يؤدي النمو السريع في المعروض النقدي وارتفاع أسعار السلع إلى إثارة المخاوف بشأن التضخم.

فقد فعلها النفط أخيرا وبدأ في الارتفاع  إلى فوق 70 دولار للبرميل بينما بلغ نمو الأموال في الولايات المتحدة 25% لعام 2020، وهو أسرع معدل له على الإطلاق.  

ولكن ما مدى قلق المستثمرين؟ ولماذا؟

يبدو أن الأرقام الأخيرة للتضخم في الولايات المتحدة تؤكد أسوأ المخاوف وهي  أننا نتجه نحو نوبة تضخم مستمرة. 

ارتفع معدل التضخم الرئيسي في أمريكا إلى 4.2% على أساس سنوي في أبريل وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2008. وفي الوقت نفسه، ارتفع التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة، إلى 3%، وهو مستوى شوهد آخر مرة في عام 2006. 

من المؤكد أن المستثمرين لديهم سبب وجيه للخوف من ارتفاع التضخم. فمن شأنه أن يقوض تقييمات سوق الأسهم التي تفترض حاليًا، وهو غير معقول، أن أسعار الفائدة المنخفضة جدًا والتي تقترب من الصفر ستستمر إلى أجل غير مسمى تقريبًا وخصوصا بعد ان أكد البنك  المركزي الأمريكي في آخر توقعاته الاقتصادية أنه لا يعتزم رفع سعر الفائدة لمدة 3 سنوات. 

ولكن اذا استمر ارتفاع التضخم، ستكون البنوك المركزية في كل مكان تحت الضغط لتشديد السيولة وكبح جماحها. وستبدأ أسواق السندات في التسعير بمعدلات أعلى، ومع إعادة تقييم المستثمرين للأسهم، ستنشأ فترة من التقلبات المالية مع انخفاض أسواق الأسهم والسندات. 

لماذا قد نشاهد تضخم مرتفع قادم في الولايات المتحدة؟

سبب رقم 1 – قياس التضخم أقل من قيمته الحقيقية 

 اننا نعتقد ان المؤشرات التي نقيس بها التضخم تقلل من قيمته الحقيقية. وقد يكون التضخم الحقيقي أعلى مما تعكسه هذه المؤشرات.  

ومن المسلم به أن هناك مشاكل في قياس أسعار الخدمات أثناء الجائحة.  حيث أدى إغلاق العديد من المؤسسات إلى عدم إمكانية جمع البيانات بالطريقة العادية. بدلاً من ذلك، تم تقدير بعض الأسعار أو تم تسجيلها ببساطة على أنها غير متوفرة. 

ومع ذلك، فإن المصدر الأكبر لعدم القياس ينبع من التغيير في أنماط الإنفاق أثناء الوباء.

على سبيل المثال، أدت إجراءات الحجر الى بقاء الناس في المنازل والتقليل من السفر، وتناول الوجبات بالخارج وزيادة  الإنفاق على الطعام والشراب في المنزل.  

وبالتالي، فإن الأوزان المستخدمة في مؤشرات قياس التضخم والسلة الاستهلاكية والتي تستند إلى أنماط الإنفاق العادية - لا تلتقط التغيير في اقتصاد كورونا.

من الواضح أن هذا الخلل يشكل مشكلة تنفرد بها هذه الجائحة؛ ومع ذلك، يجب أن يتلاشى مع عودة أنماط الإنفاق إلى طبيعته في عام 2021. 

سبب رقم 2 – التحفيزات وزيادة الاستهلاك  

يتمثل القلق الثاني في أن الزيادة في نمو الأموال تمثل فائض في السيولة مما سيخلق طفرة في الإنفاق بمجرد استئناف النشاط الطبيعي. الطلب القوي سيجبر الأسعار على الارتفاع. 

وقد أدت التحفيزات المالية والنقدية خلال فترات الاغلاق الى تراكم للودائع خاصة في قطاع الأسر  حيث تم كبح الإنفاق، كما ارتفعت ودائع الشركات.  وقد انعكس هذا على  ارتفاع معدل الادخار.

على الرغم من أن ارتفاع الودائع النقدية ليس بالأمر غير المعتاد خلال فترات الانكماش،  لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان سيتم إنفاق هذه الودائع، وإذا كان الأمر كذلك، فما مدى السرعة؟ 

سبب رقم 3 - صدمة جانب العرض 

السبب الثالث والأخطر هو ان التضخم يمكن ان يأتي نتيجة صدمة جانب العرض، أو نتيجة سوء تقييم أثر السياسات المالية والنقدية على المدى الطويل. 

إذا كانت هناك تغييرات دائمة في أنماط الإنفاق نتيجة للوباء، فسيلزم ذلك حتما إعادة تخصيص الموارد. وسيتحول العمال إلى القطاعات التي أصبحت مطلوبة بشكل أكبر. هذه التحولات صعبة. قد لا يكون من السهل على العامل إعادة اكتساب المهارات للمهن الجديدة. وقد يؤدي هذا إلى فترة من بطالة مرتفعة.

و يأتي التهديد التضخمي لاحقًا، فيمكن أن تؤدي سياسات تحفيز نقدية ومالية زائدة خلال فترة البطالة المرتفعة إلى حدوث تضخم لأن قدرة العرض للاقتصاد ليست كبيرة.  

ومع ذلك، من السابق لأوانه إجراء تقييم  ولكن قلقنا مشروع. 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  

(تحرير ياسمين صالح، للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام