعودية بشكل عام.  

وقالت "ما تحصل عليه نظير الاستثمار في السعودية.. يعتبر في غاية الغموض. مثل ما هي اللوائح، كيف أنت محمي كأجنبي، وما هي الحقوق التي يحصل عليها الأجنبي؟" 

وأضافت: "الناس في المنطقة يأتون لدبي لسبب، وهو الاستمتاع وقت الإجازات والترفيه. ما تحصل عليه حين تأتي إلى دبي هو في غاية الوضوح.. الأجانب لا يذهبون إلى السعودية لقضاء العطلات أو للترفيه، وفجأة أصبح هناك مكان يدعو نيوم من المفترض أن يقدم كل ذلك." 

مستقبل الاقتصاد   

يحيط الغموض أيضا بمستقبل اقتصاد السعودية، الذي لا يزال معتمد بشكل أساسي على النفط بالرغم من اتجاه الحكومة في السنوات الماضية لجعله أكثر تنوعا.  

يمثل النفط 40% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، لذلك أدى ارتفاع أسعار النفط في الشهور الماضية فوق مستوى 100 دولار للبرميل أثر الغزو الروسي لأوكرانيا إلى انتعاش اقتصاد الدول المصدرة للبترول، على رأسها السعودية، أكبر الدول العربية المنتجة للنفط. 

وسجل فائض ميزانية السعودية 77.91 مليار ريال سعودي (20.7 مليار دولار) خلال الربع الثاني من العام الحالي، بدعم من ارتفاع الإيرادات إلى 370.4 مليار ريال تمثل الإيرادات النفطية منها 67.6%، بحسب بيانات حديثة لوزارة المالية السعودية. 

"المستثمر الأساسي في مشروع نيوم حتى الآن.. هو الحكومة السعودية. تدخل القطاع الخاص في التمويل معدوم حتى الآن،" قالت فرح مراد، كبيرة محللي السوق بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى إكس.تي.بي، وهي شركة وساطة مالية لديها مكاتب في عدة بلدان بما في ذلك الإمارات وبريطانيا وتشيلي، لموقع زاوية عربي. 

وأضافت: "لا يبدو هذا كشيء سيئ مع بيئة ارتفاع أسعار النفط الحالية في العالم.. لكن أسواق المال تتحسب (إمكانية حدوث) ركود اقتصادي أكثر فأكثر، ما سيدفع الداعم الأساسي للاقتصاد السعودي - النفط - إلى الانخفاض."  

وبالفعل، بدأت أسعار النفط في الانخفاض خلال أول أسبوع من أغسطس الحالي، مسجلة أدنى مستوياتها منذ ما قبل الحرب الروسية - الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير، حيث تراجعت إلى أقل من 100 دولار للبرميل مع تزايد مخاوف ركود عالمي وشيك. 

هل يصبح طرح نيوم نقطة تحول؟ 

مع الظروف الحالية، من "الصعب جدا" التكهن بأداء نيوم حين يتم طرحها في البورصة السعودية، وفقا لمراد. 

"يجب تحليل بعض العوامل التي لم يتم الإفصاح عنها. من المستحيل أن يتم تحليل عميق باستخدام الطرق التقليدية لشركة بدون أن يكون لها تاريخ طويل في نشر بياناتها المالية،" قالت المحللة. "أيضا من الصعب جدا مقارنتها بأي منافس صريح آخر"، حيث أنه المشروع الأول من نوعه.  

وأضافت أن حملة تسويقية جيدة قد تعوض غياب المعلومات الأساسية، لكن في حالة نيوم قد لا تؤدي إلى تلك النتيجة. "بما أنها ضخمة وعصرية جدا ولم يتم بناء أي شيء مثلها من قبل، قد يخلق عنصر التسويق جدل بين المستثمرين والمحللين عن مدى إمكانية تنفيذها،" بحسب مراد.  

تبلغ تكلفة المرحلة الأولى من نيوم 1.2 تريليون ريال (نحو 320 مليار دولار)، ما يقرب نصف قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحالي للسعودية. وسيستمر العمل بتلك المرحلة حتى عام 2030، وفقا لما أعلنه بن سلمان في يوليو الماضي.  

وسيتم تمويل نصف التكلفة من الصندوق السيادي السعودي، على أن تسعى السعودية في تأمين النصف الآخر من صناديق سيادية أخرى ومستثمرين من القطاع الخاص داخل وخارج السعودية، هذا بالإضافة إلى طرح نيوم في البورصة السعودية. وقال ولي العهد إن نيوم ستبدأ في إدخال مستثمرين كبار في المشروع مع نهاية العام. 

"مبشر جدا" ولكن

وفقا لبن سلمان، من أهداف نيوم هو استيعاب الزيادة السكانية المتوقعة في السعودية، من 34 مليون في الوقت الحالي إلى ما بين 50 و60 مليون في 2030. وأضاف أن حينها، سيرتفع نسبة الأجانب في السعودية من ثلث السكان إلى النصف. 

وقال فيصل دوراني، رئيس أبحاث الشرق الأوسط لدى Knight Frank وهي شركة استشارات عقارية، مقرها لندن، لموقع زاوية عربي إن أبحاث الشركة تشير إلى أن "من بين المشاريع العملاقة المخطط لها في المملكة، نيوم تعتبر المكان الأكثر شعبية للسكن. ثلثي المستثمرين المحتملين راغبين في دفع مقدم عقد للعيش هناك."    

وأضاف: "واحد من كل 5 سعوديين يريدون الانتقال إلى نيوم للعيش هناك، و60% (من المهتمين) يبحثون عن شقق كبيرة مكونة من 3 الى 4 غرف.. كلما زاد وضوح تفاصيل نيوم، سيزيد اهتمام المستثمرين."  

وتقول مراد من إكس.تي.بي إن إطلاق مشروع "ذا لاين" على مراحل هي "خطوة ذكية للغاية، حيث أنه سيسمح للمستثمرين مشاهدة المشروع وهو يتحول إلى حقيقة خطوة بخطوة، ما سيزيد من الثقة في المشروع"، وهو أيضا ما سيحققه عوامل أخرى مثل أن تقرر السعودية خفض الضرائب وإعطاء ضمانات للحفاظ على الخصوصية في وسط بيئة تكنولوجية متقدمة كالتي ستوفرها نيوم. 

ورغم الغموض الحالي، تقول ساكيتو من Allsopp & Allsopp إن نيوم مشروع "مبشر جدا" نظرا لوقوف الدولة السعودية وراءه، "لكننا في حاجة لرؤية المزيد". 

 

(إعداد: شريف طارق، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول